للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

غَائِبٌ ثُمَّ بَدَا لِلْمُدَّعِي فَادَّعَى ذَلِكَ عَلَى آخَرَ، وَأَرَادَ اسْتِحْلَافَهُ لَا يُسْتَحْلَفُ عَلَى ذَلِكَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَعِنْدَهُمَا الْأَمْرُ مَوْقُوفٌ إنْ قَدِمَ الْغَائِبُ، وَصَدَّقَ الْمُدَّعِيَ فِيمَا ادَّعَاهُ لَا يَثْبُتْ الْوَلَاءُ مِنْ الثَّانِي، وَإِنْ كَذَّبَهُ يَثْبُتْ الْوَلَاءُ مِنْ الثَّانِي كَذَا فِي الْمُحِيطِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.

[كِتَابُ الْإِكْرَاهِ وَفِيهِ أَرْبَعَةُ أَبْوَابٍ]

[الْبَابُ الْأَوَّلُ فِي تَفْسِيرِ الْإِكْرَاه وَأَنْوَاعِهِ وَشُرُوطِهِ وَحُكْمِهِ]

(كِتَابُ الْإِكْرَاهِ)

(وَفِيهِ أَرْبَعَةُ أَبْوَابٍ) (الْبَابُ الْأَوَّلُ فِي تَفْسِيرِهِ شَرْعًا وَأَنْوَاعِهِ وَشُرُوطِهِ وَحُكْمِهِ وَبَيَانِ بَعْضِ الْمَسَائِلِ) أَمَّا تَفْسِيرُهُ فِي الشَّرْعِ: فَهُوَ اسْمٌ لِفِعْلٍ يَفْعَلُهُ الْمَرْءُ بِغَيْرِهِ فَيَنْتَفِي بِهِ رِضَاهُ، كَذَا فِي الْكَافِي.

(وَأَمَّا) (أَنْوَاعُهُ) فَالْإِكْرَاهُ فِي أَصْلِهِ عَلَى نَوْعَيْنِ إمَّا إنْ كَانَ مُلْجِئًا أَوْ غَيْرَ مُلْجِئٍ فَالْإِكْرَاهُ الْمُلْجِئُ هُوَ الْإِكْرَاهُ بِوَعِيدِ تَلَفِ النَّفْسِ أَوْ بِوَعِيدِ تَلَفِ عُضْوٍ مِنْ الْأَعْضَاءِ وَالْإِكْرَاهُ الَّذِي هُوَ غَيْرُ مُلْجِئٍ هُوَ الْإِكْرَاهُ بِالْحَبْسِ وَالتَّقْيِيدِ.

