للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الْفَصْلُ الثَّالِثُ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِقَبْضِ رَأْسِ الْمَالِ وَالْمُسَلَّمِ فِيهِ]

لَا يَجُوزُ لِلْمُسْلَمِ إلَيْهِ أَنْ يُبْرِئَ رَبَّ السَّلَمِ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ فَإِنْ أَبْرَأَهُ وَقَبِلَ رَبُّ السَّلَمِ الْبَرَاءَةَ بَطَلَ عَقْدُ السَّلَمِ وَإِنْ رَدَّ الْبَرَاءَةَ لَمْ يَبْطُلُ، كَذَا فِي الْمُحِيطِ.

وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَأْخُذَ عِوَضَ رَأْسِ الْمَالِ شَيْئًا مِنْ غَيْرِ جِنْسِهِ فَإِنْ أَعْطَاهُ مِنْ جِنْسٍ أَجْوَدَ مِنْهُ أَوْ أَرْدَأَ فِي الصِّفَةِ فَرَضِيَ الْمُسْلَمُ إلَيْهِ بِالْأَرْدَإِ جَازَ وَإِنْ أَعْطَاهُ أَجْوَدَ مِنْ حَقِّهِ أُجْبِرَ عَلَى أَخْذِهِ وَقَالَ زُفَرُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لَا يُجْبَرُ وَلَا يَأْخُذُ إلَّا بِرِضَاهُ وَهُوَ الْمُخْتَارُ، كَذَا فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ.

وَلَا يَجُوزُ الِاسْتِبْدَالُ بِالْمُسْلَمِ فِيهِ وَلَوْ أَعْطَاهُ السَّلَمَ جَيِّدًا مَكَانَ الرَّدِيءِ يُجْبَرُ رَبُّ السَّلَمِ عَلَى الْقَبُولِ عِنْدَنَا، وَإِنْ أَعْطَاهُ رَدِيئًا مَكَانَ الْجَيِّدِ لَا يُجْبَرُ وَلَوْ كَانَ السَّلَمِ ثَوْبًا جَيِّدًا فَجَاءَ بِثَوْبٍ رَدِيءٍ وَقَالَ: خُذْ هَذَا وَأَرُدُّ عَلَيْك دِرْهَمًا

فَهَذِهِ ثَمَانِي مَسَائِلَ أَرْبَعَةٌ فِي الْمَذْرُوعَاتِ وَأَرْبَعَةٌ فِي الْمَكِيلَاتِ وَالْمَوْزُونَاتِ.

أَمَّا الْمَذْرُوعَاتُ إذَا كَانَ السَّلَمُ ثَوْبًا فَجَاءَ الْمُسْلَمُ إلَيْهِ بِأَزْيَدَ وَصْفًا أَوْ ذِرَاعًا وَقَالَ: خُذْ هَذَا وَزِدْ لِي فِيهِ دِرْهَمًا جَازَ وَتَكُونُ زِيَادَةُ الدِّرْهَمِ بِمُقَابَلَةِ الْجَوْدَةِ وَالذِّرَاعِ الزَّائِدِ. وَلَوْ جَاءَ بِثَوْبٍ رَدِيءٍ أَوْ بِمَا هُوَ أَنْقَصُ ذِرَاعًا وَقَالَ: خُذْ هَذَا وَأَرُدُّ عَلَيْك دِرْهَمًا فَفَعَلَ لَا يَجُوزُ. وَلَوْ أَعْطَاهُ الرَّدِيءَ وَقَالَ: خُذْ هَذَا وَلَمْ يَقُلْ وَأَرُدُّ عَلَيْك دِرْهَمًا فَقَبِلَ جَازَ وَيَكُونُ ذَلِكَ إبْرَاءً عَنْ الصِّفَةِ وَإِنْ كَانَ السَّلَمُ مِنْ الْمَكِيلَاتِ وَالْمَوْزُونَاتِ بِأَنْ أَسْلَمَ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ فِي عَشَرَةِ أَقْفِزَةٍ مِنْ الْحِنْطَةِ فَأَتَى بِحِنْطَةٍ جَيِّدَةٍ وَقَالَ: خُذْ هَذَا وَزِدْ لِي دِرْهَمًا لَا يَجُوزُ وَلَوْ جَاءَ بِأَحَدَ عَشَرَ قَفِيزًا وَقَالَ: خُذْ هَذَا وَزِدْ لِي دِرْهَمًا أَوْ جَاءَ بِتِسْعَةِ أَقْفِزَةٍ وَقَالَ: خُذْ هَذَا وَأَرُدُّ عَلَيْكَ دِرْهَمًا فَقَبِلَ جَازَ. وَلَوْ جَاءَ بِعَشَرَةِ أَقْفِزَةٍ رَدِيئَةٍ وَقَالَ: خُذْ هَذَا وَأَرُدُّ عَلَيْكَ دِرْهَمًا لَا يَجُوزُ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَنَّهُ يَجُوزُ فِي الْفُصُولِ كُلِّهَا، كَذَا فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ وَهَكَذَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ.

