[الْبَاب التَّاسِع وَالْعُشْرُونَ فِي الِانْتِفَاع بِالْأَشْيَاءِ الْمُشْتَرَكَة]
(الْبَابُ التَّاسِعُ وَالْعِشْرُونَ فِي الِانْتِفَاعِ بِالْأَشْيَاءِ الْمُشْتَرَكَةِ) ذَكَرَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي شُرُوطِ الْأَصْلِ فِي الدَّارِ إذَا كَانَتْ مُشْتَرَكَةً وَأَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ غَائِبٌ وَأَرَادَ الْحَاضِرُ أَنْ يُسَكِّنَهَا إنْسَانًا أَوْ يُؤَاجِرَهَا إنْسَانًا قَالَ أَمَّا فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى فَلَا يَنْبَغِي لَهُ ذَلِكَ وَفِي الْقَضَاءِ لَا يُمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ فَإِنْ آجَرَ وَأَخَذَ الْأَجْرَ يُنْظَرُ إلَى حِصَّةِ نَصِيبِ شَرِيكِهِ مِنْ الْأَجْرِ وَيَرُدُّ ذَلِكَ عَلَيْهِ إنْ قَدَرَ وَإِلَّا يَتَصَدَّقْ وَكَانَ كَالْغَاصِبِ إذَا آجَرَ وَقَبَضَ الْأَجْرَ بِتَصَدُّقٍ أَوْ يَرُدَّهُ عَلَى الْمَغْصُوبِ مِنْهُ أَمَّا مَا يَخُصُّ نَصِيبَهُ يَطِيبُ لَهُ هَذَا إذَا أَسْكَنَ غَيْرَهُ أَمَّا إذَا سَكَنَ بِنَفْسِهِ وَشَرِيكُهُ غَائِبٌ فَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَكُونَ لَهُ ذَلِكَ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى كَمَا لَوْ أَسْكَنَ غَيْرَهُ وَفِي الِاسْتِحْسَانِ لَهُ ذَلِكَ.
وَفِي الْعُيُونِ لَوْ أَنَّ دَارًا غَيْرُ مَقْسُومَةٍ بَيْنَ رَجُلَيْنِ غَابَ أَحَدُهُمَا وَسِعَ الْحَاضِرُ أَنْ يَسْكُنَ بِقَدْرِ حِصَّتِهِ وَيَسْكُنَ الدَّارَ كُلَّهَا وَكَذَا خَادِمٌ بَيْنَ رَجُلَيْنِ غَابَ أَحَدُهُمَا فَلِلْحَاضِرِ أَنْ يَسْتَخْدِمَ الْخَادِمَ بِحِصَّتِهِ وَفِي الدَّابَّةِ لَا يَرْكَبُهَا الْحَاضِرُ وَفِي إجَارَاتِ النَّوَازِلِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُقَاتِلٍ أَنَّ لِلْحَاضِرِ أَنْ يَسْكُنَ الدَّارَ قَدْرَ نَصِيبِهِ وَعَنْ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَنَّ لِلْحَاضِرِ أَنْ يَسْكُنَ جَمِيعَ الدَّارِ إذَا خَافَ عَلَى الدَّارِ الْخَرَابَ إنْ لَمْ يَسْكُنْهَا وَرَوَى ابْنُ أَبِي مَالِكٍ عَنْ أَبِي يُوسُفَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي الْأَرْضِ أَنَّهُ لَيْسَ لِلْحَاضِرِ أَنْ يَزْرَعَ بِقَدْرِ حِصَّتِهِ وَفِي الدَّارِ لَهُ أَنْ يَسْكُنَ وَفِي نَوَادِرِ هِشَامٍ أَنَّ لَهُ ذَلِكَ فِي الْوَجْهَيْنِ كَذَا فِي الْمُحِيطِ.
وَفِي الدَّابَّةِ بَيْنَ رَجُلَيْنِ اسْتَعْمَلَهَا أَحَدُهُمَا فِي الرُّكُوبِ أَوْ حَمْلِ الْمَتَاعِ بِغَيْرِ إذْنِ الشَّرِيكِ ضَمِنَ نَصِيبَ شَرِيكِهِ كَذَا فِي الصُّغْرَى.
دَارٌ مُشْتَرَكَةٌ بَيْنَ قَوْمٍ فَلِبَعْضِهِمْ أَنْ يَرْبِطَ فِيهَا دَابَّةً وَأَنْ يَتَوَضَّأَ فِيهَا وَيَضَعَ فِيهَا خَشَبَةً وَلَوْ عَطِبَ بِهِ إنْسَانٌ لَمْ يَضْمَنْ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَحْفِرَ فِيهَا بِئْرًا أَوْ يَبْنِيَ بِنَاءً بِغَيْرِ إذْنِ شَرِيكِهِ وَإِنْ بَنَى أَوْ حَفَرَ ضَمِنَ النُّقْصَانَ وَيُؤْمَرُ بِرَفْعِ الْبِنَاءِ كَذَا فِي الْفَتَاوَى الْعَتَّابِيَّةِ.
