للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عَلَى عَدَدِ الرُّفْقَةِ وَاشْتَرَوْا بِهِ طَعَامًا وَأَكَلُوا، فَإِنَّهُ يَجُوزُ، وَإِنْ تَفَاوَتُوا فِي الْأَكْلِ، كَذَا فِي الْوَجِيزِ لِلْكَرْدَرِيِّ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

[الْبَابُ الثَّانِي عَشَرَ فِي الْهَدَايَا وَالضِّيَافَاتِ]

(الْبَابُ الثَّانِي عَشَرَ فِي الْهَدَايَا وَالضِّيَافَاتِ) أَهْدَى إلَى رَجُلٍ شَيْئًا أَوْ أَضَافَهُ إنْ كَانَ غَالِبُ مَالِهِ مِنْ الْحَلَالِ فَلَا بَأْسَ إلَّا أَنْ يَعْلَمَ بِأَنَّهُ حَرَامٌ، فَإِنْ كَانَ الْغَالِبُ هُوَ الْحَرَامَ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَقْبَلَ الْهَدِيَّةَ، وَلَا يَأْكُلَ الطَّعَامَ إلَّا أَنْ يُخْبِرَهُ بِأَنَّهُ حَلَالٌ وَرِثْتُهُ أَوْ اسْتَقْرَضْتُهُ مِنْ رَجُلٍ، كَذَا فِي الْيَنَابِيعِ.

وَلَا يَجُوزُ قَبُولُ هَدِيَّةِ أُمَرَاءِ الْجَوْرِ؛ لِأَنَّ الْغَالِبَ فِي مَالِهِمْ الْحُرْمَةُ إلَّا إذَا عَلِمَ أَنَّ أَكْثَرَ مَالِهِ حَلَالٌ بِأَنْ كَانَ صَاحِبَ تِجَارَةٍ أَوْ زَرْعٍ فَلَا بَأْسَ بِهِ؛ لِأَنَّ أَمْوَالَ النَّاسِ لَا تَخْلُو عَنْ قَلِيلٍ حَرَامٍ فَالْمُعْتَبَرُ الْغَالِبُ، وَكَذَا أَكْلُ طَعَامِهِمْ، كَذَا فِي الِاخْتِيَارِ شَرْحِ الْمُخْتَارِ.

وَأَمَّا هَدَايَا الْأُمَرَاءِ فِي زَمَانِنَا فَقَدْ حُكِيَ عَنْ الشَّيْخِ الْإِمَامِ أَبِي بَكْرٍ مُحَمَّدِ بْنِ الْفَضْلِ الْبُخَارِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ هَدَايَا الْأُمَرَاءِ فِي زَمَانِنَا قَالَ تُرَدُّ عَلَى أَرْبَابِهَا وَالشَّيْخُ الْإِمَامُ الزَّاهِدُ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ حَامِدٍ سُئِلَ عَنْ هَذَا فَقَالَ يُوضَعُ فِي بَيْتِ الْمَالِ، وَهَكَذَا ذَكَرَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي السِّيَرِ الْكَبِيرِ وَذَكَرَ ذَلِكَ لِلشَّيْخِ الْإِمَامِ الْجَلِيلِ مُحَمَّدِ بْنِ الْفَضْلِ فَقَالَ كُنْتُ أَعْلَمُ أَنَّ الْمَذْهَبَ هَذَا إلَّا أَنِّي لَمْ أُفْتِ بِهِ مَخَافَةَ أَنْ يُوضَعَ فِي بَيْتِ الْمَالِ، ثُمَّ الْأُمَرَاءُ يَصْرِفُونَهَا إلَى شَهَوَاتِهِمْ وَلَهْوِهِمْ، وَقَدْ عَلِمْنَا أَنَّهُمْ يُمْسِكُونَ بَيْتَ الْمَالِ لِشَهَوَاتِهِمْ لَا لِجَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ، كَذَا فِي الْمُحِيطِ.

قَالَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي أَخْذِ الْجَائِزَةِ مِنْ السُّلْطَانِ قَالَ بَعْضُهُمْ يَجُوزُ مَا لَمْ يَعْلَمْ أَنَّهُ يُعْطِيهِ مِنْ حَرَامٍ قَالَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَبِهِ نَأْخُذُ مَا لَمْ نَعْرِفْ شَيْئًا حَرَامًا بِعَيْنِهِ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَأَصْحَابِهِ، كَذَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ.

