للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لَوْ أَنَّ أَجْنَبِيًّا اشْتَرَى دَارًا إلَى جَنْبِ دَارِ الْمُضَارَبَةِ، فَإِنْ كَانَ فِي يَدِ الْمُضَارِبِ وَفَاءٌ بِالثَّمَنِ فَلَهُ أَنْ يَأْخُذَهَا بِالشُّفْعَةِ لِلْمُضَارَبَةِ، وَإِنْ سَلَّمَ الشُّفْعَةَ بَطَلَتْ وَلَيْسَ لِرَبِّ الْمَالِ أَنْ يَأْخُذَهَا لِنَفْسِهِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي يَدِهِ وَفَاءٌ، فَإِنْ كَانَ فِي الدَّارِ رِبْحٌ فَالشُّفْعَةُ لِلْمُضَارِبِ وَلِرَبِّ الْمَالِ جَمِيعًا، فَإِنْ سَلَّمَ أَحَدُهُمَا فَلِلْآخَرِ أَنْ يَأْخُذَهَا جَمِيعًا لِنَفْسِهِ بِالشُّفْعَةِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي الدَّارِ رِبْحٌ فَالشُّفْعَةُ لِرَبِّ الْمَالِ خَاصَّةً، كَذَا فِي الْبَدَائِعِ.

وَلَوْ لَمْ يَعْلَمْ الْمُضَارِبُ بِالشُّفْعَةِ حَتَّى تَنَاقَضَا الْمُضَارَبَةَ وَاقْتَسَمَا الدَّارَ الَّتِي مِنْ الْمُضَارَبَةِ عَلَى قَدْرِ رَأْسِ الْمَالِ وَالرِّبْحِ ثُمَّ أَرَادَا أَنْ يَأْخُذَ الدَّارَ الْمَبِيعَةَ بِالشُّفْعَةِ لِأَنْفُسِهِمَا فَلَهُمَا ذَلِكَ، فَإِنْ طَلَبَا جَمِيعًا فَهِيَ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ وَأَيُّهُمَا سَلَّمَ أَخَذَ الْآخَرُ الدَّارَ كُلَّهَا. وَإِذَا دَفَعَ الرَّجُلُ إلَى رَجُلَيْنِ مَالًا مُضَارَبَةً فَاشْتَرَيَا بِهِ دَارًا وَرَبُّ الْمَالِ شَفِيعُهَا فَلَهُ أَنْ يَأْخُذَ حِصَّةَ أَحَدِهِمَا بِالشُّفْعَةِ دُونَ حِصَّةِ الْآخَرِ، وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ الشَّفِيعُ أَجْنَبِيًّا، وَلَوْ كَانَ الْمُضَارِبُ وَاحِدًا فَأَرَادَ الشَّفِيعُ أَنْ يَأْخُذَ بَعْضَ الدَّارِ بِالشُّفْعَةِ لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ سَوَاءٌ كَانَ الشَّفِيعُ رَبَّ الْمَالِ أَوْ أَجْنَبِيًّا وَإِذَا دَفَعَ الرَّجُلَانِ إلَى رَجُلٍ مَالًا مُضَارَبَةً فَاشْتَرَى بِهِ دَارًا وَأَحَدُ صَاحِبَيْ الْمَالِ شَفِيعُهَا فَأَرَادَ أَنْ يَأْخُذَ بَعْضَهَا بِالشُّفْعَةِ فَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ، إمَّا أَنْ يَأْخُذَهَا كُلَّهَا أَوْ يَدَعَ وَإِذَا وَجَبَتْ الشُّفْعَةُ لِلْمُضَارَبَةِ فَسَلَّمَ أَحَدُ الْمُضَارِبَيْنِ الشُّفْعَةَ لَمْ يَكُنْ لِلْآخَرِ أَنْ يَأْخُذَهَا، وَإِنْ كَانَ رَأْسُ الْمَالِ أَلْفَ دِرْهَمٍ فَاشْتَرَى بِهِ الْمُضَارِبُ دَارًا تُسَاوِي أَلْفًا أَوْ أَقَلَّ أَوْ أَكْثَرَ وَشَفِيعُهَا رَبُّ الْمَالِ بِدَارٍ لَهُ وَالْأَجْنَبِيُّ أَيْضًا شَفِيعُهَا بِدَارٍ لَهُ أُخْرَى فَلَهُمَا أَنْ يَأْخُذَا الدَّارَ نِصْفَيْنِ، فَإِنْ سَلَّمَ رَبُّ الْمَالِ الشُّفْعَةَ وَأَرَادَ الْأَجْنَبِيُّ أَنْ يَأْخُذَهَا فَالْقِيَاسُ أَنْ يَأْخُذَ الْأَجْنَبِيُّ نِصْفَ الدَّارِ بِالشُّفْعَةِ وَلَيْسَ لَهُ غَيْرُ ذَلِكَ، وَفِي الِاسْتِحْسَانِ لِلْأَجْنَبِيِّ أَنْ يَأْخُذَ الدَّارَ كُلَّهَا أَوْ يَدَعَ، كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

[الْبَاب الثَّانِي وَالْعُشْرُونَ فِي الْمُضَارَبَةِ بَيْنَ أَهْلِ الْإِسْلَامِ وَأَهْلِ الْكُفْرِ]

