للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بِإِعْتَاقِ الْعَبْدِ وَقَدْ ذَكَرْنَا فِي إعْتَاقِ الْعَبْدِ أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ وَأَبَا يُوسُفَ وَمُحَمَّدًا - رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى - كَانُوا يَكْتُبُونَ هَذَا كِتَابٌ مِنْ فُلَانٍ فَهَهُنَا كَذَلِكَ وَكَثِيرٌ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ كَتَبُوا عَلَى نَحْوِ مَا يَكْتُبُهُ أَبُو زَيْدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فَكَتَبُوا هَذَا مَا شَهِدَ عَلَيْهِ الشُّهُودُ الْمُسَمَّوْنَ آخِرَ هَذَا الْكِتَابِ أَنَّ فُلَانًا أَقَرَّ عِنْدَهُمْ.

وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى إقْرَارِهِ فِي حَالِ صِحَّةِ بَدَنِهِ وَقِيَامِ عَقْلِهِ وَجَوَازِ أَمْرِهِ لَهُ وَعَلَيْهِ لَا عِلَّةَ بِهِ مِنْ مَرَضٍ وَلَا غَيْرِهِ يَمْنَعُ صِحَّةَ إقْرَارِهِ أَنَّهُ جَعَلَ جَمِيعَ أَرْضِهِ أَوْ دَارِهِ الَّتِي هِيَ مِلْكُهُ وَفِي يَدَيْهِ وَتَحْتَ تَصَرُّفِهِ، وَقَدْ جَعَلَهَا عَلَى هَيْئَةِ الْمَسْجِدِ وَهِيَ فِي كُورَةِ كَذَا فِي مَحَلَّةِ كَذَا فِي سِكَّةِ كَذَا، وَيَشْمَلُ عَلَيْهَا الْحُدُودُ الْأَرْبَعَةُ جَعَلَ هَذِهِ الْبُقْعَةَ الْمَوْصُوفَةَ الْمَحْدُودَةَ فِيهِ بِحُدُودِهَا وَجَمِيعِ الْبِنَاءِ الْقَائِمِ فِيهَا وَهِيَ مُفْرَغَةٌ لَا شَيْءَ فِيهَا مَسْجِدًا لِلَّهِ تَعَالَى طَلَبًا لِثَوَابِهِ وَهَرَبًا مِنْ أَلِيمِ عِقَابِهِ، وَأَخْرَجَهَا مِنْ مِلْكِهِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى فَجَعَلَهَا لَهُ بَيْتًا وَلَهُ مَسْجِدًا لِيُصَلُّوا فِيهَا الْمَكْتُوبَاتِ وَالنَّوَافِلَ وَيَذْكُرُونَ اللَّهَ تَعَالَى فِيهِ أَنَاءَ اللَّيْلِ وَأَطْرَافَ النَّهَارِ وَيَعْتَكِفُونَ فِيهِ وَيَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ، وَيَدْرُسُ الْعِلْمَ فِيهِ مَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِهِ وَخَلَّى بَيْنَهُ وَبَيْنَ النَّاسِ وَلَا يُغْلَقُ بَابُهُ عَلَيْهِمْ وَلَا يُحَالُ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَهُ وَقَدْ أَذِنَ لَهُمْ بِذَلِكَ كُلِّهِ.

وَأَنَّ جَمَاعَةً مِنْ الْمُسْلِمِينَ بَعْدَ إذْنِهِ إيَّاهُمْ بِذَلِكَ دَخَلُوهَا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ الْمَكْتُوبَة بِالْجَمَاعَةِ فِيهَا بِأَذَانٍ وَإِقَامَةٍ بِمَحْضَرٍ مِنْ الشُّهُودِ بِمُعَايَنَتِهِمْ فَصَارَ جَمِيعُ هَذِهِ الْبُقْعَةِ لِلَّهِ تَعَالَى بَيْتًا وَلِعِبَادِهِ مُصَلًّى وَمَعْبَدًا لَا مِلْكَ لِهَذَا الْمُقِرِّ فِيهَا وَلَا حَقَّ لَهُ وَلَا فِي شَيْءٍ مِنْهَا وَلَا لِمَنْ سِوَاهُ مِنْ النَّاسِ لَا فِي أَصْلِهَا وَلَا فِي بِنَائِهَا وَلَا سَبِيلَ لَهُ وَلَا لِأَحَدٍ مِنْ وَرَثَتِهِ عَلَى إبْطَالِ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ وَلَا عَلَى تَغْيِيرِهِ وَأَشْهَدَ عَلَى إقْرَارِهِ الْقَوْمَ الَّذِينَ أَثْبَتُوا أَسَامِيَهُمْ فِي هَذَا الْكِتَابِ وَذَلِكَ فِي يَوْمِ كَذَا، وَإِنْ لَمْ يَكْتُبْ فِي هَذَا الصَّكِّ الصَّلَاةَ بِجَمَاعَةٍ وَلَكِنْ كَتَبَ فِيهِ وَقَدْ أَخْرَجَ هَذَا الْمُتَصَدِّقُ جَمِيعَ هَذَا الْمَسْجِدِ مِنْ يَدِهِ إلَى فُلَانٍ فَقَبَضَهُ فُلَانٌ لِلْمُسْلِمِينَ لِيَكُونَ فِي يَدِهِ عَلَى مَا جَعَلَهُ هَذَا الْمُتَصَدِّقُ بِتَسْلِيمِهِ إلَيْهِ فَارِغًا مِنْ مَوَانِعِ التَّسْلِيمِ فَجَمِيعُ ذَلِكَ فِي يَدِ هَذَا الْمُتَوَلِّي عَلَى مَا جَعَلَهُ هَذَا الْمُتَصَدِّقُ لَهُ وَلَا سَبِيلَ لِأَحَدٍ إلَى آخِرِهِ كَفَاهُ وَالْمَكْتُوبُ الْأَوَّلُ أَحْوَطُ وَأَصَحُّ.