(وَأَمَّا) (شَرْطُهُ) بِأَنْ يَكُونَ الْإِكْرَاهُ مِنْ السُّلْطَانِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -، وَعِنْدَهُمَا إذَا جَاءَ مِنْ غَيْرِ السُّلْطَانِ مَا يَجِيءُ مِنْ السُّلْطَانِ فَهُوَ إكْرَاهٌ صَحِيحٌ شَرْعًا، كَذَا فِي النِّهَايَةِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى، فَإِنْ غَابَ الْمُكْرَهُ عَنْ بَصَرِ الْمُكْرِهِ يَزُولُ الْإِكْرَاهُ، وَنَفْسُ الْأَمْرِ مِنْ السُّلْطَانِ مِنْ غَيْرِ تَهْدِيدٍ يَكُونُ إكْرَاهًا، وَعِنْدَهُمَا إنْ كَانَ الْمَأْمُورُ يَعْلَمُ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَفْعَلْ مَا أُمِرَ بِهِ يُفْعَلُ بِهِ مَا يَفْعَلُ السُّلْطَانُ كَانَ أَمْرُهُ إكْرَاهًا، كَذَا فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ وَفِي فَتَاوَى آهُو ذَكَرَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيُّ الْإِكْرَاهُ مِنْ غَيْرِ السُّلْطَانِ إنَّمَا يَتَحَقَّقُ بِالْإِجْمَاعِ إذَا لَمْ يَتَمَكَّنْ بِالِاسْتِعَانَةِ مِنْ غَيْرِهِ، أَمَّا إذَا تَمَكَّنَ فَهُوَ عَلَى الِاخْتِلَافِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لَا يَتَحَقَّقُ، وَعِنْدَهُمَا يَتَحَقَّقُ، كَذَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة. وَيُعْتَبَرُ فِي الْإِكْرَاهِ مَعْنًى فِي الْمُكْرَهِ وَمَعْنًى فِي الْمُكْرِهِ وَمَعْنًى فِيمَا أُكْرِهَ عَلَيْهِ وَمَعْنًى فِيمَا أَكْرَهَ بِهِ، فَالْمُعْتَبَرُ فِي الْمُكْرِهِ تَمَكُّنُهُ مِنْ إيقَاعِ مَا هَدَّدَ بِهِ، فَإِنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ مُتَمَكِّنًا مِنْ ذَلِكَ فَإِكْرَاهُهُ هَذَيَانٌ، وَفِي الْمُكْرَهِ الْمُعْتَبَرُ أَنْ يَصِيرَ خَائِفًا عَلَى نَفْسِهِ مِنْ جِهَةِ الْمُكْرِهِ فِي إيقَاعِ مَا هَدَّدَ بِهِ عَاجِلًا؛ لِأَنَّهُ لَا يَصِيرُ مُلْجَأً مَحْمُولًا طَبْعًا إلَّا بِذَلِكَ، وَفِيمَا أُكْرِهَ بِهِ أَنْ يَكُونَ مُتْلِفًا أَوْ مُزْمِنًا أَوْ مُتْلِفًا عُضْوًا أَوْ مُوجِبًا غَمًّا بِعَدَمِ الرِّضَا، وَفِيمَا أُكْرِهَ عَلَيْهِ أَنْ يَكُونَ الْمُكْرَهُ مُمْتَنِعًا مِنْهُ قَبْلَ الْإِكْرَاهِ، إمَّا لِحَقِّهِ أَوْ لِحَقِّ آدَمِيٍّ آخَرَ أَوْ لِحَقِّ الشَّرْعِ، وَبِحَسَبِ اخْتِلَافِ هَذِهِ الْأَحْوَالِ يَخْتَلِفُ الْحُكْمُ، كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ.