سُئِلَ أَبُو الْقَاسِمِ عَمَّنْ أَرَادَ أَنْ يَتَّخِذَ طَرِيقًا فِي مِلْكِهِ فِي سِكَّةٍ غَيْرِ نَافِذَةٍ بِحَاجَةٍ لَهُ قَالَ يَنْظُرُ الْقَاضِي فِيهِ إنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ ضَرَرٌ بِأَصْحَابِ السِّكَّةِ وَاسْتَوْثَقَ ذَلِكَ الْبَابَ حَتَّى يَصِيرَ كَالْجِدَارِ لَمْ يَمْنَعْهُ كَذَا فِي الْحَاوِي لِلْفَتَاوَى.
وَإِذَا أَرَادَ الرَّجُلُ إحْدَاثَ ظُلَّةٍ فِي طَرِيقِ الْعَامَّةِ وَلَا يَضُرُّ بِالْعَامَّةِ فَالصَّحِيحُ مِنْ مَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَنَّ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ آحَادِ الْمُسْلِمِينَ حَقَّ الْمَنْعِ وَحَقَّ الطَّرْحِ وَقَالَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لَهُ حَقُّ الْمَنْعِ مِنْ الْإِحْدَاثِ وَلَيْسَ لَهُ حَقُّ الطَّرْحِ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لَيْسَ لَهُ حَقُّ الْمَنْعِ وَلَا حَقَّ الطَّرْحِ وَإِنْ كَانَ يَضُرُّ ذَلِكَ بِالْمُسْلِمِينَ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ آحَادِ الْمُسْلِمِينَ حَقُّ الطَّرْحِ وَالْمَنْعِ فَإِنْ أَرَادَ إحْدَاثَ الظُّلَّةِ فِي سِكَّةٍ غَيْرِ نَافِذَةٍ لَا يُعْتَبَرُ فِيهِ الضَّرَرُ وَعَدَمُ الضَّرَرِ عِنْدَنَا بَلْ يُعْتَبَرُ فِيهِ الْإِذْنُ مِنْ الشُّرَكَاءِ وَهَلْ يُبَاحُ إحْدَاثُ الظُّلَّةِ عَلَى طَرِيقِ الْعَامَّةِ ذَكَرَ الْفَقِيهُ أَبُو جَعْفَرٍ وَالطَّحَاوِيُّ أَنَّهُ يُبَاحُ وَلَا يَأْثَمُ قَبْلَ أَنْ يُخَاصِمَهُ أَحَدٌ وَبَعْدَ مَا خَاصَمَهُ أَحَدٌ لَا يُبَاحُ الْإِحْدَاثُ وَلَا يُبَاحُ الِانْتِفَاعُ وَيَأْثَمُ بِتَرْكِ الظُّلَّةِ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ - رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى - يُبَاحُ لَهُ الِانْتِفَاعُ إذَا كَانَ لَا يَضُرُّ ذَلِكَ بِالْعَامَّةِ كَذَا فِي الْمُحِيطِ.
وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي الرَّجُلِ إذَا طَيَّنَ جِدَارَ دَارِهِ وَشَغَلَ هَوَاءَ الْمُسْلِمِينَ فَالْقِيَاسُ أَنْ يَنْقُضَ ذَلِكَ وَفِي الِاسْتِحْسَانِ لَا يَنْقُضُ وَيُتْرَكُ عَلَى حَالِهِ وَرُوِيَ عَنْ نَصْرِ بْنِ مُحَمَّدٍ الْمَرْوَزِيِّ صَاحِبِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَنَّهُ كَانَ إذَا أَرَادَ أَنْ يُطَيِّنَ دَارِهِ نَحْوَ السِّكَّةِ خَدَشَهُ ثُمَّ طَيَّنَهُ كَيْ لَا يَأْخُذَ شَيْئًا مِنْ الْهَوَاءِ.
ثُمَّ سُئِلَ نُصَيْرُ بْنُ يَحْيَى عَنْ الْجِذْعِ إذَا كَانَ خَارِجًا مِنْ السِّكَّةِ أَوْ مُتَعَلِّقًا بِجِدَارِ الشَّرِيكِ فَأَرَادَ أَنْ يَنْقُضَ أَوْ يَقْطَعَ قَالَ إنْ كَانَتْ السِّكَّةُ نَافِذَةً فَلَهُ أَنْ يَنْقُضَ فَإِذَا نَقَضَهُ لَا يُؤْمَرُ بِبِنَائِهِ وَلَيْسَ لِصَاحِبِ الْجِذْعِ حَقُّ الْقَرَارِ وَإِنْ كَانَتْ السِّكَّةُ غَيْرَ نَافِذَةٍ فَإِنْ كَانَ قَدِيمًا فَلِصَاحِبِهِ حَقُّ الْقَرَارِ وَلَيْسَ لِلشَّرِيكِ حَقُّ النَّقْضِ وَإِذَا نَقَضَ يُؤْمَرُ بِالْبِنَاءِ ثَانِيًا وَإِنْ كَانَ مُحْدَثًا