للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْبَيْعَ أَوْ يَفْسَخَ، بِخِلَافِ مَا إذَا أُكْرِهَ بِحَبْسِ يَوْمٍ أَوْ قَيْدِ يَوْمٍ أَوْ ضَرْبِ سَوْطٍ إلَّا إذَا كَانَ الرَّجُلُ صَاحِبَ مَنْصِبٍ يُعْلَمُ أَنَّهُ يَتَضَرَّرُ بِذَلِكَ فَيَكُونُ مُكْرَهًا، وَقَدْرُ مَا يَكُونُ مِنْ الْحَبْسِ إكْرَاهًا مَا يَجِيءُ بِهِ الِاغْتِمَامُ الْبَيِّنُ، وَمِنْ الضَّرْبِ مَا يَجِدُ مِنْهُ الْأَلَمَ الشَّدِيدَ وَلَيْسَ فِي ذَلِكَ حَدٌّ لَا يُزَادُ عَلَيْهِ وَلَا يُنْقَصُ مِنْهُ بَلْ يَكُونُ مُفَوَّضًا إلَى رَأْيِ الْإِمَامِ؛ لِأَنَّهُ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ أَحْوَالِ النَّاسِ فَمِنْهُمْ مَنْ لَا يَتَضَرَّرُ إلَّا بِضَرْبٍ شَدِيدٍ وَحَبْسٍ مَدِيدٍ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَتَضَرَّرُ بِأَدْنَى شَيْءٍ كَالشُّرَفَاءِ وَالرُّؤَسَاءِ يَتَضَرَّرُونَ بِضَرْبَةِ سَوْطٍ أَوْ بِعَرْكِ أُذُنِهِ لَا سِيَّمَا فِي مَلَإٍ مِنْ النَّاسِ أَوْ بِحَضْرَةِ السُّلْطَانِ فَيَثْبُتُ فِي حَقِّهِ الْإِكْرَاهُ بِمِثْلِهِ، كَذَا فِي التَّبْيِينِ.

وَإِذَا أُكْرِهَ عَلَى الْبَيْعِ وَالتَّسْلِيمِ فَبَاعَ وَسَلَّمَ فَهُوَ بَيْعُ مُكْرَهٍ، وَإِنْ أُكْرِهَ عَلَى الْبَيْعِ لَا غَيْرُ فَبَاعَ وَسَلَّمَ طَائِعًا فَهُوَ لَيْسَ بِبَيْعِ مُكْرَهٍ، فَالْإِكْرَاهُ عَلَى الْبَيْعِ لَا يَكُونُ إكْرَاهًا عَلَى التَّسْلِيمِ، فَيَكُونُ طَائِعًا فِي التَّسْلِيمِ وَيَكُونُ ذَلِكَ إجَازَةً مِنْهُ لِلْبَيْعِ، وَعَنْ هَذَا قُلْنَا: إنَّ مَنْ ادَّعَى أَنَّهُ كَانَ مُكْرَهًا عَلَى الْبَيْعِ وَأَرَادَ اسْتِرْدَادَ الْمَبِيعِ مِنْ يَدِ الْمُشْتَرِي لَا تُسْمَعُ دَعْوَاهُ مَا لَمْ يَدَّعِ أَنَّهُ كَانَ مُكْرَهًا عَلَى التَّسْلِيمِ، وَإِنْ كَانَ مُكْرَهًا عَلَى الْبَيْعِ وَالتَّسْلِيمِ، حَتَّى كَانَ الْبَيْعُ بِكُرْهٍ إذَا قَبَضَهُ الْمُشْتَرِي مَلَكَهُ مِلْكًا فَاسِدًا وَنَفَذَتْ تَصَرُّفَاتُهُ فِيهِ، وَبَعْدَمَا تَصَرَّفَ لَوْ خَاصَمَهُ الْمُكْرَهُ، فَإِنْ كَانَ تَصَرُّفًا يَحْتَمِلُ النَّقْضَ بَعْدَ وُقُوعِهِ كَانَ لِلْمُكْرَهِ أَنْ يَنْقُضَ تَصَرُّفَهُ وَيَسْتَرِدَّ الْعَيْنَ حَيْثُ وَجَدَهَا، وَإِنْ كَانَ تَصَرُّفًا لَا يَحْتَمِلُ النَّقْضَ بَعْدَ وُقُوعِهِ كَالْعِتْقِ وَالتَّدْبِيرِ وَمَا أَشْبَهَهُمَا لَا يَكُونُ لِلْمُكْرَهِ نَقْضُهُ وَكَانَ لَهُ حَقُّ تَضْمِينِ الْقِيمَةِ، فَيَكُونُ هُوَ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ ضَمَّنَ الْمُكْرِهَ قِيمَتَهُ يَوْمَ تَسْلِيمِهِ إلَى الْمُشْتَرِي، وَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَ الْمُشْتَرِيَ، فَإِنْ اخْتَارَ تَضْمِينَ الْمُشْتَرِي كَانَ لَهُ الْخِيَارُ إنْ شَاءَ ضَمَّنَهُ قِيمَتَهُ يَوْمَ قَبَضَ لَا يَوْمَ أَعْتَقَ، وَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَهُ قِيمَتَهُ يَوْمَ أَعْتَقَ، هَكَذَا فِي الذَّخِيرَةِ.