(الْبَابُ الثَّانِي وَالْعُشْرُونَ فِي الْمُضَارَبَةِ بَيْنَ أَهْلِ الْإِسْلَامِ وَأَهْلِ الْكُفْرِ) . إذَا دَفَعَ الْمُسْلِمُ إلَى النَّصْرَانِيِّ مَالًا مُضَارَبَةً بِالنِّصْفِ فَهُوَ جَائِزٌ إلَّا أَنَّهُ مَكْرُوهٌ، فَإِنْ اتَّجَرَ فِي الْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ فَرَبِحَ جَازَ عَلَى الْمُضَارَبَةِ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَيَنْبَغِي لِلْمُسْلِمِ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِحِصَّتِهِ مِنْ الرِّبْحِ وَعِنْدَهُمَا تَصَرُّفُهُ فِي الْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ لَا يَجُوزُ عَلَى الْمُضَارَبَةِ، فَإِنْ اشْتَرَى مَيْتَةً فَنَقَدَ فِيهِ مَالَ الْمُضَارَبَةِ فَهُوَ مُخَالِفٌ ضَامِنٌ عِنْدَهُمْ جَمِيعًا، وَإِنْ أَرْبَى فَاشْتَرَى دِرْهَمَيْنِ بِدِرْهَمٍ كَانَ الْبَيْعُ فَاسِدًا وَلَكِنْ لَا يَصِيرُ ضَامِنًا لِمَالِ الْمُضَارَبَةِ، وَالرِّبْحُ بَيْنَهُمَا عَلَى الشَّرْطِ وَلَا بَأْسَ بِأَنْ يَأْخُذَ الْمُسْلِمُ مَالَ النَّصْرَانِيِّ مُضَارَبَةً وَلَا يُكْرَهُ لَهُ ذَلِكَ، فَإِنْ اشْتَرَى بِهِ خَمْرًا أَوْ خِنْزِيرًا أَوْ مَيْتَةً وَنَقَدَ مَالَ الْمُضَارَبَةِ فَهُوَ مُخَالِفٌ ضَامِنٌ، فَإِنْ رَبِحَ فِي ذَلِكَ رَدَّ الرِّبْحَ عَلَى مَنْ أَخَذَ مِنْهُ إنْ كَانَ يَعْرِفُهُ، وَإِنْ كَانَ لَا يَعْرِفُهُ تَصَدَّقَ بِهِ وَلَا يُعْطِي رَبُّ الْمَالِ النَّصْرَانِيَّ مِنْهُ شَيْئًا، وَلَوْ دَفَعَ الْمُسْلِمُ مَالَهُ مُضَارَبَةً إلَى مُسْلِمٍ وَنَصْرَانِيٍّ جَازَ مِنْ غَيْرِ كَرَاهَةٍ، كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ فِي بَابِ شِرَاءِ الْمُضَارِبِ وَهِبَتِهِ.

وَإِذَا دَخَلَ الْحَرْبِيُّ إلَيْنَا بِأَمَانٍ فَدَفَعَ إلَيْهِ مُسْلِمٌ مَالًا مُضَارَبَةً بِالنِّصْفِ فَأَوْدَعَهُ الْحَرْبِيُّ مُسْلِمًا ثُمَّ رَجَعَ إلَى دَارِ الْحَرْبِ ثُمَّ دَخَلَ إلَيْنَا بَعْدَ ذَلِكَ بِأَمَانٍ وَأَخَذَ الْمَالَ مِنْ الْمُسْتَوْدَعِ فَاشْتَرَى بِهِ وَبَاعَ فَهُوَ عَامِلٌ لِنَفْسِهِ وَيَضْمَنُ لِرَبِّ الْمَالِ رَأْسَ مَالِهِ، وَلَوْ أَنَّ الْحَرْبِيَّ دَخَلَ بِالْمَالِ دَارَ الْحَرْبِ فَاشْتَرَى بِهِ وَبَاعَ هُنَاكَ فَهُوَ لَهْوٌ وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ صَارَ مُسْتَوْلِيًا عَلَى الْمَالِ حِينَ دَخَلَ دَارَ الْحَرْبِ بِغَيْرِ إذْنِ رَبِّ الْمَالِ وَإِنْ كَانَ رَبُّ الْمَالِ أَذِنَ لَهُ فِي أَنْ يَدْخُلَ دَارَ الْحَرْبِ فَيَشْتَرِيَ بِهِ وَيَبِيعَ هُنَاكَ فَإِنَى أَسْتَحْسِنُ أَنْ أُجِيزَ ذَلِكَ عَلَى الْمُضَارَبَةِ وَأَجْعَلَ الرِّبْحَ بَيْنَهُمَا عَلَى مَا اشْتَرَطَا إنْ أَسْلَمَ أَهْلُ الدَّارِ أَوْ رَجَعَ الْمُضَارِبُ إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ مُسْلِمًا أَوْ مُعَاهَدَا أَوْ بِأَمَانٍ، كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ. وَإِنْ اسْتَوْلَى عَلَيْهِ الْمُسْلِمُونَ فِي دَارِ الْحَرْبِ يَكُونُ رَأْسُ الْمَالِ وَحِصَّةُ رَبِّ الْمَالِ مِنْ الرِّبْحِ لِرَبِّ الْمَالِ وَالْبَاقِي لِجَمِيعِ الْمُسْلِمِينَ، كَذَا فِي مُحِيطِ السَّرَخْسِيِّ.

<<  <  ج: ص:  >  >>