وَتَصِحُّ الْحَوَالَةُ وَالْكَفَالَةُ وَالِارْتِهَانُ بِرَأْسِ الْمَالِ فَإِنْ فَارَقَ رَبُّ السَّلَمِ الْمُسْلَمَ إلَيْهِ قَبْلَ الْقَبْضِ بَطَلَ الْعَقْدُ وَإِنْ كَانَ الْكَفِيلُ وَالْمُحْتَالُ عَلَيْهِ فِي الْمَجْلِسِ وَلَا يَضُرُّهُمَا افْتِرَاقُ الْكَفِيلِ وَالْمُحْتَالِ عَلَيْهِ إذَا كَانَ الْمُتَعَاقِدَانِ فِي الْمَجْلِسِ. وَلَوْ أَخَذَ بِهِ رَهْنًا فَافْتَرَقَا وَالرَّهْنُ قَائِمٌ انْتَقَضَ الْعَقْدُ، وَلَوْ هَلَكَ فِي الْمَجْلِسِ مَضَى الْعَقْدُ عَلَى الصِّحَّةِ وَلَوْ أَخَذَ بِالْمُسْلَمِ فِيهِ رَهْنًا فَهَلَكَ الرَّهْنُ صَارَ مُسْتَوْفِيًا وَلَوْ لَمْ يَهْلَكْ الرَّهْنُ وَلَكِنْ مَاتَ الْمُسْلَمُ إلَيْهِ وَعَلَيْهِ دُيُونٌ كَثِيرَةٌ فَصَاحِبُ السَّلَمِ أَحَقُّ بِالرَّهْنِ إلَّا أَنَّهُ لَا يَجْعَلُ الرَّهْنَ بِدَيْنِهِ بَلْ يُبَاعُ بِجِنْسِ حَقِّهِ حَتَّى لَا يَصِيرَ مُسْتَبْدِلًا بِالْمُسْلَمِ فِيهِ قَبْلَ الْقَبْضِ، كَذَا فِي الْمُحِيطِ.

وَإِذَا جَاءَ الْمُسْلَمُ إلَيْهِ إلَى رَبِّ السَّلَمِ فَخَلَّى بَيْنَهُ وَبَيْنَ السَّلَمِ يَصِيرُ قَابِضًا بِالتَّخْلِيَةِ كَمَا فِي دَيْنٍ آخَرَ، كَذَا فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ.

وَتَجُوزُ الْحَوَالَةُ بِالْمُسْلَمِ فِيهِ وَكَذَلِكَ الْكَفَالَةُ إلَّا أَنَّ فِي الْحَوَالَةِ يَبْرَأُ الْمُسْلَمُ إلَيْهِ وَفِي الْكَفَالَةِ لَا يَبْرَأُ وَرَبُّ السَّلَمِ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ طَالَبَ الْمُسْلَمُ إلَيْهِ وَإِنْ شَاءَ طَالَبَ الْكَفِيلَ وَلَا يَجُوزُ لِرَبِّ السَّلَمِ الِاسْتِبْدَالُ مَعَ الْكَفِيلِ وَيَجُوزُ لِلْكَفِيلِ أَنْ يَسْتَبْدِلَ مَعَ الْمُسْلَمِ إلَيْهِ عِنْدَ الرُّجُوعِ فَيَأْخُذُ بَدَلَ مَا أَدَّى إلَى رَبِّ السَّلَمِ، كَذَا فِي الْبَدَائِعِ

وَلَوْ كَانَ بِالسَّلَمِ كَفِيلٌ فَاسْتَوْفَى الْكَفِيلُ السَّلَمَ مِنْ الْمُسْلَمِ إلَيْهِ عَلَى وَجْهِ الِاقْتِضَاءِ ثُمَّ بَاعَهُ وَرَبِحَ فِيهِ فَذَلِكَ حَلَالٌ لَهُ إذَا

<<  <  ج: ص:  >  >>