(وَأَمَّا) (حُكْمُهُ) وَهُوَ الرُّخْصَةُ أَوْ الْإِبَاحَةُ أَوْ غَيْرُهُمَا فَيَثْبُتُ عِنْدَ وُجُودِ شَرْطِهِ، وَالْأَصْلُ أَنَّ تَصَرُّفَاتِ الْمُكْرِهِ كُلَّهَا قَوْلًا مُنْعَقِدَةٌ عِنْدَنَا إلَّا أَنَّ مَا يَحْتَمِلُ الْفَسْخَ مِنْهُ كَالْبَيْعِ وَالْإِجَارَةِ يُفْسَخُ، وَمَا لَا يَحْتَمِلُ الْفَسْخَ مِنْهُ كَالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ وَالنِّكَاحِ وَالتَّدْبِيرِ وَالِاسْتِيلَادِ وَالنَّذْرِ فَهُوَ لَازِمٌ، كَذَا فِي الْكَافِي. مَتَى حَصَلَ الْإِكْرَاهُ بِوَعِيدِ تَلَفٍ عَلَى فِعْلٍ مِنْ الْأَفْعَالِ نُقِلَ الْفِعْلُ مِنْ الْمُكْرَهِ فِيمَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ الْمُكْرَهُ آلَةً لِلْمُكْرِهِ فَصَارَ كَأَنَّ الْمُكْرِهَ فَعَلَ ذَلِكَ بِنَفْسِهِ، وَذَلِكَ كَالْإِكْرَاهِ عَلَى قَتْلِ إنْسَانٍ أَوْ إتْلَافِ مَالِهِ، وَمَتَى حَصَلَ الْإِكْرَاهُ بِوَعِيدِ تَلَفٍ عَلَى قَوْلٍ مِنْ الْأَقْوَالِ إنْ كَانَ قَوْلًا يَسْتَوِي فِيهِ الْجِدُّ وَالْهَزْلُ وَيَتَعَلَّقُ ثُبُوتُهُ بِالْقَوْلِ كَالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ فَحُكْمُهُ أَنْ يُعْتَبَرَ الْمُكْرَهُ آلَةً لِلْمُكْرِهِ فِي حَقِّ الْإِتْلَافِ وَيَنْتَقِلَ الْإِتْلَافُ إلَى الْمُكْرَهِ؛ لِأَنَّ الْمُكْرَهَ فِي حَقِّ الْإِتْلَافِ يَصْلُحُ آلَةً لِلْمُكْرِهِ، وَفِي حَقِّ التَّلَفُّظِ بِهِ الَّذِي لَا يَصْلُحُ آلَةً لَهُ فِيهِ يُعْتَبَرُ مَقْصُورًا عَلَى الْمُكْرِهِ، وَإِنْ كَانَ قَوْلًا لَا يَسْتَوِي فِيهِ الْجِدُّ وَالْهَزْلُ كَالْبَيْعِ وَالْإِجَارَةِ وَالْإِقْرَارِ فَحُكْمُ الْإِكْرَاهِ فَسَادُ ذَلِكَ الْقَوْلِ وَكَذَلِكَ إذَا كَانَ قَوْلًا يَسْتَوِي فِيهِ الْجِدُّ وَالْهَزْلُ إلَّا أَنَّهُ لَا يَتَعَلَّقُ ثُبُوتُهُ بِاللَّفْظِ فَحُكْمُ الْإِكْرَاهِ فَسَادُهُ حَتَّى لَا تَصِحَّ رِدَّةُ الْمُكْرَهِ، فَالرِّدَّةُ يَسْتَوِي فِيهَا الْجِدُّ وَالْهَزْلُ وَلَا يَتَعَلَّقُ ثُبُوتُهَا بِاللَّفْظِ، حَتَّى أَنَّ مَنْ قَصَدَ أَنْ يَكْفُرَ فَقَبْلَ أَنْ يُقِرَّ بِهِ يَكُونُ كَافِرًا، كَذَا فِي الْمُحِيطِ. وَإِنْ حَصَلَ الْإِكْرَاهُ بِالْحَبْسِ وَالتَّقْيِيدِ عَلَى فِعْلٍ مِنْ الْأَفْعَالِ فَلَا حُكْمَ لَهُ فَيُجْعَلُ كَأَنَّهُ فَعَلَ ذَلِكَ الْفِعْلَ بِغَيْرِ إكْرَاهٍ، وَمَتَى حَصَلَ الْإِكْرَاهُ بِالْحَبْسِ وَالتَّقْيِيدِ عَلَى قَوْلٍ إنْ كَانَ قَوْلًا لَا يَسْتَوِي فِيهِ الْجِدُّ وَالْهَزْلُ فَحُكْمُهُ فَسَادُ ذَلِكَ الْقَوْلِ، وَإِنْ كَانَ قَوْلًا يَسْتَوِي فِيهِ الْجِدُّ وَالْهَزْلُ فَلَا حُكْمَ لَهُ فَيُجْعَلُ كَأَنَّ الْمُكْرَهَ بَاشَرَ ذَلِكَ الْقَوْلِ بِاخْتِيَارِهِ، كَذَا فِي النِّهَايَةِ.

فَلَوْ أُكْرِهَ عَلَى بَيْعٍ أَوْ شِرَاءٍ أَوْ إقْرَارٍ أَوْ إجَارَةٍ بِقَتْلٍ أَوْ ضَرْبٍ شَدِيدٍ أَوْ حَبْسٍ مَدِيدٍ خُيِّرَ بَيْنَ أَنْ يُمْضِيَ

<<  <  ج: ص:  >  >>