للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المعصومة ولا المتقوَّمة ابتداءً، وما هذه العقود إلا وسائل يتحيل بها ويتجنب الوقوع في الغدر حال الحصول على أموالهم.

قال السرخسي: "وإن بايعهم المستأمن إليهم الدرهمَ بالدرهمين نقدًا أو نسيئة، أو بايعهم في الخمر والميتة والخنزير؛ فلا بأس بذلك في قول أبي حنيفة ومحمد؛ ولا يجوز شيء من ذلك في قول أبي يوسف؛ لأن المسلم ملتزمٌ أحكامَ الإسلام حيثما يكون، ومِنْ حُكْمِ الإسلامِ حرمةُ هذا النوع من المعاملة" (١).

وقال الكمال ابن الهمام: "فلو باع مسلم دخل إليه -أي: إلى دار الحرب- مستأمنًا درهمًا بدرهمين حَلَّ، وكذا إذا باع منهم ميتةً أو خنزيرًا أو قامرهم أو أخذ المال؛ يَحِلُّ كل ذلك عند أبي حنيفة ومحمد خلافًا لأبي يوسف" (٢).

فهل يلتزم المبيحون هذه اللوازمَ الخطيرةَ في هذه المجتمعات؟!

ثم إن كلام المبيحين من أهل المذاهب المتبوعة إنما هو عن أخذ الربا من الحربي، لا إعطائه له، ويُحْمَلُ مطلقُ كلامهم في هذا المقام على مقيده؛ ولهذا علل صاحب المبدع من الحنابلة القولَ المرويَ عن أحمد بأنه لا ربا في دار الحرب بقوله: "لأن أموالهم مباحة، وإنما حظرها الأمان في دار الإسلام، فما لم يكن كذلك كان مباحًا" (٣).

وفرضُ المسألة المعاصرة إعطاءُ الربا للحربي، وليس أخذه منه.

وتحرير مذهب الحنفية في ذلك أن الربا عندهم لا يقع ابتداءً بين المسلم والحربي في دار الحرب؛ لأن الربا إسم لفضل يستفاد بالعقد، والزيادة التي ينالها المسلم من الحربي لا ينالهها بمقتضى العقد الربوي، بل بمقتضى الإباحة الأصلية لأموال الحربيين، فالعقد


(١) المبسوط، للسرخسي، (١٠/ ٩٥).
(٢) فتح القدير، لابن الهمام، (٧/ ٣٨).
(٣) المبدع، لابن مفلح، (٤/ ١٥٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>