للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حَتَّى بَاعَهَا الْآمِرُ، ثُمَّ ذَبَحَهَا فَالْمَأْمُورُ ضَامِنٌ، وَلَا يَرْجِعُ بِمَا ضَمِنَ عَلَى الْآمِرِ عَلِمَ بِالْبَيْعِ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ، أَمَّا إذَا عَلِمَ فَظَاهِرٌ، وَأَمَّا إذَا لَمْ يَعْلَمْ فَلِأَنَّهُ مَا غَرَّهُ؛ لِأَنَّهُ حِينَ أَمَرَهُ بِالذَّبْحِ كَانَتْ الشَّاةُ لَهُ، كَذَا فِي وَاقِعَاتِ النَّاطِفِيِّ.

وَفِي الْأَجْنَاسِ ابْنُ سِمَاعَةَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: إذَا أَمَرَ الرَّجُلُ غَيْرَهُ بِذَبْحِ شَاةٍ، وَقَدْ كَانَ الْآمِرُ بَاعَهَا فَذَبَحَهَا الْمَأْمُورُ وَهُوَ يَعْلَمْ بِالْبَيْعِ، فَإِنَّ لِلْمُشْتَرِي أَنْ يَدْفَعَ الثَّمَنَ وَيَتْبَعَ الذَّابِحَ فَيُضَمِّنَهُ قِيمَتَهَا، وَلَمْ يَكُنْ لِلذَّابِحِ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى الْآمِرِ، قَالَ: وَلَوْ كَانَ لَا يَعْلَمُ بِالْبَيْعِ لَمْ يَكُنْ لِلْمُشْتَرِي أَنْ يُضَمِّنَهُ الْقِيمَةَ عَلَّلَ فَقَالَ: لِأَنَّهُ لَوْ ضَمَّنَهُ كَانَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى الْآمِرِ، فَكَأَنَّهُ هُوَ فَعَلَ ذَلِكَ فَيُنْقَضُ الْبَيْعُ، كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ وَالْمُحِيطِ.

فَإِنْ اشْتَرَى ثَلَاثَةُ نَفَرٍ ثَلَاثَ شِيَاهٍ، ثُمَّ أَشْكَلَ عَلَيْهِمْ عِنْدَ الذَّبْحِ قَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ يَنْبَغِي أَنْ يُوَكِّلَ كُلُّ وَاحِدٍ أَصْحَابَهُ بِالذَّبْحِ حَتَّى لَوْ ذَبَحَ شَاةَ نَفْسِهِ جَازَ، وَلَوْ ذَبَحَ شَاةَ غَيْرِهِ بِأَمْرِهِ جَازَ. رَجُلٌ أَرَادَ أَنْ يُضَحِّيَ فَوَضَعَ صَاحِبُ الشَّاةِ يَدَهُ عَلَى السِّكِّينِ مَعَ يَدِ الْقَصَّابِ حَتَّى تَعَاوَنَا عَلَى الذَّبْحِ قَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ: يَجِبُ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا التَّسْمِيَةُ حَتَّى لَوْ تَرَكَ أَحَدُهُمَا التَّسْمِيَةَ لَا يَجُوزُ، كَذَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

[الْبَابُ الثَّامِنُ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِالشَّرِكَةِ فِي الضَّحَايَا]

(الْبَابُ الثَّامِنُ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِالشَّرِكَةِ فِي الضَّحَايَا) يَجِبُ أَنْ يُعْلَمَ أَنَّ الشَّاةَ لَا تُجْزِئُ إلَّا عَنْ وَاحِدٍ، وَإِنْ كَانَتْ عَظِيمَةً، وَالْبَقَرُ وَالْبَعِيرُ يُجْزِي عَنْ سَبْعَةٍ إذَا كَانُوا يُرِيدُونَ بِهِ وَجْهَ اللَّهِ تَعَالَى، وَالتَّقْدِيرُ بِالسَّبْعِ يَمْنَعُ الزِّيَادَةَ، وَلَا يَمْنَعُ النُّقْصَانَ، كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ.