لَوْ أُكْرِهَ عَلَى الْبَيْعِ وَقَبَضَ الثَّمَنَ طَوْعًا كَانَ إجَازَةً؛ لِأَنَّ الْقَبْضَ طَائِعًا دَلِيلُ الرِّضَا وَهُوَ الشَّرْطُ، بِخِلَافِ مَا إذَا أُكْرِهَ عَلَى الْهِبَةِ دُونَ التَّسْلِيمِ وَسَلَّمَ حَيْثُ لَا يَكُونُ إجَازَةً وَإِنْ سَلَّمَ طَوْعًا، وَإِنْ قَبَضَهُ مُكْرَهًا فَلَيْسَ ذَلِكَ بِإِجَازَةٍ وَعَلَيْهِ رَدُّ الثَّمَنِ إنْ كَانَ قَائِمًا فِي يَدِهِ لِفَسَادِ الْعَقْدِ بِالْإِكْرَاهِ، وَإِنْ كَانَ هَالِكًا لَا يَأْخُذُ مِنْهُ شَيْئًا، وَإِنْ هَلَكَ الْمَبِيعُ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي وَهُوَ غَيْرُ مُكْرَهٍ وَالْبَائِعُ مُكْرَهٌ ضَمِنَ قِيمَتَهُ لِلْبَائِعِ وَلِلْمُكْرَهِ أَنْ يُضَمِّنَ الْمُكْرِهَ، فَإِنْ ضَمِنَ الْمُكْرِهُ رَجَعَ الْمُكْرَهُ عَلَى الْمُشْتَرِي بِالْقِيمَةِ، وَلَوْ ضَمِنَ الْمُشْتَرِي ثَبَتَ مِلْكُ الْمُشْتَرِي فِيهِ وَلَا يَرْجِعُ عَلَى الْمُكْرَهِ، وَلَوْ كَانَ الْمُشْتَرِي بَاعَهُ مِنْ آخَرَ وَبَاعَ الْآخَرُ مِنْ آخَرَ حَتَّى تَدَاوَلَتْهُ الْبِيَاعَاتِ نَفَذَ الْكُلُّ بِتَضْمِينِ الْأَوَّلِ، وَلَهُ أَنْ يُضَمِّنَ مَنْ شَاءَ مِنْ الْمُشْتَرِينَ، فَأَيُّهُمْ ضَمَّنَهُ مَلَكَهُ وَجَازَتْ الْبِيَاعَاتِ الَّتِي بَعْدَهُ وَبَطَلَ مَا قَبْلَهُ، بِخِلَافِ مَا إذَا أَجَازَ الْمُكْرِهُ أَحَدَ هَذِهِ الْبِيَاعَاتِ حَيْثُ يَجُوزُ الْكُلُّ مَا قَبْلَهُ وَمَا بَعْدَهُ وَيَأْخُذُ هُوَ الثَّمَنَ مِنْ الْمُشَتَّرِي الْأَوَّلِ، كَذَا فِي التَّبْيِينِ. وَلَوْ كَانَ الْبَائِعُ مُكْرَهًا وَالْمُشْتَرِي غَيْرَ مُكْرَهٍ، فَقَالَ الْمُشْتَرِي بَعْدَ الْقَبْضِ: نَقَضْتُ الْبَيْعَ لَا يَصِحُّ نَقْضُهُ، وَإِنْ نَقَضَ قَبْلَ الْقَبْضِ صَحَّ نَقْضُهُ، وَلَوْ كَانَ الْمُشْتَرِي مُكْرَهًا وَالْبَائِعُ غَيْرَ مُكْرَهٍ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا حَقُّ الْفَسْخِ قَبْلَ الْقَبْضِ وَبَعْدَ الْقَبْضِ يَكُونُ الْفَسْخُ إلَى الْمُشْتَرِي دُونَ الْبَائِعِ، كَذَا فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ. وَلَوْ كَانَ الْمُشْتَرِي مُكْرَهًا دُونَ الْبَائِعِ فَهَلَكَ الْمُشْتَرَى عِنْدَ الْمُشْتَرِي إنْ هَلَكَ مِنْ غَيْرِ تَعَدٍّ يَهْلَكُ أَمَانَةً، كَذَا فِي خِزَانَةِ الْمُفْتِينَ.

