للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

نَفْسَهُ بِمَالٍ وَيَقْبِضَ الْمَالَ بِحَضْرَةِ الشُّهُودِ فَيُعْتَقُ الْعَبْدُ بِشِرَاءِ نَفْسِهِ وَيَبْرَأُ بِقَبْضِ الْمَوْلَى ذَلِكَ مِنْهُ قَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ الْأَجَلُّ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - شَرَطَ الْخَصَّافُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَنْ يَكُونَ قَبْضُ الْمَوْلَى الْبَدَلَ بِمُعَايَنَةِ الشُّهُودِ، وَإِنَّمَا يُحْتَاجُ إلَى هَذَا إذَا كَانَ عَلَى الْمَوْلَى دَيْنُ الصِّحَّةِ حَتَّى لَا يَصِحَّ إقْرَارٌ بِاسْتِيفَاءِ مَا وَجَبَ لَهُ فِي حَالَةِ الْمَرَضِ، وَأَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ دَيْنُ الصِّحَّةِ وَأَقَرَّ بِاسْتِيفَاءِ الثَّمَنِ الَّذِي وَجَبَ لَهُ عَلَى الْعَبْدِ فِي الْمَرَضِ فَإِنَّهُ يَصِحُّ إقْرَارُهُ.

(أَصْلُ الْمَسْأَلَةِ) إذَا كَاتَبَ عَبْدَهُ فِي مَرَضِهِ، ثُمَّ أَقَرَّ بِاسْتِيفَاءِ بَدَلِ الْكِتَابَةِ وَلَيْسَ عَلَيْهِ دَيْنُ الصِّحَّةِ فَإِنَّهُ يَصِحُّ إقْرَارُهُ وَيُعْتَبَرُ مِنْ الثُّلُثِ بِخِلَافِ مَا لَوْ بَاعَ فِي الْمَرَضِ، ثُمَّ أَقَرَّ بِاسْتِيفَاءِ الثَّمَنِ فَإِنَّهُ يَصِحُّ إقْرَارُهُ وَيُعْتَبَرُ مِنْ جَمِيعِ الْمَالِ، وَأَمَّا إذَا أَعْتَقَهُ عَلَى مَالٍ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ، ثُمَّ أَقَرَّ بِاسْتِيفَاءِ الْبَدَلِ وَعَلَيْهِ دَيْنُ الصِّحَّةِ يَنْبَغِي أَنْ يَصِحَّ إقْرَارُهُ مِنْ جَمِيعِ الْمَالِ بِخِلَافِ بَدَلِ الْكِتَابَةِ وَهَذَا؛ لِأَنَّ فِي بَابِ الْكِتَابَةِ تَسْلَمُ لِلْمُكَاتَبِ رَقَبَتُهُ بِإِقْرَارِ الْمَوْلَى بِاسْتِيفَاءِ بَدَلِ الْكِتَابَةِ وَالْإِقْرَارُ وُجِدَ الْآنَ فَجَازَ أَنْ يُعْتَبَرَ مِنْ الثُّلُثِ كَمَا لَوْ أَعْتَقَهُ فِي الْحَالِ فَأَمَّا فِي الْعِتْقِ عَلَى مَالٍ فَرَقَبَةُ الْعَبْدِ، إنَّمَا تَسْلَمُ لَهُ بِقَبُولِ بَدَلِ الْعِتْقِ بِإِقْرَارِ الْمَوْلَى بِالِاسْتِيفَاءِ فَكَانَ نَظِيرَ الثَّمَنِ فِي بَابِ الْبَيْعِ فَيَصِيرُ مِنْ جَمِيعِ الْمَالِ، فَعَلَى هَذَا يَنْبَغِي أَنْ يُصَدَّقَ الْمَوْلَى إذَا أَقَرَّ بِالِاسْتِيفَاءِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَحْضُرَ الِاسْتِيفَاءَ شُهُودٌ لَكِنَّ الْخَصَّافَ زَادَ فِي التَّوْثِيقِ وَالِاحْتِيَاطِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِلْعَبْدِ مَالٌ فَالْحِيلَةُ أَنْ يَدْفَعَ الْمَوْلَى إلَيْهِ مَالًا فِي السِّرِّ وَيَكْتُمَ ذَلِكَ عَنْ الْوَرَثَةِ، ثُمَّ يَدْفَعَ الْعَبْدُ ذَلِكَ الْمَالَ إلَى الْمَوْلَى بِحَضْرَةِ الشُّهُودِ فَيُعْتَقُ وَلَا يَكُونُ عَلَيْهِ سَبِيلٌ؛ لِأَنَّهُمْ لَا يَعْرِفُونَ أَنَّ الْمَوْلَى أَعْطَاهُ شَيْئًا وَذَكَرَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ فِي حِيَلِ الْأَصْلِ وَقَالَ: الْحِيلَةُ أَنْ يَبِيعَ الْمَوْلَى هَذَا الْعَبْدَ مِمَّنْ يَثِقُ وَيَقْبِضُ الثَّمَنَ مِنْهُ بِحَضْرَةِ الشُّهُودِ فَيُعْتِقُهُ الْمُشْتَرِي فَيَصِحُّ إعْتَاقُهُ، ثُمَّ الْمَرِيضُ يَهَبُ الثَّمَنَ مِنْ الْمُشْتَرِي سِرًّا فَلَا يَكُونُ لِلْوَرَثَةِ سَبِيلٌ لَا عَلَى الْعَبْدِ وَلَا عَلَى الْمُشْتَرِي، كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ.