لَا يُشَارِكُ الْمُضَحِّي فِيمَا يَحْتَمِلُ الشَّرِكَةَ مَنْ لَا يُرِيدُ الْقُرْبَةَ رَأْسًا، فَإِنْ شَارَكَ لَمْ يَجُزْ عَنْ الْأُضْحِيَّةِ، وَكَذَا هَذَا فِي سَائِرِ الْقُرَبِ إذَا شَارَكَ الْمُتَقَرِّبُ مَنْ لَا يُرِيدُ الْقُرْبَةَ لَمْ تَجُزْ عَنْ الْقُرْبَةِ، وَلَوْ أَرَادُوا الْقُرْبَةَ - الْأُضْحِيَّةَ أَوْ غَيْرَهَا مِنْ الْقُرَبِ - أَجْزَأَهُمْ سَوَاءٌ كَانَتْ الْقُرْبَةُ وَاجِبَةً أَوْ تَطَوُّعًا أَوْ وَجَبَ عَلَى الْبَعْضِ دُونَ الْبَعْضِ، وَسَوَاءٌ اتَّفَقَتْ جِهَاتُ الْقُرْبَةِ أَوْ اخْتَلَفَتْ بِأَنْ أَرَادَ بَعْضُهُمْ الْأُضْحِيَّةَ وَبَعْضُهُمْ جَزَاءَ الصَّيْدِ وَبَعْضُهُمْ هَدْيَ الْإِحْصَارِ وَبَعْضُهُمْ كَفَّارَةً عَنْ شَيْءٍ أَصَابَهُ فِي إحْرَامِهِ وَبَعْضُهُمْ هَدْيَ التَّطَوُّعِ وَبَعْضُهُمْ دَمَ الْمُتْعَةِ أَوْ الْقِرَانِ وَهَذَا قَوْلُ أَصْحَابِنَا الثَّلَاثَةِ رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى، وَكَذَلِكَ إنْ أَرَادَ بَعْضُهُمْ الْعَقِيقَةَ عَنْ وَلَدٍ وُلِدَ لَهُ مِنْ قَبْلُ، كَذَا ذَكَرَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي نَوَادِرِ الضَّحَايَا، وَلَمْ يَذْكُرْ مَا إذَا أَرَادَ أَحَدُهُمْ الْوَلِيمَةَ وَهِيَ ضِيَافَةُ التَّزْوِيجِ وَيَنْبَغِي أَنْ يَجُوزَ، وَرُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَنَّهُ كَرِهَ الِاشْتِرَاكَ عِنْدَ اخْتِلَافِ الْجِهَةِ، وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: لَوْ كَانَ هَذَا مِنْ نَوْعٍ وَاحِدٍ لَكَانَ أَحَبَّ إلَيَّ، وَهَكَذَا قَالَ أَبُو يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -، وَإِنْ كَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ صَبِيًّا أَوْ كَانَ شَرِيكُ السَّبْعِ مَنْ يُرِيدُ اللَّحْمَ أَوْ كَانَ نَصْرَانِيًّا وَنَحْوَ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ لِلْآخَرَيْنِ أَيْضًا كَذَا فِي السِّرَاجِيَّةِ.

وَلَوْ كَانَ أَحَدُ الشُّرَكَاءِ ذِمِّيًّا كِتَابِيًّا أَوْ غَيْرَ كِتَابِيٍّ وَهُوَ يُرِيدُ اللَّحْمَ أَوْ يُرِيدُ الْقُرْبَةَ فِي دِينِهِ لَمْ يُجْزِئْهُمْ عِنْدَنَا؛ لِأَنَّ الْكَافِرَ لَا يَتَحَقَّقُ مِنْهُ الْقُرْبَةُ، فَكَانَتْ نِيَّتُهُ مُلْحَقَةً بِالْعَدَمِ، فَكَأَنْ يُرِيدَ اللَّحْمَ وَالْمُسْلِمُ لَوْ أَرَادَ اللَّحْمَ لَا يَجُوزُ عِنْدَنَا، وَكَذَلِكَ إذَا كَانَ أَحَدُهُمْ عَبْدًا أَوْ مُدَبَّرًا وَيُرِيدُ أُضْحِيَّةً، كَذَا فِي الْبَدَائِعِ

