للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تَبَعًا، وَكُلُّ مَالٍ أَوْدَعَهُ مُسْلِمًا أَوْ ذِمِّيًّا، فَهُوَ لَهُ وَمَا سِوَى ذَلِكَ فَيْءٌ كَذَا فِي الْكَافِي.

إذَا أَسْلَمَ الْحَرْبِيُّ فِي دَارِ الْحَرْبِ، فَقَتَلَهُ مُسْلِمٌ عَمَدًا أَوْ خَطَأً، وَلَهُ وَرَثَةٌ مُسْلِمُونَ هُنَاكَ، فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ إلَّا الْكَفَّارَةُ فِي الْخَطَأِ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ.

مَنْ قَتَلَ مُسْلِمًا خَطَأً لَا وَلِيَّ لَهُ أَوْ قَتَلَ حَرْبِيًّا دَخَلَ دَارَ الْإِسْلَامِ بِأَمَانٍ فَأَسْلَمَ، فَالدِّيَةُ عَلَى عَاقِلَتِهِ لِلْإِمَامِ، وَعَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ، وَإِنْ كَانَ قَتَلَ الْمُسْلِمَ الَّذِي لَا وَارِثَ لَهُ وَالْمُسْتَأْمَنَ الَّذِي أَسْلَمَ وَلَمْ يُسْلِمْ مَعَهُ وَارِثٌ قَصْدًا وَلَا تَبَعًا بِأَنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ وَلَدٌ صَغِيرٌ دَخَلَ بِهِ إلَيْنَا عَمْدًا، فَإِنْ شَاءَ الْإِمَامُ قَتَلَهُ، وَإِنْ شَاءَ أَخَذَ الدِّيَةَ مِنْهُ بِطَرِيقِ الصُّلْحِ لَا الْجَبْرِ، وَإِمَّا أَنْ يَعْفُوَا فَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ، وَلَوْ كَانَ الْمَقْتُولُ لَقِيطًا فَقَتَلَهُ الْمُلْتَقِطُ أَوْ غَيْرُهُ خَطَأٍ فَلَا إشْكَالَ فِي وُجُوبِ الدِّيَةِ لِبَيْتِ الْمَالِ عَلَى عَاقِلَةِ الْقَاتِلِ وَالْكَفَّارَةِ عَلَيْهِ وَلَوْ كَانَ الْقَتْلُ عَمْدًا، فَإِنْ شَاءَ الْإِمَامُ قَتَلَهُ، وَإِنْ شَاءَ صَالَحَهُ عَلَى الدِّيَةِ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ - رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى - كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ الْأَصْلُ أَنَّ الدَّارَ دَلِيلٌ ظَاهِرٌ لِكَوْنِ مَنْ فِيهَا مِنْ أَهْلِهَا وَالسِّيمَاءُ أَقْوَى مِنْ الْمَكَانِ، وَالْبَيِّنَةُ أَقْوَى مِنْ الْكُلِّ.

إذَا أَسَرَتْ سَرِيَّةٌ قَوْمًا، وَجَاءُوا بِهِمْ فَادَّعَوْا أَنَّهُمْ مِنْ أَهْلِ الْإِسْلَامِ أَوْ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ، وَأَنَّهُمْ أَخَذُونَا فِي دَارِ الْإِسْلَامِ وَقَالَتْ السَّرِيَّةُ هُمْ مِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ أَخَذْنَاهُمْ فِي دَارِ الْحَرْبِ، فَالْقَوْلُ لِلْأُسَارَى وَإِنْ قَالُوا: أَخَذُونَا فِي دَارِ الْحَرْبِ وَلَكِنْ نَحْنُ مِنْ أَهْلِ الْإِسْلَامِ أَوْ الذِّمَّةِ وَدَخَلْنَا دَارَ الْحَرْبِ مُسْتَأْمَنِينَ لِلتِّجَارَةِ أَوْ الزِّيَارَةِ أَوْ كُنَّا أُسَرَاءَ فِي أَيْدِيهمْ لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُمْ وَيُسْتَرَقُّونَ إلَّا إذَا وُجِدَ فِيهِمْ عَلَامَاتُ الْإِسْلَامِ كَالْخِتَانِ وَالْخِضَابِ وَقَصِّ الشَّارِبِ وَقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ وَالْفِقْهِ وَادَّعُوا إسْلَامًا فَيَنْدَفِعُ عَنْهُمْ الْأَسْرُ، وَكَذَا إذَا وُجِدَتْ هَذِهِ الْعَلَامَاتُ فِي سَبْيٍ فِي دَارِهِمْ بَعْدَ الظُّهُورِ، وَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ بَعْضِ السَّرِيَّةِ عَلَيْهِمْ؛ لِأَنَّهَا شَهَادَةٌ لِنَفْسِهِ، وَتُقْبَلُ شَهَادَةُ التُّجَّارِ لِعَدَمِ الشَّرِكَةِ، وَذَكَرَ فِي السِّيَرِ الْكَبِيرِ: تُقْبَلُ، وَاخْتِلَافُ الْجَوَابِ لِاخْتِلَافِ الْوَضْعِ فَالْوَضْعُ ثَمَّةَ فِي جُنْدٍ عَظِيمٍ، فَكَانَتْ شَرِكَةً عَامَّةً، وَلَا تَمْنَعُ الْقَبُولَ كَشَهَادَةِ الْفَقِيرَيْنِ لِبَيْتِ الْمَالِ، وَالْوَضْعُ هُنَا فِي السَّرِيَّةِ وَهَذِهِ شَرِكَةٌ خَاصَّةٌ فَمَنَعَتْ الْقَبُولَ، وَلَا شَهَادَةٌ لِأَهْلِ الذِّمَّةِ لَهُمْ؛ لِأَنَّهَا شَهَادَةٌ عَلَى الْمُسْلِمِينَ كَذَا فِي الْكَافِي.