[الْفَصْلُ الْحَادِيَ عَشَرَ فِي الْوَقْفِ]

(الْفَصْلُ الْحَادِيَ عَشَرَ فِي الْوَقْفِ) رَجُلٌ لَا وَارِثَ لَهُ وَلَهُ عَقَارَاتٌ أَرَادَ أَنْ يُوقِفَهَا عَلَى أَقْوَامٍ يَأْخُذُونَ غَلَّتَهَا فَالْحِيلَةُ لَهُ أَنْ يُقِرَّ أَنَّ رَجُلًا مِنْ النَّاسِ وَلَمْ يُسَمِّهِ وَقَفَ هَذِهِ الضَّيَاعَ عَلَى فُلَانٍ وَفُلَانٍ وَقْفًا صَحِيحًا وَيَذْكُرُ فِيهِ شَرَائِطَ الْوَقْفِ وَهَذِهِ حِيلَةٌ ظَاهِرَةٌ؛ لِأَنَّ إقْرَارَ الْإِنْسَانِ فِيمَا فِي يَدِهِ صَحِيحٌ، وَإِنْ كَانَ لَهُ وَارِثٌ وَأَرَادَ أَنْ يُوقِفَ جَمِيعَ عَقَارَاتِهِ يُقِرُّ بِالْوَقْفِ عَلَى نَحْوِ مَا بَيَّنَّا وَيُقِرُّ أَيْضًا أَنَّهُ يَتَوَلَّى أَمْرَ هَذِهِ الصَّدَقَةِ مِنْ جِهَةِ الْوَاقِفِ لِهَذِهِ الضَّيْعَةِ وَجَعَلَهَا وَقْفًا فِي يَدِهِ عَلَى هَذَا السَّبِيلِ الَّذِي وَصَفْنَا، فَإِذَا أَقَرَّ بِذَلِكَ لَمْ يَكُنْ لِوَارِثِهِ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَصِيرُ لِوَارِثِهِ مَا كَانَ مِلْكًا لَهُ يَوْمَ الْمَوْتِ وَهُنَا قَدْ أَقَرَّ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ مِلْكًا لَهُ وَقْتَ الْمَوْتِ، وَمَنْ أَرَادَ أَنْ يَجْعَلَ غَلَّةَ دَارِهِ صَدَقَةً وَأَرَادَ أَنْ يَكْتُبَ بِذَلِكَ كِتَابًا وَخَافَ أَنْ يُبْطِلَهُ قَاضٍ وَطَلَبَ لِذَلِكَ حِيلَةً، فَاعْلَمْ أَنَّ ابْنَ أَبِي لَيْلَى لَا يُجَوِّزُ أَنْ يَجْعَلَ أَحَدٌ غَلَّةَ دَارِهِ صَدَقَةً مَوْقُوفَةً عَلَى الْمَسَاكِينِ وَعَامَّةُ الْعُلَمَاءِ يُجَوِّزُونَهَا، فَإِذَا طَلَبَ لِذَلِكَ حِيلَةً كَيْ لَا يُبْطِلَهُ قَاضٍ يَرَى مَذْهَبَ ابْنِ أَبِي لَيْلَى.

فَالْحِيلَةُ لَهُ فِي ذَلِكَ أَنْ يَجْعَلَ غَلَّةَ دَارِهِ صَدَقَةً مَوْقُوفَةً عَلَى الْمَسَاكِينِ حَالَ حَيَاتِهِ وَبَعْدَ وَفَاتِهِ وَيَذْكُرَ فِي الْكِتَابِ، فَإِنْ رَدَّ ذَلِكَ سُلْطَانٌ أَوْ قَاضٍ تُبَاعُ الدَّارُ وَيُتَصَدَّقُ بِثَمَنِهَا عَلَى الْمَسَاكِينِ فَيَقَعُ الْأَمْنُ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّ أَحَدًا لَمْ يَقُلْ بِعَدَمِ جَوَازِ هَذِهِ الصَّدَقَةِ وَمَنْ أَرَادَ أَنْ يَجْعَلَ دَارِهِ أَوْ ضَيَاعَهُ صَدَقَةً مَوْقُوفَةً عَلَى الْمَسَاكِينِ حَالَ حَيَاتِهِ وَبَعْدَ مَمَاتِهِ وَخَافَ أَنْ يُرْفَعَ إلَى قَاضٍ يَرَى مَذْهَبَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَيُبْطِلُ هَذِهِ الصَّدَقَةَ وَهَذَا الْوَقْفَ وَطَلَبَ لِذَلِكَ حِيلَةً فَاعْلَمْ بِأَنَّ الْوَقْفَ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لَا يَصِحُّ مُضَافًا إلَى مَا بَعْدَ الْمَوْتِ إلَّا بِطَرِيقِ

<<  <  ج: ص:  >  >>