للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حَالِهِ إذَا كَانَ بَعْدَ دَعْوَى صَحِيحَةٍ وَشَهَادَةٍ مُسْتَقِيمَةٍ وَعَدَالَةُ الشُّهُودِ ظَاهِرَةً.

وَفِي فَتَاوَى النَّسَفِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - عَبْدٌ ادَّعَى حُرِّيَّةَ نَفْسِهِ وَقَضَى الْقَاضِي بِهَا بِبَيِّنَةٍ أَقَامَهَا الْعَبْدُ ثُمَّ قَالَ الْعَبْدُ: كَذَبْت أَنَا عَبْدُ هَذَا الرَّجُلِ. هَلْ يَبْطُلُ الْقَضَاءُ بِالْحُرِّيَّةِ؟ فَلَا رِوَايَةَ لِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي شَيْءٍ مِنْ الْكُتُبِ. قَالَ: وَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَبْطُلَ الْقَضَاءُ، وَهَذَا بِخِلَافِ مَا لَوْ ادَّعَى رَجُلٌ عَلَى رَجُلٍ مَالًا وَقَضَى الْقَاضِي بِالْمَالِ لِلْمُدَّعِي بِالْبَيِّنَةِ، ثُمَّ قَالَ الْمُدَّعِي: كُنْت كَاذِبًا فِيمَا ادَّعَيْت حَيْثُ يَبْطُلُ الْقَضَاءُ. وَإِذَا قَالَ الْمُدَّعِي بَعْدَ الْقَضَاءِ الْمَقْضِيِّ بِهِ: لَيْسَ مِلْكِي؛ لَا يَبْطُلُ الْقَضَاءُ بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ: لَمْ يَكُنْ مِلْكِي؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ: لَيْسَ مِلْكِي، يَتَنَاوَلُ الْحَالَ وَلَيْسَ مِنْ ضَرُورَةٍ فِي الْمِلْكِ لِلْحَالِ انْتِفَاؤُهُ مِنْ الْأَصْلِ بِخِلَافِ قَوْلِهِ: لَمْ يَكُنْ مِلْكِي.

الْمَقْضِيُّ لَهُ إذَا قَالَ: مَا قُضِيَ بِهِ لِي فَهُوَ حَرَامٌ لِي، وَأَمَرَ إنْسَانًا أَنْ يَشْتَرِيَ ذَلِكَ لَهُ مِنْ الْمَقْضِيِّ عَلَيْهِ فَهَذَا يُبْطِلُ الْحُكْمَ كَذَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة.

لَوْ أَقَامَ رَجُلٌ الْبَيِّنَةَ عَلَى أَنَّ هَذِهِ الْعَيْنَ لَهُ بِسَبَبِ الشِّرَاءِ وَالْإِرْثِ ثُمَّ قَالَ: لَمْ تَكُنْ لِي قَطُّ، أَوْ لَمْ يَقُلْ: قَطُّ؛ لَمْ تُقْبَلْ بَيِّنَتُهُ وَيَبْطُلُ الْقَضَاءُ. أَمَّا لَوْ قَالَ: هَذِهِ لَيْسَتْ مِلْكِي لَا يَبْطُلُ الْقَضَاءُ، كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ.

