للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْحِيلَةِ تَكَلَّمُوا فِيهِ قِيلَ: لَا يَحِلُّ، وَقِيلَ: يَحِلُّ، وَهُوَ الْأَصَحُّ هَذَا إذَا أَعْطَاهُ قَبْلَ أَنْ يُسَوِّيَ أَمْرَهُ أَمَّا إذَا أَعْطَاهُ بَعْدَ أَنْ سَوَّى أَمْرَهُ وَنَجَّاهُ عَنْ ظُلْمِهِ فَيَحِلُّ لِلْمُعْطِي الْإِعْطَاءُ، وَيَحِلُّ لِلْآخِذِ الْأَخْذُ، وَهُوَ الْأَصَحُّ كَذَا فِي مُحِيطِ السَّرَخْسِيِّ.

وَهُوَ الصَّحِيحُ كَذَا فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ.

الْوَجْهُ الثَّانِي إذَا لَمْ يَشْتَرِطْ ذَلِكَ صَرِيحًا وَلَكِنْ إنَّمَا يُهْدِي إلَيْهِ لِيُعِينَهُ عِنْدَ السُّلْطَانِ، وَفِي هَذَا الْوَجْهِ اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ - رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى -، وَعَامَّتُهُمْ عَلَى أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ هَذَا إذَا لَمْ تَكُنْ بَيْنَهُمَا مُهَادَاةٌ قَبْلَ ذَلِكَ بِسَبَبٍ مِنْ الْأَسْبَابِ، وَأَمَّا إذَا كَانَتْ بَيْنَهُمَا مُهَادَاةٌ قَبْلَ ذَلِكَ بِسَبَبِ صَدَاقَةٍ أَوْ قَرَابَةٍ فَأَهْدَى إلَيْهِ كَمَا كَانَ يُهْدِي قَبْلَ ذَلِكَ ثُمَّ إنَّ الْمُهْدَى إلَيْهِ قَامَ لِإِصْلَاحِ أَمْرِهِ فَهَذَا أَمْرٌ حَسَنٌ؛ لِأَنَّهُ مُجَازَاةُ الْإِحْسَانِ بِالْإِحْسَانِ، وَمُقَابَلَةُ الْكَرَمِ بِالْكَرَمِ.

وَنَوْعٌ آخَرُ أَنْ يُهْدِيَ الرَّجُلُ إلَى سُلْطَانٍ فَيُقَلِّدَ الْقَضَاءَ لَهُ، أَوْ عَمَلًا آخَرَ وَهَذَا النَّوْعُ لَا يَحِلُّ لِلْآخِذِ الْأَخْذُ وَلَا لِلْمُعْطِي الْإِعْطَاءُ كَذَا فِي الْمُحِيطِ.

[الْبَابُ الْعَاشِرُ فِي بَيَانِ مَا يَكُونُ حُكْمًا وَمَا لَا يَكُونُ]

ُ، وَمَا يَبْطُلُ بِهِ الْحُكْمُ بَعْدَ وُقُوعِهِ صَحِيحًا، وَمَا لَا يَبْطُلُ. قَالَ مَشَايِخُنَا رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى: يَنْبَغِي لِلْقَاضِي إذَا أَرَادَ الْحُكْمَ أَنْ يَقُولَ لِلْخَصْمَيْنِ: أَحْكُمُ بَيْنَكُمَا وَهَذَا عَلَى وَجْهِ الِاحْتِيَاطِ حَتَّى أَنَّهُ إذَا كَانَ فِي التَّقْلِيدِ خَلَلٌ يَصِيرُ حُكْمًا بِتَحْكِيمِهَا، وَإِذَا قَالَ الْقَاضِي: ثَبَتَ عِنْدِي أَنَّ لِهَذَا عَلَى هَذَا كَذَا وَكَذَا؛ هَلْ يَكُونُ هَذَا حُكْمًا مِنْ الْقَاضِي؟ كَانَ الْقَاضِي الْإِمَامُ أَبُو عَاصِمٍ الْعَامِرِيُّ يُفْتِي بِأَنَّهُ حُكْمٌ وَهُوَ اخْتِيَارُ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيِّ وَاخْتِيَارُ الصَّدْرِ الشَّهِيدِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَفِي الْخَانِيَّةِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى وَكَانَ الْقَاضِي شَمْسُ الْإِسْلَامِ مَحْمُودٌ الْأُوزْجَنْدِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - يَقُولُ: لَا بُدَّ وَأَنْ يَقُولَ الْقَاضِي: قَضَيْت، أَوْ يَقُولَ: حَكَمْت، أَوْ يَقُولَ: أَنَفَذْت عَلَيْك الْقَضَاءَ. وَهَكَذَا ذَكَرَ النَّاطِفِيُّ فِي وَاقِعَاتِهِ وَالْمَذْكُورُ ثَمَّةَ إذَا ادَّعَى رَجُلٌ دَارًا فِي يَدِ رَجُلٍ فَقَالَ الْقَاضِي لِلْمُدَّعَى عَلَيْهِ: لَا أَرَى لَك حَقًّا فِي هَذِهِ الدَّارِ فَهَذَا لَا يَكُونُ حُكْمًا، وَهَكَذَا كَانَ يُفْتِي الشَّيْخُ الْإِمَامُ ظَهِيرُ الدِّينِ الْمَرْغِينَانِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -، وَكَانَ يَقُولُ: إذَا ظَهَرَتْ عَدَالَةُ الشُّهُودِ فِي دَعْوَى عَيْنٍ مَحْدُودَةٍ فَقَالَ الْقَاضِي لِلْمُدَّعَى عَلَيْهِ: (أَيْنَ محدود باين مُدَّعَى ده.) فَهَذَا لَا يَكُونُ حُكْمًا مِنْ الْقَاضِي وَيَنْبَغِي أَنْ يَقُولَ: (حُكْم كردم باين محدود مراين مُدَّعَى را) وَالصَّحِيحُ قَوْلُهُ: حَكَمْت وَقَضَيْت، لَيْسَ بِشَرْطٍ وَأَنَّ قَوْلَهُ: ثَبَتَ عِنْدِي؛ يَكْفِي. وَكَذَلِكَ إذَا قَالَ: ظَهَرَ عِنْدِي، أَوْ قَالَ: صَحَّ عِنْدِي، أَوْ قَالَ: عَلِمْت، فَهَذَا كُلُّهُ حُكْمٌ.

وَإِذَا قَالَ الْقَاضِي بَعْدَمَا قَضَى فِي حَادِثَةٍ: رَجَعْت عَنْ قَضَائِي أَوْ بَدَا لِي غَيْرُ ذَلِكَ. وَفِي الْخُلَاصَةِ أَوْ قَالَ: أَبْطَلْت حُكْمِي وَفِي الْمُحِيطِ أَوْ قَالَ: وَقَفْت عَلَى تَلْبِيسِ الشُّهُودِ وَأَرَادَ أَنْ يُبْطِلَ حُكْمَهُ لَا يُعْتَبَرُ هَذَا الْكَلَامُ مِنْهُ وَالْقَضَاءُ مَاضٍ عَلَى

<<  <  ج: ص:  >  >>