للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَمْرُ الْقَاضِي إيَّاهُ بِالْإِنْفَاقِ كَأَمْرِ الْمُودِعِ لَوْ كَانَ حَاضِرًا فَيَكُونُ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ بِجَمِيعِ مَا أَنْفَقَ كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ.

وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي مِقْدَارِ النَّفَقَةِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُزَارِعِ مَعَ يَمِينِهِ عَلَى عِلْمِهِ كَذَا فِي الْمُحِيطِ.

وَلَوْ لَمْ يَهْرُبْ وَلَكِنَّهُ انْقَضَى وَقْتُ الْمُزَارَعَةِ قَبْلَ أَنْ يُسْتَحْصَدَ الزَّرْعُ وَالْمُزَارِعُ غَائِبٌ فَإِنَّ الْقَاضِي يَقُولُ لِصَاحِبِ الْأَرْضِ: أَنْفِقْ عَلَيْهِ إنْ شِئْت فَإِذَا اسْتَحْصَدَ لَمْ يَصِلْ الْعَامِلُ إلَى الزَّرْعِ حَتَّى يُعْطِيَك النَّفَقَةَ فَإِنْ أَبَى أَنْ يُعْطِيَك النَّفَقَةَ أَبِيعُ حِصَّتَهُ مِنْ الزَّرْعِ وَأُعْطِيكَ مِنْ الثَّمَنِ حِصَّتَهُ مِنْ النَّفَقَةِ فَإِنْ لَمْ تَفِ بِذَلِكَ حِصَّتُهُ فَلَا شَيْءَ لَك عَلَيْهِ فَإِنْ أَبَى أَنْ يُعْطِيَهُ النَّفَقَةَ بَاعَ الْقَاضِي حِصَّتَهُ قِيلَ هَذَا بِنَاءً عَلَى قَوْلِهِمَا فَأَمَّا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لَا يَبِيعُ الْقَاضِي حِصَّتَهُ مِنْ ذَلِكَ وَقِيلَ: بَلْ هُوَ قَوْلُهُمْ جَمِيعًا وَلَا يَتَصَدَّقُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا بِشَيْءٍ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ مِنْ الزَّرْعِ الَّذِي صَارَ لَهُ أَنَّهُ لَا يَتَمَكَّنُ خَبَثٌ وَلَا فَسَادٌ فِي السَّبَبِ الَّذِي بِهِ سَلَّمَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نَصِيبَهُ مِنْ الزَّرْعِ كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ.

وَإِذَا انْقَضَتْ مُدَّةُ الْمُزَارَعَةِ وَالزَّرْعُ بَقْلٌ وَغَابَ أَحَدُهُمَا فَإِنْ كَانَ الْغَائِبُ رَبَّ الْأَرْضِ فَرَفَعَ الْمُزَارِعُ الْأَمْرَ إلَى الْقَاضِي لِيَأْمُرَهُ بِالْإِنْفَاقِ فَالْقَاضِي لَا يَأْمُرُهُ بِذَلِكَ مَا لَمْ يُقِمْ الْبَيِّنَةَ عَلَى دَعْوَاهُ أَنَّ الزَّرْعَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْغَائِبِ فَإِذَا أَقَامَ الْبَيِّنَةَ عَلَى ذَلِكَ حِينَئِذٍ يَأْمُرُهُ بِالْإِنْفَاقِ وَلَيْسَ سَمَاعُ هَذِهِ الْبَيِّنَةِ لِلْقَضَاءِ عَلَى الْغَائِبِ فَإِنَّ رَبَّ الْأَرْضِ لَوْ حَضَرَ وَأَنْكَرَ الشَّرِكَةَ وَقَالَ: الْأَرْضُ وَالزَّرْعُ كُلُّهُ لِي وَقَدْ غَصَبَهَا مِنِّي لَا يَكُونُ لَهُ حَقُّ الرُّجُوعِ بِالنَّفَقَةِ عَلَى رَبِّ الْأَرْضِ مَا لَمْ يُعِدْ الْبَيِّنَةَ أَنَّ الزَّرْعَ كَانَ مُشْتَرَكًا بَيْنَهُمَا وَإِنَّمَا سَمَاعُ هَذِهِ الْبَيِّنَةِ لِإِيجَابِ الْحِفْظِ عَلَى الْقَاضِي لِأَنَّ الْمُدَّعِي بِمَا ادَّعَى يُرِيدُ بِهِ إيجَابَ الْحِفْظِ عَلَى الْقَاضِي؛ لِأَنَّ حِفْظَ مَالِ الْغَائِبِ يَجِبُ عَلَى الْقَاضِي فَكَانَ لِلْقَاضِي أَنْ لَا يَلْتَزِمَ ذَلِكَ بِمَجْرَدِ دَعْوَى الْمُدَّعِي بِدُونِ الْبَيِّنَةِ فَقَبْلَ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ إنْ شَاءَ أَمَرَهُ بِالْإِنْفَاقِ مُقَيَّدًا بِأَنْ يَقُولَ لَهُ أَنْفِقْ إنْ كَانَ الْأَمْرُ كَمَا وَصَفْت وَبَعْدَ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ يَأْمُرُهُ بِالْإِنْفَاقِ مُطْلَقًا حَتْمًا فَيَقُولُ لَهُ: أَنْفِقْ وَإِنْ خَافَ الْقَاضِي الْهَلَاكَ عَلَى الزَّرْعِ قَبْلَ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُهُ بِالْإِنْفَاقِ مُقَيَّدًا عَلَى نَحْوِ مَا بَيَّنَّا وَتَقْدِيرُ قَوْلِ الْقَاضِي لَهُ أَنْفِقْ إنْ كَانَ الْأَمْرُ كَمَا وَصَفْت إنْ كَانَ الزَّرْعُ مُشْتَرَكًا بَيْنَك وَبَيْنَ فُلَانٍ فَقَدْ أَمَرْتُك بِالْإِنْفَاقِ عَلَى أَنَّ لَك الرُّجُوعَ بِالنَّفَقَةِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُشْتَرَكًا وَقَدْ غَصَبْتَهَا مَزْرُوعَةً فَلَا رُجُوعَ لَك وَإِنْ أَمَرْتُك بِالْإِنْفَاقِ كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ.

