للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَلَوْ قَالَ: إنْ تَزَوَّجْتُ امْرَأَةً فَهِيَ طَالِقٌ فَأُكْرِهَ عَلَى أَنْ يَتَزَوَّجَ امْرَأَةً بِمَهْرِ مِثْلِهَا جَازَ النِّكَاحُ وَتَطْلُقُ وَعَلَيْهِ نِصْفُ الْمَهْرِ وَلَا يَرْجِعُ بِذَلِكَ عَلَى الْمُكْرِهِ، كَذَا فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ.

وَإِنْ غَلَبَ قَوْمٌ مِنْ الْخَوَارِجِ الْمُتَأَوِّلِينَ عَلَى أَرْضٍ وَجَرَى فِيهَا حُكْمُهُمْ ثُمَّ أَكْرَهُوا رَجُلًا عَلَى شَيْءٍ، أَوْ أَكْرَهَ قَوْمٌ مِنْ الْمُشْرِكِينَ رَجُلًا عَلَى شَيْءٍ فَهَذَا فِي حَقِّ الْمُكْرَهِ فِيمَا يَسَعُهُ الْإِقْدَامُ عَلَيْهِ أَوْ لَا يَسَعُهُ بِمَنْزِلَةِ إكْرَاهِ اللُّصُوصِ، فَأَمَّا مَا يَضْمَنُ فِيهِ اللُّصُوصُ أَوْ يَلْزَمُهُمْ بِهِ الْقَوَدُ فِي جَمِيعِ مَا ذَكَرْنَا، فَإِنَّهُ لَا يَجِبُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ عَلَى أَهْلِ الْحَرْبِ وَلَا عَلَى الْخَوَارِجِ الْمُتَأَوِّلِينَ كَمَا لَوْ بَاشَرُوا الْإِتْلَافَ بِأَيْدِيهِمْ، كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

[كِتَابُ الْحَجْرِ وَفِيهِ ثَلَاثَةُ أَبْوَابٍ]

[الْبَاب الْأَوَّل فِي تَفْسِير الْحَجَر وَبَيَان أسبابه]

(كِتَابُ الْحَجْرِ) .

(وَفِيهِ ثَلَاثَةُ أَبْوَابٍ) (الْبَابُ الْأَوَّلُ فِي تَفْسِيرِهِ وَبَيَانِ أَسْبَابِهِ وَتَفْصِيلِ مَسَائِلِ الْحَجْرِ الْمُتَّفَقُ عَلَيْهَا) أَمَّا تَفْسِيرُهُ شَرْعًا فَهُوَ الْمَنْعُ مِنْ التَّصَرُّفِ قَوْلًا لِشَخْصٍ مَخْصُوصٍ وَهُوَ الْمُسْتَحِقُّ لِلْحَجْرِ بِأَيِّ سَبَبٍ كَانَ.

قَالَ الْقُدُورِيُّ الْأَسْبَابُ الْمُوجِبَةُ لِلْحَجْرِ الصِّغَرُ وَالْجُنُونُ وَالرِّقُّ وَهَذَا بِالْإِجْمَاعِ، هَكَذَا فِي الْعَيْنِيِّ شَرْحِ الْهِدَايَةِ.

قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: لَا يَحْجُرُ الْقَاضِي عَلَى الْحُرِّ الْعَاقِلِ الْبَالِغِ إلَّا مَنْ يَتَعَدَّى ضَرُورَةً إلَى الْعَامَّةِ وَهُمْ ثَلَاثَةٌ: الطَّبِيبُ الْجَاهِلُ الَّذِي يَسْقِي النَّاسَ مَا يَضُرُّهُمْ وَيُهْلِكُهُمْ وَعِنْدَهُ أَنَّهُ شِفَاءٌ وَدَوَاءٌ، وَالثَّانِي الْمُفْتِي الْمَاجِنُ وَهُوَ الَّذِي يُعَلِّمُ النَّاسَ الْحِيَلَ أَوْ يُفْتِي عَنْ جَهْلٍ، وَالثَّالِثُ الْمُكَارِي الْمُفْلِسُ، وَعِنْدَ صَاحِبَيْهِ يَجُوزُ الْحَجْرُ بِمَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَبِثَلَاثَةِ أَسْبَابٍ أُخَرَ وَهِيَ الدَّيْنُ وَالسَّفَهُ وَالْغَفْلَةُ، هَكَذَا فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ. وَلِلْمُكَارِي الْمُفْلِسِ أَنْ يَتَقَبَّلَ الْكِرَاءَ وَيُؤَجِّرَ الْإِبِلَ وَلَيْسَ لَهُ إبِلٌ وَلَا ظَهْرٌ يَحْمِلُ عَلَيْهِ وَلَا مَالٌ يَشْتَرِي بِهِ الدَّوَابَّ، فَالنَّاسُ يَعْتَمِدُونَ عَلَيْهِ وَيَدْفَعُونَ الْكِرَاءَ إلَيْهِ وَيَصْرِفُ هُوَ مَا أَخَذَ مِنْهُمْ فِي حَاجَتِهِ، فَإِذَا جَاءَ أَوَانُ الْخُرُوجِ يُخْفِي هُوَ نَفْسَهُ فَيُذْهِبُ أَمْوَالَ الْمُسْلِمِينَ، وَرُبَّمَا يَصِيرُ ذَلِكَ سَبَبًا لِتَقَاعُدِهِمْ عَنْ الْخُرُوجِ إلَى الْحَجِّ وَالْغَزْوِ، كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ.

فَلَا يَصِحُّ تَصَرُّفُ الصَّبِيِّ إلَّا بِإِذْنِ وَلِيِّهِ وَلَا تَصَرُّفُ عَبْدٍ إلَّا بِإِذْنِ سَيِّدِهِ رِعَايَةً لِحَقِّ سَيِّدِهِ كَيْ لَا تَتَعَطَّلُ مَنَافِعُ مَمْلُوكِهِ وَلَا يَمْلِكُ رَقَبَتَهُ بِتَعَلُّقِ الدَّيْنِ بِهِ؛ لِأَنَّ رَقَبَتَهُ مِلْكُ الْمَوْلَى لَكِنَّهُ إذَا أَذِنَ فِي التَّصَرُّفِ جَازَ؛ لِأَنَّهُ رَضِيَ بِفَوَاتِ حَقِّهِ، كَذَا فِي الْكَافِي.

وَلَا يَجُوزُ تَصَرُّفُ الْمَجْنُونِ الْمَغْلُوبِ أَصْلًا، وَلَوْ أَجَازَ الْوَلِيُّ، وَإِنْ كَانَ يُجَنُّ تَارَةً وَيُفِيقُ أُخْرَى فَهُوَ فِي حَالِ إفَاقَتِهِ كَالْعَاقِلِ وَالْمَعْتُوهُ كَالصَّبِيِّ الْعَاقِلِ فِي تَصَرُّفَاتِهِ وَفِي رَفْعِ التَّكْلِيفِ عَنْهُ وَاخْتَلَفُوا فِي تَفْسِيرِهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا وَأَحْسَنُ مَا قِيلَ فِيهِ هُوَ مَنْ كَانَ قَلِيلَ الْفَهْمِ مُخْتَلِطَ الْكَلَامِ فَاسِدَ التَّدْبِيرِ إلَّا أَنَّهُ لَا يَضْرِبُ وَلَا يَشْتُمُ كَمَا يَفْعَلُ الْمَجْنُونُ، كَذَا فِي التَّبْيِينِ.