[اتِّخَاذِ الرِّبَاطِ لِنُزُولِ الْمَارَّةِ فِيهِ وَالسَّيَّارَةِ]

(نَوْعٌ آخَرُ فِي اتِّخَاذِ الرِّبَاطِ لِنُزُولِ الْمَارَّةِ فِيهِ وَالسَّيَّارَةِ) فَنَقُولُ: ظَاهِرُ مَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَيْ لَا يَلْزَمُ حَتَّى كَانَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ فِيهِ كَمَا فِي سَائِرِ الْأَوْقَافِ، وَعَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ - رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى - يَجُوزُ، وَإِنْ أَرَادَ كِتَابَتَهُ يَكْتُبُ فِيهِ هَذَا مَا وَقَفَ وَتَصَدَّقَ أَوْ يَكْتُبُ هَذَا الْكِتَابُ أَنَّ فُلَانًا جَعَلَ جَمِيعَ الرِّبَاطِ الْمُشْتَمِلِ عَلَى الْمَنَازِلِ وَالْغُرَفِ وَالسَّاحَةِ وَالْمَرَابِطِ الَّذِي فِي مَوْضِعِ كَذَا صَدَقَةً مَوْقُوفَةً مَقْبُوضَةً صَحِيحَةً نَافِذَةً جَائِزَةً تَقَرُّبًا إلَى اللَّهِ وَابْتِغَاءً لِمَرْضَاتِهِ لَا فَسَادَ فِيهَا وَلَا رَجْعَةَ وَلَا مَثْنَوِيَّةَ وَلَا تَلْجِئَةَ وَلَا مُوَاعَدَةَ لَا يُبَاعُ وَلَا يُوهَبُ وَلَا يُورَثُ وَلَا يُمْلَكُ بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ وَلَا يُتْلَفُ بِوَجْهِ تَلَفٍ قَائِمَةً عَلَى أُصُولِهَا مَاضِيَةً عَلَى حَالِ سَبِيلِهَا إلَى أَنْ يَرِثَهَا اللَّهُ تَعَالَى الَّذِي يَرِثُ الْأَرْضَ وَمَنْ عَلَيْهَا وَهُوَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ، عَلَى أَنْ يَكُونَ مَنَازِلَ وَمَسَاكِنَ لِلسَّيَّارَةِ وَالْمَارَّةِ وَأَبْنَاءِ السَّبِيلِ، عَلَى أَنَّ الرَّأْيَ فِي إنْزَالِ مَنْ يَنْزِلُهَا وَيَسْكُنُهَا إلَى الْقَوَّامِ بِهَا أَبَدًا فِي كُلِّ وَقْتٍ وَزَمَانٍ يُسْكِنُونَ مَنْ أَحَبُّوا وَيُزْعِجُونَ مَنْ أَحَبُّوا عَلَى مَا يَكُونُ أَصْلَحَ وَأَوْفَقَ لِهَذِهِ الصَّدَقَةِ وَالتَّخْصِيصُ فِي ذَلِكَ جَائِزٌ.

فَإِنْ كَانَ شَرْطُ الْوَاقِفِ أَنْ يَنْزِلَهَا الْمُسْلِمُونَ لَا يَنْزِلَهَا الْكُفَّارُ يَكْتُبُ عَلَى أَنَّ سُكْنَاهَا لِلْمُسْلِمِينَ يَنْزِلُهَا الْمُسْلِمُونَ وَلَا يُمَكِّنَ الْكُفَّارَ مِنْ النُّزُولِ فِيهَا، فَإِنْ كَانَ شَرَطَ نُزُولَ أَهْلِ الْعِلْمِ لَا غَيْرُ يَكْتُبُ عَلَى أَنَّ سُكْنَاهَا لِأَهْلِ الْعِلْمِ الْمُعَلِّمِينَ وَالْمُتَعَلِّمِينَ دُونَ غَيْرِهِمْ، وَإِنْ شَرَطَ نُزُولَ أَهْلِ الْقُرْآنِ أَوْ الْقِرَاءَةِ يَكْتُبُ عَلَى هَذَا الْقِيَاسِ فَإِنْ كَانَ الْوَاقِفُ قَدْ وَقَفَ لِعِمَارَةِ

<<  <  ج: ص:  >  >>