للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الْفَصْلُ السَّادِسُ فِي الصُّلْحِ عَنْ الْعُيُوبِ]

قَالَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي الْأَصْلِ: إذَا اشْتَرَى عَبْدًا بِأَلْفِ دِرْهَمٍ وَقَبَضَهُ وَنَقَدَهُ الثَّمَنَ ثُمَّ وَجَدَ بِهِ عَيْبًا فَأَنْكَرَ الْبَائِعُ أَنْ يَكُونَ بَاعَهُ وَبِهِ ذَلِكَ الْعَيْبُ ثُمَّ صَالَحَهُ الْبَائِعُ عَلَى أَنْ يَرُدَّ عَلَيْهِ دَرَاهِمَ مُسَمَّاةً حَالَّةً أَوْ إلَى أَجَلٍ فَهُوَ جَائِزٌ، وَلَوْ صَالَحَهُ مِنْ الْعَيْبِ عَلَى دِينَارٍ فَإِنْ نَقَدَهُ قَبْلَ أَنْ يَتَفَرَّقَا فَهُوَ جَائِزٌ وَإِنْ افْتَرَقَا قَبْلَ أَنْ يَنْقُدَهُ بَطَلَ الصُّلْحُ وَلَوْ كَانَ الْمُشْتَرِي بَاعَهُ وَانْتَقَدَ الثَّمَنَ ثُمَّ اطَّلَعَ عَلَى عَيْبٍ بِهِ فَصَالَحَهُ بَائِعُهُ مِنْهُ عَلَى دَرَاهِمَ لَمْ يَجُزْ، فَإِنْ كَانَ الْعَبْدُ مَاتَ عِنْدَ الْمُشْتَرِي الثَّانِي فَرَجَعَ عَلَى بَائِعِهِ بِنُقْصَانِ الْعَيْبِ ثُمَّ إنَّ الْبَائِعَ الثَّانِيَ صَالَحَ الْبَائِعَ الْأَوَّلَ عَلَى صُلْحٍ فَعَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - الصُّلْحُ بَاطِلٌ وَعِنْدَهُمَا صَحِيحٌ، وَإِنْ كَانَ الثَّمَنُ مَكِيلًا أَوْ مَوْزُونًا بِغَيْرِ عَيْنِهِ وَبَيْنَ الْكَيْلِ وَالْوَزْنِ وَتَقَابَضَا ثُمَّ وَجَدَ بِالْعَبْدِ عَيْبًا فَصَالَحَ فَإِنْ وَقَعَ الصُّلْحُ عَلَى بَعْضِ الثَّمَنِ مِنْ جِنْسِهِ فَهُوَ اسْتِيفَاءٌ لَا اسْتِبْدَالٌ فَيَجُوزُ حَالًّا وَمُؤَجَّلًا سَوَاءٌ كَانَ الثَّمَنُ قَائِمًا فِي يَدِ الْمُشْتَرِي أَوْ مُسْتَهْلَكًا، وَإِنْ وَقَعَ الصُّلْحُ عَلَى خِلَافِ جِنْسِ الثَّمَنِ فَهُوَ مُعَاوَضَةٌ فَفِي كُلِّ مَوْضِعٍ حَصَلَ الِافْتِرَاقُ فِيهِ عَنْ عَيْنٍ بِدَيْنٍ يَجُوزُ وَفِي كُلِّ مَوْضِعٍ حَصَلَ الِافْتِرَاقُ فِيهِ عَنْ دَيْنٍ بِدَيْنٍ لَا يَجُوزُ وَإِنْ كَانَ الثَّمَنُ مَكِيلًا أَوْ مَوْزُونًا بِعَيْنِهِ وَتَقَابَضَا وَصَالَحَهُ عَنْ بَعْضِ الثَّمَنِ مِنْ ذَلِكَ الْجِنْسِ مُؤَجَّلًا أَوْ بِعَيْنِهِ فَهُوَ جَائِزٌ إنْ كَانَ الَّذِي أَخَذَهُ عِوَضًا عَنْ الْعَبْدِ مُسْتَهْلَكًا، وَإِنْ كَانَ الَّذِي هُوَ ثَمَنٌ قَائِمًا بِعَيْنِهِ لَمْ يَجُزْ الصُّلْحُ عَلَى بَعْضِ الثَّمَنِ مِنْ ذَلِكَ الْجِنْسِ مُؤَجَّلًا وَجَازَ حَالًّا إذَا أَوْفَاهُ قَبْلَ أَنْ يَتَفَرَّقَا أَوْ كَانَ بِعَيْنِهِ كَذَا فِي الْمُحِيطِ.

وَزَوَالُ الْعَيْبِ يُبْطِلُ الصُّلْحَ فَيُرَدُّ عَلَى الْبَائِعِ مَا بَدَّلَهُ أَوْ حَطَّ إذَا زَالَ وَلَوْ زَالَ بَعْدَ خُرُوجِهِ عَنْ مِلْكِهِ لَا يُرَدُّ وَلَوْ صَالَحَهُ بَعْدَ الشِّرَاءِ مِنْ كُلِّ عَيْبٍ بِدِرْهَمٍ جَازَ وَإِنْ لَمْ يَجِدْ بِهِ عَيْبًا، وَلَوْ قَالَ: اشْتَرَيْت مِنْك الْعُيُوبَ لَمْ يَجُزْ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ

طَعَنَ بِعَيْبٍ فِي عَيْنِهَا ثُمَّ صَالَحَهُ الْبَائِعُ مِنْ عَيْنِهَا عَلَى شَيْءٍ جَازَ وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْ الْعَيْبَ وَجَعَلَ تَسْمِيَةَ مَحَلِّ الْعَيْبِ بِمَنْزِلَةِ تَسْمِيَةِ الْعَيْبِ كَذَا فِي الْمُحِيطِ وَلَوْ وَجَدَ بِهِ عَيْبًا فَاصْطَلَحَا عَلَى أَنْ يَحُطَّ كُلٌّ عَشَرَةً وَيَأْخُذَ الْأَجْنَبِيُّ بِمَا وَرَاءَ الْمَحْطُوطِ وَرَضِيَ الْأَجْنَبِيُّ بِذَلِكَ جَازَ وَجَازَ حَطُّ الْمُشْتَرِي دُونَ الْبَائِعِ، وَلَوْ قَصَّرَ الْمُشْتَرِي الثَّوْبَ فَإِذَا هُوَ مُتَخَرِّقٌ وَقَالَ الْمُشْتَرِي لَا أَدْرِي تَخَرَّقَ عِنْدَ الْقَصَّارِ أَوْ عِنْدَ الْبَائِعِ فَاصْطَلَحُوا عَلَى أَنْ يَقْبَلَهُ الْمُشْتَرِي وَيَرُدَّ عَلَيْهِ الْقَصَّارُ دِرْهَمًا وَالْبَائِعُ دِرْهَمًا جَازَ، وَكَذَلِكَ لَوْ اصْطَلَحُوا عَلَى أَنْ يَقْبَلَهُ الْبَائِعُ وَيَدْفَعَ إلَيْهِ الْقَصَّارُ دِرْهَمًا وَالْمُشْتَرِي دِرْهَمًا قِيلَ هَذَا غَلَطٌ، وَتَأْوِيلُهُ أَنْ يَضْمَنَ الْقَصَّارُ أَوَّلًا لِلْمُشْتَرِي ثُمَّ يَدْفَعَ الْمُشْتَرِي ذَلِكَ إلَى الْبَائِعِ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ.

وَفِي فَتَاوَى الْفَضْلِيِّ اشْتَرَى مِنْ آخَرَ جَارِيَةً وَوَجَدَ بِهَا عَيْبًا فَاصْطَلَحَ عَلَى أَنْ يَدْفَعَ الْبَائِعُ كَذَا دِرْهَمًا وَالْجَارِيَةُ لِلْمُشْتَرِي فَهُوَ جَائِزٌ، وَإِنْ اصْطَلَحَا عَلَى أَنْ يَدْفَعَ الْمُشْتَرِي ذَلِكَ وَالْجَارِيَةُ لِلْبَائِعِ لَا يَجُوزُ إلَّا إذَا بَاعَهَا مِنْهُ بِأَقَلَّ مِنْ الثَّمَنِ الَّذِي اشْتَرَاهَا مِنْهُ بَعْدَ أَنْ كَانَ نَقَدَ الثَّمَنَ كُلَّهُ كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ.

وَهَكَذَا فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ. اشْتَرَى ثَوْبًا فَقَطَعَهُ قَمِيصًا وَلَمْ يَخِطْهُ ثُمَّ وَجَدَ بِهِ عَيْبًا أَقَرَّ الْبَائِعُ أَنَّهُ كَانَ عِنْدَهُ فَصَالَحَهُ الْبَائِعُ عَلَى أَنْ قَبِلَ الْبَائِعُ الثَّوْبَ وَحَطَّ الْمُشْتَرِي عَنْهُ مِنْ الثَّمَنِ مِقْدَارَ دِرْهَمَيْنِ كَانَ هَذَا جَائِزًا وَيُجْعَلُ مَا احْتَبَسَ عِنْدَ الْبَائِعِ مِنْ الثَّمَنِ بِمُقَابَلَةِ مَا اُنْتُقِصَ بِفِعْلِ الْمُشْتَرِي كَذَا فِي الْمُحِيطِ.

. قَالَ فِي الْأَصْلِ: اشْتَرَى أَمَةً بِخَمْسِينَ دِينَارًا وَقَبَضَهَا وَطَعَنَ الْمُشْتَرِي بِعَيْبٍ بِهَا فَاصْطَلَحَا عَلَى أَنْ قَبِلَ الْبَائِعُ السِّلْعَةَ وَرَدَّ عَلَيْهِ تِسْعَةً وَأَرْبَعِينَ دِينَارًا فَالرَّدُّ جَائِزٌ، وَهَلْ يَطِيبُ لِلْبَائِعِ مَا اسْتَفْضَلَ مِنْ الدِّينَارِ؟ يُنْظَرُ إنْ كَانَ الْبَائِعُ مُقِرًّا أَنَّ هَذَا الْعَيْبَ كَانَ عِنْدَهُ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ - رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى - لَا يَطِيبُ وَيَجِبُ عَلَيْهِ رَدُّهُ عَلَى الْمُشْتَرِي، وَعَلَى قِيَاسِ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لَا يَلْزَمُهُ الرَّدُّ، وَأَمَّا إذَا كَانَ جَاحِدًا أَنَّ هَذَا الْعَيْبَ كَانَ عِنْدَهُ إنْ كَانَ عَيْبًا لَا يَحْدُثُ مِثْلُهُ فَكَذَلِكَ

<<  <  ج: ص:  >  >>