وَذَكَرَ فِي مَأْذُونِ شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ يَجُوزُ إذْنُ الْأَبِ وَالْجَدِّ وَوَصِيِّهُمَا وَإِذْنُ الْقَاضِي وَوَصِيِّهِ لِلصَّغِيرِ فِي التِّجَارَةِ وَعَبْدِ الصَّغِيرِ، وَلَا يَجُوزُ إذْنُ الْأُمِّ لِلصَّغِيرِ وَأَخِيهِ وَعَمِّهِ وَخَالِهِ، كَذَا فِي الْفُصُولِ الْعِمَادِيَّةِ فِي الْفَصْلِ السَّابِعِ وَالْعِشْرِينَ.

الصَّبِيُّ الَّذِي لَا يَعْقِلُ الْبَيْعَ إذَا بَاعَ أَوْ اشْتَرَى فَأَجَازَهُ الْوَلِيُّ لَا يَصِحُّ، وَإِنْ كَانَ يَعْقِلُ الْبَيْعَ وَالشِّرَاءَ يَعْنِي أَنَّهُ يَعْقِلُ أَنَّ الْبَيْعَ سَالِبٌ لِلْمِلْكِ وَالشِّرَاءُ جَاذِبٌ، وَيَعْرِفُ الْغَبَنَ الْيَسِيرَ مِنْ الْفَاحِشِ، فَإِذَا تَصَرَّفَ فَالْوَلِيُّ إنْ رَأَى الْمَصْلَحَةَ فِيهِ أَجَازَهُ، وَإِذَا أَذِنَ لِمِثْلِ هَذَا الصَّبِيِّ بِالتَّصَرُّفِ نَفَذَ تَصَرُّفُهُ وَسَوَاءٌ كَانَ فِيهِ غَبْنٌ أَوْ لَمْ يَكُنْ، وَلَوْ أَذِنَ الْقَاضِي لِلصَّبِيِّ بِالتَّصَرُّفِ وَالْأَبُ يَأْبَى صَحَّ. إذَا تَصَرَّفَ الِابْنُ الْعَاقِلُ ثُمَّ أَذِنَ لَهُ الْوَلِيُّ بِالتَّصَرُّفِ فَأَجَازَ ذَلِكَ التَّصَرُّفَ نَفَذَ، كَذَا فِي السِّرَاجِيَّةِ.

وَهَذِهِ الْمَعَانِي الثَّلَاثَةُ يَعْنِي الصِّغَرَ وَالْجُنُونَ وَالرِّقَّ تُوجِبُ الْحَجْرَ فِي الْأَقْوَالِ الَّتِي تَتَرَدَّدُ بَيْنَ النَّفْعِ وَالضَّرَرِ كَالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ، وَأَمَّا الْأَقْوَالُ الَّتِي فِيهَا نَفْعٌ مَحْضٌ فَالصَّبِيُّ فِيهَا كَالْبَالِغِ، وَلِهَذَا يَصِحُّ مِنْهُ قَبُولُ الْهِبَةِ وَالْإِسْلَامُ وَلَا يَتَوَقَّفُ عَلَى إذْنِ الْوَلِيِّ، وَكَذَلِكَ الْعَبْدُ وَالْمَعْتُوهُ، وَأَمَّا مَا يَتَمَحَّضُ مِنْهَا ضَرَرًا كَالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ فَإِنَّهُ يُوجِبُ الْإِعْدَامَ مِنْ الْأَصْلِ فِي حَقِّ الصَّغِيرِ وَالْمَجْنُونِ دُونَ الْعَبْدِ، وَلَا تُوجِبُ هَذِهِ الْمَعَانِي الثَّلَاثَةُ الْحَجْرَ فِي الْأَفْعَالِ، حَتَّى إنَّ ابْنَ يَوْمٍ لَوْ انْقَلَبَ عَلَى قَارُورَةِ إنْسَانٍ فَكَسَرَهَا وَجَبَ عَلَيْهِ الضَّمَانُ فِي الْحَالِ، وَكَذَلِكَ الْعَبْدُ وَالْمَجْنُونُ إنْ أَتْلَفَا شَيْئًا لَزِمَهُمَا الضَّمَانُ

<<  <  ج: ص:  >  >>