وَفِي شَرْحِ حِيَلِ الْخَصَّافِ لِشَمْسِ الْأَئِمَّة - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَنَّ الشَّيْخَ أَبَا الْقَاسِمِ الْحَكِيمَ كَانَ يَأْخُذُ جَائِزَةَ السُّلْطَانِ وَكَانَ يَسْتَقْرِضُ لِجَمِيعِ حَوَائِجِهِ، وَمَا يَأْخُذُ مِنْ الْجَائِزَةِ يَقْضِي بِهَا دُيُونَهُ وَالْحِيلَةُ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ أَنْ يَشْتَرِيَ نَسِيئَةً، ثُمَّ يُنْقَدُ ثَمَنَهُ مِنْ أَيِّ مَالٍ شَاءَ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - سَأَلَتْ أَبَا حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - عَنْ الْحِيلَةِ فِي مِثْلِ هَذَا فَأَجَابَنِي بِمَا ذَكَرْنَا، كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ.

وَلَا يَنْبَغِي لِلنَّاسِ أَنْ يَأْكُلُوا مِنْ أَطْعِمَةِ الظَّلَمَةِ لِتَقْبِيحِ الْأَمْرِ عَلَيْهِمْ وَزَجْرِهِمْ عَمَّا يَرْتَكِبُونَ، وَإِنْ كَانَ يَحِلُّ، كَذَا فِي الْغَرَائِبِ.

وَسُئِلَ أَبُو بَكْرٍ عَنْ الَّذِي لَا يَحِلُّ لَهُ أَخْذُ الصَّدَقَةِ فَالْأَفْضَلُ لَهُ أَنْ يَقْبَلَ جَائِزَةَ السُّلْطَانِ وَيُفَرِّقَهَا عَلَى مَنْ يَحِلُّ لَهُ أَوْ لَا يَقْبَلَ، قَالَ لَا يَقْبَلُ؛ لِأَنَّهُ يُشْبِهُ أَخْذَ الصَّدَقَةِ قِيلَ: أَلَيْسَ إنَّ أَبَا نُصَيْرٍ أَخَذَ جَائِزَةَ إِسْحَاقَ بْنِ أَحْمَدَ وَإِسْمَاعِيلَ؟ قَالَ كَانَتْ لَهُمَا أَمْوَالٌ وَرِثَاهَا عَنْ أَبِيهِمَا فَقِيلَ: لَهُ لَوْ أَنَّ فَقِيرًا يَأْخُذُ جَائِزَةَ السُّلْطَانِ مَعَ عِلْمِهِ أَنَّ السُّلْطَانَ يَأْخُذُهَا غَصْبًا أَيَحِلُّ لَهُ؟ قَالَ إنْ خَلَطَ ذَلِكَ بِدَرَاهِمَ أُخْرَى، فَإِنَّهُ لَا بَأْسَ بِهِ، وَإِنْ دَفَعَ عَيْنَ الْمَغْصُوبِ مِنْ غَيْرِ خَلْطٍ لَمْ يَجُزْ قَالَ الْفَقِيهُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - هَذَا الْجَوَابُ خَرَجَ عَلَى قِيَاسِ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لِأَنَّ مِنْ أَصْلِهِ أَنَّ الدَّرَاهِمَ الْمَغْصُوبَةَ مِنْ أُنَاسٍ مَتَى خُلِطَ الْبَعْضُ بِالْبَعْضِ، فَقَدْ مَلَكَهَا الْغَاصِبُ وَوَجَبَ عَلَيْهِ مِثْلُ مَا غَصَبَ وَقَالَا لَا يَمْلِكُ تِلْكَ الدَّرَاهِمَ وَهِيَ عَلَى مِلْكِ صَاحِبِهَا فَلَا يَحِلُّ لَهُ الْأَخْذُ، كَذَا فِي الْحَاوِي لِلْفَتَاوَى.

وَفِي فَتَاوَى أَهْلِ سَمَرْقَنْدَ رَجُلٌ دَخَلَ عَلَى السُّلْطَانِ فَقَدِمَ عَلَيْهِ بِشَيْءٍ مَأْكُولٍ، فَإِنْ اشْتَرَاهُ بِالثَّمَنِ أَوْ لَمْ يَشْتَرِ ذَلِكَ وَلَكِنَّ هَذَا الرَّجُلَ لَا يَفْهَمُ أَنَّهُ مَغْصُوبٌ بِعَيْنِهِ حَلَّ لَهُ أَكْلُهُ، هَكَذَا ذُكِرَ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يَنْظُرُ إلَى مَالِ السُّلْطَانِ وَيَبْنِي الْحُكْمَ عَلَيْهِ، هَكَذَا فِي الذَّخِيرَةِ.

قَالَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لَا بَأْسَ بِأَنْ يُجِيبَ دَعْوَةَ رَجُلٍ لَهُ عَلَيْهِ دَيْنٌ قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ هَذَا جَوَابُ الْحُكْمِ، فَأَمَّا الْأَفْضَلُ أَنْ يَتَوَرَّعَ عَنْ الْإِجَابَةِ إذَا عَلِمَ أَنَّهُ لِأَجَلِ الدَّيْنِ أَوْ أُشْكِلَ عَلَيْهِ الْحَالُ قَالَ

<<  <  ج: ص:  >  >>