[الْفَصْلُ الثَّالِثُ فِي هَدِيَّةِ مَلِكِ أَهْلِ الْحَرْبِ يَبْعَثُهَا إلَى أَمِيرِ جَيْشِ الْمُسْلِمِينَ]

َ قَالَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - مَا يَبْعَثُهُ مَلِكُ الْعَدُوِّ مِنْ الْهَدِيَّةِ إلَى أَمِيرِ جَيْشِ الْمُسْلِمِينَ أَوْ إلَى الْإِمَامِ الْأَكْبَرِ، وَهُوَ مَعَ الْجَيْشِ، فَإِنَّهُ لَا بَأْسَ بِقَبُولِهَا وَيَصِيرُ فَيْئًا لِلْمُسْلِمِينَ، كَذَلِكَ إذَا أَهْدَى مَلِكُهُمْ إلَى قَائِدٍ مِنْ قُوَّادِ الْمُسْلِمِينَ لَهُ مَنَعَةٌ، وَلَوْ كَانَ أَهْدَى إلَى وَاحِدٍ مِنْ كِبَارِ الْمُسْلِمِينَ لَيْسَ لَهُ مَنَعَةٌ يَخْتَصُّ هُوَ بِهَا، وَفِي الْمُنْتَقَى لَوْ أَنَّ جُنْدًا دَخَلُوا دَارَ الْحَرْبِ، فَأَهْدَى أَهْلُ الْحَرْبِ رَجُلًا مِنْ الْجُنْدِ أَوْ قَائِدًا مِنْ هَدَايَاهُمْ، فَهُوَ غَنِيمَةٌ إلَّا أَنَّ نَفْلَ كُلُّ رَجُلٍ مَا أُهْدِي إلَيْهِ.

قَالَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَكَذَلِكَ كُلُّ عَامِلٍ مِنْ عُمَّالِ الْخَلِيفَةِ إذَا بَعَثَهُ الْخَلِيفَةُ عَلَى عَمَلٍ، فَأُهْدِيَ إلَيْهِ شَيْءٌ، فَيَنْبَغِي لِلْخَلِيفَةِ أَنْ يَأْخُذَ ذَلِكَ مِنْ الْعَامِلِ، وَيَجْعَلَهُ فِي بَيْتِ مَالِ الْمُسْلِمِينَ إنْ كَانَ الْمُهْدِي أَهْدَى إلَيْهِ بِطِيبِ نَفْسِهِ، وَإِنْ كَانَ الْمُهْدِي مُكْرَهًا فِي الْإِهْدَاءِ يَنْبَغِي أَنْ يَرُدَّ الْهَدِيَّةَ عَلَى الْمُهْدِي إنْ قَدَرَ عَلَيْهِ، وَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَيْهِ يَضَعْهَا فِي بَيْتِ الْمَالِ وَيَكْتُبْ عَلَيْهِ قِصَّتَهُ وَكَانَ حُكْمُهُ حُكْمَ اللُّقَطَةِ.

وَلَوْ أَنَّ عَسْكَرًا مِنْ الْمُسْلِمِينَ دَخَلُوا دَارَ الْحَرْبِ، فَأَهْدَى أَمِيرَهُمْ إلَى مَلِكِ الْعَدُوِّ هَدِيَّةً، فَلَا بَأْسَ بِهِ، فَإِنْ أَهْدَى إلَيْهِ مَلِكُ الْعَدُوِّ بَعْدَ ذَلِكَ هَدِيَّةً نُظِرَ فِيمَا أَهْدَى مَلِكُ الْعَدُوِّ، فَإِنْ كَانَتْ قِيمَةُ مَا أَهْدَى مَلِكُ الْعَدُوِّ مِثْلَ قِيمَةِ هَدِيَّةِ أَمِيرِ الْجَيْشِ أَوْ أَكْثَرَ يَتَغَابَنُ النَّاسُ فِي مِثْلِهِ كَانَتْ لِلْأَمِيرِ خَاصَّةً وَإِنْ كَانَتْ قِيمَةُ هَدِيَّةِ مَلِكِ الْعَدُوِّ أَكْثَرَ مِنْ قِيمَةِ هَدِيَّةِ الْأَمِيرِ بِحَيْثُ لَا يَتَغَابَنُ النَّاسُ فِي مِثْلِهِ فَالزِّيَادَةُ عَلَى هَدِيَّةِ الْأَمِيرِ تَكُونُ غَنِيمَةً، وَكَذَلِكَ لَوْ أَنَّ أَمِيرَ الثُّغُورِ أَهْدَى إلَى مَلِكِ الْعَدُوِّ هَدِيَّةً، وَأَهْدَى مَلِكُ الْعَدُوِّ إلَيْهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>