وَلَوْ اشْتَرَى بَقَرَةً يُرِيدُ أَنْ يُضَحِّيَ بِهَا، ثُمَّ أَشْرَكَ فِيهَا سِتَّةً يُكْرَهُ وَيُجْزِيهِمْ؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ سَبْعِ شِيَاهٍ حُكْمًا، إلَّا أَنْ يُرِيدَ حِينَ اشْتَرَاهَا أَنْ يُشْرِكَهُمْ فِيهَا فَلَا يُكْرَهُ، وَإِنْ فَعَلَ ذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يَشْتَرِيَهَا كَانَ أَحْسَنَ، وَهَذَا إذَا كَانَ مُوسِرًا، وَإِنْ كَانَ فَقِيرًا مُعْسِرًا فَقَدْ أَوْجَبَ بِالشِّرَاءِ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُشْرِكَ فِيهَا، وَكَذَا لَوْ أَشْرَكَ فِيهَا سِتَّةً بَعْدَ مَا أَوْجَبَهَا لِنَفْسِهِ لَمْ يَسَعْهُ؛ لِأَنَّهُ أَوْجَبَهَا كُلَّهَا لِلَّهِ تَعَالَى، وَإِنْ أَشْرَكَ جَازَ، وَيَضْمَنُ سِتَّةَ أَسْبَاعِهَا، وَقِيلَ فِي الْغَنِيِّ: إنَّهُ يَتَصَدَّقُ بِالثَّمَنِ. اشْتَرَكَ ثَلَاثَةُ نَفَرٍ فِي بَقَرَةٍ لِوَاحِدٍ ثَلَاثَةُ أَسْبَاعِهَا وَلِلْآخَرَيْنِ لِكُلِّ وَاحِدٍ سُبْعَاهَا، فَمَاتَ مَنْ لَهُ ثَلَاثَةُ أَسْبَاعِهَا وَتَرَكَ ابْنًا وَبِنْتًا صَغِيرَيْنِ وَتَرَكَ سِتَّمِائَةِ دِرْهَمٍ مَعَ حِصَّةِ الْبَقَرَةِ فَضَحَّى الْوَصِيُّ عَنْهُمَا حِصَّةَ الْمَيِّتِ مِنْ الْبَقَرَةِ لَا تُجْزِي عَنْهُمْ؛ لِأَنَّ نَصِيبَ الِابْنَةِ صَارَ لَحْمًا لِأَنَّهَا فَقِيرَةٌ لِأَنَّهَا أَصَابَتْ مِيرَاثَ الْأَبِ أَقَلَّ مِنْ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ، وَإِنْ تَرَكَ الْمَيِّتُ سِتَّمِائَةِ دِرْهَمٍ سِوَى حِصَّةِ الْبَقَرَةِ جَازَتْ عَنْهُمْ؛ لِأَنَّهَا غَنِيَّةٌ، كَذَا فِي مُحِيطِ السَّرَخْسِيِّ.

وَإِنْ اشْتَرَكَ خَمْسَةٌ فِي بَقَرَةً فَجَاءَ رَجُلٌ فَسَأَلَهُمْ الشَّرِكَةَ فِيهَا فَأَجَابَهُ أَرْبَعَةٌ مِنْهُمْ وَامْتَنَعَ الْوَاحِدُ فَضَحَّوْا جَازَ؛ لِأَنَّ الَّذِي جَعَلَ نَصِيبَهُ مِنْ نَصِيبِ الْأَرْبَعَةِ يَمْلِكُ أَكْثَرَ مِنْ السُّبْعِ، فَخُذْهَا مِنْ خَمْسَةٍ

<<  <  ج: ص:  >  >>