تَكْذِيبُ الْمَشْهُودِ لَهُ الشُّهُودَ وَتَفْسِيقُهُ إيَّاهُمْ قَبْلَ الْقَضَاءِ يَمْنَعُ الْقَضَاءَ وَتَكْذِيبُهُ وَتَفْسِيقُهُ إيَّاهُمْ بَعْدَ الْقَضَاءِ يُبْطِلُ الْقَضَاءَ عَلَى مَا هُوَ إشَارَاتُ الْأَصْلِ وَالْجَامِعِ، وَكَانَ الْقَاضِي الْإِمَامُ أَبُو عَلِيٍّ النَّسَفِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - يَقُولُ: تَفْسِيقُ الْمَشْهُودِ لَهُ الشُّهُودَ بَعْدَ الْقَضَاءِ لَا يُبْطِلُ الْقَضَاءَ، وَظَنَّ بَعْضُ مَشَايِخِنَا رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّ مَا قَالَهُ الْقَاضِي الْإِمَامُ مُخَالِفٌ لِإِشَارَاتِ الْجَامِعِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ مِمَّا ذُكِرَ فِي الْجَامِعِ تَفْسِيقٌ يَنْشَأُ مِنْ تَكْذِيبِ الْمَشْهُودِ لَهُ وَأَنَّهُ يُوجِبُ بُطْلَانَ الْقَضَاءِ كَمَا يَمْنَعُ جَوَازَ الْقَضَاءِ، وَالْمُرَادُ مِمَّا قَالَهُ الْقَاضِي الْإِمَامُ نَفْسُ التَّفْسِيقِ بِأَنْ قَالَ: هُمْ زُنَاةٌ، هُمْ شَارِبُوا الْخَمْرِ، لَا تَفْسِيقٌ يَنْشَأُ مِنْ التَّكْذِيبِ، وَنَفْسُ التَّفْسِيقِ لَا يَمْنَعُ الْقَضَاءَ كَمَا لَا يُبْطِلُ الْقَضَاءَ، كَذَا فِي الْمُلْتَقَطِ.

قَالَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي الْجَامِعِ: وَإِذَا قَضَى الْقَاضِي بِالدَّارِ لِلْمُدَّعِي بِبَيِّنَةٍ أَقَامَهَا فَأَقَرَّ الْمَقْضِيُّ لَهُ بِالدَّارِ أَنَّ الدَّارَ دَارُ فُلَانٍ لَا حَقَّ لَهُ فِيهَا وَصَدَّقَهُ فُلَانٌ فِي ذَلِكَ فَقَالَ الْمَقْضِيُّ عَلَيْهِ لِلْمَقْضِيِّ لَهُ: قَدْ أَكَذَبْتَ شَاهِدَيْك حِينَ أَقْرَرْت أَنَّهَا لِفُلَانٍ لَا حَقَّ لَك فِيهَا وَأَقْرَرْتَ بِخَطَأِ الْقَاضِي فِي قَضَائِهِ فَرُدَّ الدَّارَ عَلَيَّ أَوْ قِيمَتَهَا فَالْقَضَاءُ مَاضٍ عَلَى حَالِهِ وَلَا سَبِيلَ لِلْمَقْضِيِّ عَلَيْهِ لَا عَلَى الدَّارِ وَلَا عَلَى الْمَقْضِيِّ لَهُ. وَلَوْ لَمْ يَقُلْ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ وَلَكِنْ قَالَ بَعْدَ الْقَضَاءِ: هَذِهِ الدَّارُ لِفُلَانٍ وَلَمْ تَكُنْ لِي قَطُّ بَدَأَ بِالْإِقْرَارِ لِفُلَانٍ ثُمَّ بِالنَّفْيِ عَنْ نَفْسِهِ أَوْ بَدَأَ بِالنَّفْيِ عَنْ نَفْسِهِ ثُمَّ بِالْإِقْرَارِ لِفُلَانٍ بِأَنْ قَالَ: هَذِهِ الدَّارُ لَمْ تَكُنْ لِي قَطُّ وَإِنَّمَا هِيَ لِفُلَانٍ فَإِنْ صَدَّقَهُ الْمُقَرُّ لَهُ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ يَرُدُّ الدَّارَ عَلَى الْمَقْضِيِّ عَلَيْهِ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ وَلَا شَيْءَ عَلَى الْمُقِرِّ لِلْمُقَرِّ لَهُ، وَأَمَّا إذَا صَدَّقَهُ الْمُقَرُّ لَهُ فِي الْإِقْرَارِ وَكَذَّبَهُ فِي النَّفْيِ بِأَنْ قَالَ الْمُقَرُّ لَهُ: الدَّارُ كَانَتْ لِلْمُقِرِّ وَهَبَهَا لِي بَعْدَ الْقَضَاءِ وَقَبَضْتُهَا مِنْهُ، ذَكَرَ فِي الْكِتَابِ أَنَّ الدَّارَ تُدْفَعُ إلَى الْمُقَرِّ لَهُ.

وَهَذَا الْجَوَابُ ظَاهِرٌ فِيمَا إذَا بَدَأَ بِالْإِقْرَارِ ثُمَّ بِالنَّفْيِ؛ لِأَنَّهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>