للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بِقَبْضِ الدَّيْنِ فَجَوَازُهُ ظَاهِرٌ، وَأَمَّا جَعْلُ الْمَقْبُوضِ قِصَاصًا بِمَالِهِ ظَاهِرٌ أَيْضًا؛ لِأَنَّ طَرِيقَ قَضَاءِ الدَّيْنِ هَذَا عَلَى مَا عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ، فَإِنْ قَالَ الْمَطْلُوبُ: أَخَافُ أَنْ يَقْبِضَ الطَّالِبُ مِنْ غَرِيمِي، وَيَقُولَ: ضَاعَ قَبْلَ أَنْ أَقْبِضَهُ لِنَفْسِي، وَيَكُونَ الْقَوْلُ لَهُ فِي ذَلِكَ. مَعْنَى هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ الْمَطْلُوبَ لَمَّا وَكَّلَ الطَّالِبَ بِقَبْضِ الدَّيْنِ مِنْ غَرِيمِهِ وَلَمْ يَقُلْ: اقْبِضْهُ لِنَفْسِك يَقَعُ قَبْضُ الطَّالِبِ لِلْمَطْلُوبِ أَوَّلًا ثُمَّ يَحْتَاجُ الطَّالِبُ إلَى تَجْدِيدِ الْقَبْضِ لِنَفْسِهِ لِيَقَعَ الْقَبْضُ لِلطَّالِبِ؛ لِأَنَّ الْمَقْبُوضَ فِي يَدِ الْوَكِيلِ أَمَانَةٌ وَالْقَبْضَ لِنَفْسِهِ قَبْضُ ضَمَانٍ، وَقَبْضُ الْأَمَانَةِ لَا يَنُوبُ عَنْ قَبْضِ الضَّمَانِ فَيَحْتَاجُ إلَى تَجْدِيدِ الْقَبْضِ لِنَفْسِهِ.

وَإِذَا قَالَ هَلَكَ الْمَقْبُوضُ قَبْلَ أَنْ أَقْبِضَ لِنَفْسِي فَقَدْ ادَّعَى هَلَاكَ الْأَمَانَةِ قَبْلَ إحْدَاثِ سَبَبِ الضَّمَانِ فَيَكُونُ الْقَوْلُ لَهُ فَإِذَا عَرَفْت تَفْسِيرَ الْمَسْأَلَةِ فَالثِّقَةُ لَهُ أَنْ يَأْمُرَ الْمَطْلُوبُ غَرِيمَهُ هَذَا أَنْ يَضْمَنَ عَنْهُ الْمَالَ لِلطَّالِبِ عَلَى أَنْ يَأْخُذَ بِهِ أَيَّهُمَا شَاءَ، فَإِذَا فَعَلَ ذَلِكَ صَارَ الْمَالُ عَلَيْهِمَا فَإِذَا أَخَذَ الطَّالِبُ مِنْ غَرِيمِ الْمَطْلُوبِ شَيْئًا يَصِيرُ آخِذًا لِنَفْسِهِ، وَلَوْ هَلَكَ يُهْلَكُ عَلَيْهِ، كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ.

[الْفَصْلُ الثَّالِثُ وَالْعِشْرُونَ فِي الصُّلْحِ]

(الْفَصْلُ الثَّالِثُ وَالْعِشْرُونَ فِي الصُّلْحِ) قَالَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي حِيَلِ الْأَصْلِ: رَجُلٌ لَهُ عَلَى رَجُلٍ أَلْفُ دِرْهَمٍ صَالَحَهُ مِنْهَا عَلَى مِائَةِ دِرْهَمٍ يُؤَدِّيهَا إلَيْهِ فِي هِلَالِ شَهْرِ كَذَا مِنْ سَنَةِ كَذَا، فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ فَعَلَيْهِ مِائَتَا دِرْهَمٍ جَازَ هَذَا الصُّلْحُ فِي قَوْلِنَا وَقَوْلِ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ عَلَى هَذِهِ الصُّورَةِ وَالْوَضْعِ لَمْ يَذْكُرْهَا مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي كِتَابِ الصُّلْحِ إنَّمَا هِيَ مِنْ خَصَائِصِ كِتَابِ الْحِيَلِ، وَالْحُكْمُ فِيهَا أَنَّ الْمَطْلُوبَ إذَا أَدَّى مِائَةً فِي الْوَقْتِ الْمَشْرُوطِ بَرِئَ عَنْ الْبَاقِي وَإِذَا لَمْ يُؤَدِّ فَعَلَيْهِ مِائَتَا دِرْهَمٍ.