وَفِي الْفَتَاوَى الْعَتَّابِيَّةِ وَلَوْ أَنْفَقَ بِغَيْرِ أَمْرِ الْقَاضِي كَانَ مُتَبَرِّعًا وَلَا يَجِبُ عَلَى الْعَامِلِ أَجْرُ مِثْلِ نِصْفِ الْأَرْضِ وَكَذَا لَوْ حَضَرَ الْغَائِبُ وَأَبَى أَنْ يُنْفِقَ وَلَوْ غَابَ الْمُزَارِعُ قَبْلَ انْقِضَاءِ الْمُدَّةِ يُنْفِقُ الْحَاضِرُ بِأَمْرِ الْقَاضِي وَيَرْجِعُ بِجَمِيعِ مَا أَنْفَقَ عَلَى الْغَائِبِ هَلَكَ الزَّرْعُ أَوْ بَقِيَ وَكَذَا لَوْ كَانَ الْعَامِلُ مُعْسِرًا لَيْسَ لَهُ مَا يُنْفِقُ فَالْجَوَابُ مَا ذَكَرْنَا وَلَوْ أَنْفَقَ مِنْ غَيْرِ أَمْرِ الْقَاضِي كَانَ مُتَبَرِّعًا وَلَوْ كَانَ مُوسِرًا يُجْبَرُ عَلَى الْإِنْفَاقِ كَذَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة.

وَإِذَا انْقَضَتْ مُدَّةُ الْمُزَارَعَةِ وَالزَّرْعُ بَقْلٌ فَأَرَادَ رَبُّ الْأَرْضِ أَنْ يَقْلَعَ الزَّرْعَ وَأَبَى الْمُزَارِعُ فَإِنَّهُ لَا يَثْبُتُ لِلْمُزَارِعِ مِنْ الْخِيَارَاتِ مَا ثَبَتَ لِرَبِّ الْأَرْضِ حَتَّى أَنَّ الْمُزَارِعَ لَوْ قَالَ: أَنَا أُعْطِي قِيمَةَ حِصَّةِ رَبِّ الْأَرْضِ مِنْ الزَّرْعِ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ رِضَا رَبِّ الْأَرْضِ وَلَوْ أَرَادَ الْمُزَارِعُ الْقَلْعَ فَلِرَبِّ الْأَرْضِ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ رِضَا الْمُزَارِعِ وَالْفَرْقُ أَنَّ صَاحِبَ الْأَرْضِ صَاحِبُ أَصْلٍ وَالْمُزَارِعَ صَاحِبُ تَبَعٍ وَلِصَاحِبِ الْأَصْلِ أَنْ يَتَمَلَّكَ التَّبَعَ مِنْ غَيْرِ رِضَا صَاحِبِ التَّبَعِ وَلَيْسَ لِصَاحِبِ التَّبَعِ أَنْ يَتَمَلَّكَ الْأَصْلَ مِنْ غَيْرِ رِضَا صَاحِبِ الْأَصْلِ كَذَا فِي الْمُحِيطِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

[الْبَابُ الْعَاشِرُ فِي زِرَاعَةِ أَحَدِ الشَّرِيكَيْنِ الْأَرْضَ الْمُشْتَرَكَةَ وَزِرَاعَةِ الْغَاصِبِ]

(الْبَابُ الْعَاشِرُ فِي زِرَاعَةِ أَحَدِ الشَّرِيكَيْنِ الْأَرْضَ الْمُشْتَرَكَةَ وَزِرَاعَةِ الْغَاصِبِ) فِي النَّوَازِلِ عَنْ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي رَجُلَيْنِ بَيْنَهُمَا أَرْضٌ فَغَابَ أَحَدُهُمَا فَلِشَرِيكِهِ أَنْ يَزْرَعَ نِصْفَ الْأَرْضِ، وَلَوْ أَرَادَ فِي الْعَامِ الثَّانِي أَنْ يَزْرَعَ زَرَعَ النِّصْفَ الَّذِي كَانَ زَرَعَ، كَذَا ذَكَرَهَا هُنَا، وَالْفَتْوَى عَلَى أَنَّهُ إنْ عَلِمَ أَنَّ الزَّرْعَ يَنْفَعُ الْأَرْضَ أَوْ لَا يَنْقُصُهَا فَلَهُ أَنْ يَزْرَعَ كُلَّهَا، وَإِذَا حَضَرَ الْغَائِبُ فَلَهُ أَنْ يَنْتَفِعَ بِكُلِّ الْأَرْضِ مِثْلَ تِلْكَ الْمُدَّةِ؛ لِأَنَّ رِضَاهُ فِي مِثْلِ هَذَا ثَابِتٌ دَلَالَةً، وَإِنْ عَلِمَ أَنَّ الزَّرْعَ يَنْقُصُهَا أَوْ التَّرْكَ يَنْفَعُهَا وَيَزِيدُهَا قُوَّةً لَيْسَ لَهُ أَنْ يَزْرَعَ

<<  <  ج: ص:  >  >>