للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ديار حرب، وإنما هي إلى الصلح أقرب.

قال ابن القيم -رحمه الله-: "الكفار: إمَّا أهل حرب، وإما أهل عهد. وأهل العهد ثلاثة أصناف: أهل ذمة، وأهل هدنة، وأهل أمان. وقد عقد الفقهاء لكل صنف بابًا، فقالوا: باب الهدنة، باب الأمان، باب عقد الذمة. ولفظ الذمة والعهد يتناول هؤلاء كلَّهم في الأصل، وكذلك لفظ الصلح" (١).

ثم شرع: في بيان معنى الذمة والصلح إلى أن قال: "وأما أهل الهدنة: فإنهم صالحوا المسلمين على أن يكونوا في دارهم، سواء كان الصلح على مال أو غير مال. لا تجري عليهم أحكام الإسلام كما تجري على أهل الذمة، لكنْ عليهم الكفُّ عن محاربة المسلمين، وهؤلاء يسمون أهل العهد وأهل الصلح وأهل الهدنة" (٢).

ب - أن مناط مذهب أبي حنيفة مفقودٌ جملةً في هذه الصورة؛ فإن القائلين بجواز الربا يمنعون ما قاله الحنفية من اعتبار أموال أهل تلك الدار مباحةً لمن قدر عليها، فمن دخل تلك البلاد بأمان من أهلها وبتأشيرة تكون أموالهم بالنسبة له غيرَ معصومة، في حين أن ماله هو معصوم بالنسبة إليهم!

فلا يصح إذن الأخذ بهذا المذهب، أو الاستناد إلى ذلك المبدأ، وإلا لزمت لوازم لا يقدر أحد على حمل تبعاتها.

ج - وأخيرًا فإن مذهب الحنفية هو جواز التعامل بالربا مع المسلم الذي أسلم في دار الحرب ولم يهاجر، شأنه في ذلك شأن الحربي؛ قال الكاساني: في "بدائع الصنائع":

"ومنها: أن يكون البدلان متقوَّمينِ شرعًا، وهو أن يكونا مضمونين حقًّا للعبد،


(١) أحكام أهل الذمة، لابن القيم، (٢/ ٨٧٣).
(٢) المرجع السابق، (٢/ ٨٧٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>