وَلَوْ أَكْرَهَ السُّلْطَانُ رَجُلًا عَلَى الشِّرَاءِ وَالْقَبْضِ وَدَفَعَ الثَّمَنَ وَالْبَائِعُ غَيْرُ مُكْرَهٍ فَلَمَّا اشْتَرَى الْمُكْرَهُ وَقَبَضَهُ أَعْتَقَهُ أَوْ دَبَّرَهُ، أَوْ كَانَتْ أَمَةً فَوَطِئَهَا أَوْ قَبَّلَهَا بِشَهْوَةٍ كَانَ إجَازَةً لِلشِّرَاءِ، وَلَوْ أَنَّ الْمُشْتَرِي اشْتَرَى وَلَمْ يَقْبِضْ حَتَّى أَعْتَقَهُ الْبَائِعُ نَفَذَ عِتْقُهُ وَبَطَلَ الْبَيْعُ، وَإِنْ أَعْتَقَهُ الْمُشْتَرِي قَبْلَ الْقَبْضِ نَفَذَ إعْتَاقُهُ اسْتِحْسَانًا، وَلَوْ أَعْتَقَاهُ مَعًا قَبْلَ الْقَبْضِ كَانَ إعْتَاقُ الْبَائِعِ أَوْلَى، كَذَا فِي الْمُحِيطِ.

وَلَوْ أُكْرِهَ الْبَائِعُ وَلَمْ يُكْرَهْ الْمُشْتَرِي فَلَمْ يَقْبِضْ الْمُشْتَرِي الْعَبْدَ حَتَّى أَعْتَقَهُ كَانَ عِتْقُهُ بَاطِلًا، فَإِنْ أَجَازَهُ الْبَائِعُ بَعْدَ عِتْقِ الْمُشْتَرِي جَازَ الْبَيْعُ لِبَقَاءِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ مَحَلًّا لِحُكْمِ الْعَقْدِ وَلَمْ يَجُزْ ذَلِكَ الْعِتْقُ الَّذِي كَانَ مِنْ الْمُشْتَرِي، وَلَوْ أَعْتَقَا جَمِيعًا الْعَبْدَ جَازَ عِتْقُ الْبَائِعِ؛ لِأَنَّهُ صَادَفَ مِلْكَهُ وَانْتَقَضَ بِهِ الْبَيْعُ، وَلَوْ كَانَ الْمُشْتَرِي قَبَضَهُ ثُمَّ أَعْتَقَاهُ جَمِيعًا عَتَقَ الْعَبْدُ مِنْ الْمُشْتَرِي، وَلَوْ كَانَا جَمِيعًا مُكْرَهَيْنِ عَلَى الْعَقْدِ وَالتَّقَابُضِ فَفَعَلَا ذَلِكَ وَقَالَ أَحَدُهُمَا بَعْدَ ذَلِكَ: قَدْ أَجَزْتُ الْبَيْعَ كَانَ الْبَيْعُ جَائِزًا مِنْ قِبَلِهِ وَبَقِيَ الْآخَرُ عَلَى حَالِهِ، فَإِنْ أَجَازَا جَمِيعًا بِغَيْرِ إكْرَاهٍ جَازَ الْبَيْعُ، وَلَوْ لَمْ

<<  <  ج: ص:  >  >>