وَإِنَّمَا الْمَذْكُورُ فِي كِتَابِ الصُّلْحِ مِنْ هَذَا الْجِنْسِ ثَلَاثَةُ فُصُولٍ: (أَحَدُهَا) إذَا كَانَ لِرَجُلٍ عَلَى رَجُلٍ أَلْفَ دِرْهَمٍ وَقَالَ صَاحِبُ الْمَالِ لِلْمَدْيُونِ: حَطَطْتُ عَنْك خَمْسَمِائَةٍ لِتُؤَدِّي خَمْسَمِائَةٍ غَدًا إلَيَّ، أَوْ قَالَ: لِتُؤَدِّي إلَيَّ خَمْسَمِائَةٍ غَدًا وَقَبِلَ الْآخَرُ، وَذَكَرَ أَنَّ الصُّلْحَ وَالْحَطَّ جَائِزَانِ أَدَّى الْمَدْيُونُ إلَيْهِ خَمْسَمِائَةٍ غَدًا أَوْ لَمْ يُؤَدِّ. (الثَّانِي) إذَا قَالَ: حَطَطْتُ عَنْك خَمْسَمِائَةٍ عَلَى أَنْ تُعَجِّلَنِي خَمْسَمِائَةٍ فَإِنْ لَمْ تُعَجِّلْ فَالْأَلْفُ عَلَيْك عَلَى حَالِهَا، وَقَبِلَ الْآخَرُ وَذَكَرَ أَنَّ الْمَدْيُونَ إنْ عَجَّلَ خَمْسَمِائَةٍ فَهُوَ بَرِيءٌ عَنْ الْخَمْسِمِائَةِ الْأُخْرَى وَإِنْ لَمْ يُعَجِّلْ فَالْأَلْفُ عَلَيْهِ بِحَالِهَا وَهَذَا اسْتِحْسَانٌ، وَالْقِيَاسُ أَنَّ الْأَلْفَ عَلَى الْمَدْيُونِ عَلَى حَالِهَا عَجَّلَ الْخَمْسَمِائَةِ أَوْ لَمْ يُعَجِّلْ، وَبِالْقِيَاسِ أَخَذَ بَعْضُ النَّاسِ.

(الثَّالِثُ) إذَا قَالَ: حَطَطْتُ عَنْك خَمْسَمِائَةٍ عَلَى أَنْ تُعَجِّلَنِي خَمْسَمِائَةٍ وَلَمْ يَزِدْ عَلَى هَذَا، وَذَكَرَ فِيهِ خِلَافًا فَقَالَ: عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - إنَّ عَجَّلَ خَمْسَمِائَةٍ بَرِئَ عَنْ الْخَمْسِمِائَةِ الْأُخْرَى، وَإِنْ لَمْ يُعَجِّلْ فَالْأَلْفُ عَلَيْهِ عَلَى حَالِهَا وَبَطَلَ الصُّلْحُ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: لَا يَبْطُلُ الصُّلْحُ وَعَلَى الْمَطْلُوبِ خَمْسُمِائَةٍ عَجَّلَ الْخَمْسَمِائَةِ أَوْ لَمْ يُعَجِّلْ، فَهَذَا جُمْلَةُ مَا أَوْرَدَهُ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي كِتَابِ الصُّلْحِ (جِئْنَا إلَى مَسْأَلَةِ كِتَابِ الْحِيَلِ) فَصُورَتُهَا وَحُكْمُهَا مَا ذَكَرْنَا وَإِنَّمَا ذَكَرَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - قَوْلَ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي مَسْأَلَةِ كِتَابِ الْحِيَلِ لَيُبَيِّنَ أَنَّ

<<  <  ج: ص:  >  >>