للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[كِتَابُ الذَّبَائِحِ وَفِيهِ ثَلَاثَةُ أَبْوَابٍ] [الْبَابُ الْأَوَّلُ فِي رُكْن الذَّبْح وَشَرَائِطِهِ وَحُكْمِهِ وَأَنْوَاعِهِ]

(كِتَابُ الذَّبَائِحِ وَفِيهِ ثَلَاثَةُ أَبْوَابٍ) (الْبَابُ الْأَوَّلُ فِي رُكْنِهِ وَشَرَائِطِهِ وَحُكْمِهِ وَأَنْوَاعِهِ) الذَّكَاة نَوْعَانِ: اخْتِيَارِيَّةٌ وَاضْطِرَارِيَّةٌ، أَمَّا الِاخْتِيَارِيَّةُ فَرُكْنُهَا الذَّبْحُ فِيمَا يُذْبَحُ مِنْ الشَّاةِ وَالْبَقَرِ، وَالنَّحْرُ فِيمَا يُنْحَرُ وَهُوَ الْإِبِلُ عِنْدَ الْقُدْرَةِ عَلَى الذَّبْحِ وَالنَّحْرِ، وَلَا يَحِلُّ بِدُونِ الذَّبْحِ أَوِالنَّحْرِ، وَالذَّبْحِ هُوَ فَرْيُ الْأَوْدَاجِ وَمَحَلُّهُ مَا بَيْنَ اللَّبَّةِ وَاللَّحْيَيْنِ، وَالنَّحْرُ فَرْيُ الْأَوْدَاجِ وَمَحَلُّهُ آخِرُ الْحَلْقِ، وَلَوْ نَحَرَ مَا يُذْبَحُ أَوْ ذَبَحَ مَا يُنْحَرُ يَحِلُّ لِوُجُودِ فَرْيِ الْأَوْدَاجِ لَكِنَّهُ يُكْرَهُ لِأَنَّ السُّنَّةَ فِي الْإِبِلِ النَّحْرُ وَفِي غَيْرِهَا الذَّبْحُ، كَذَا فِي الْبَدَائِعِ.

وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَلَا بَأْسَ بِالذَّبْحِ فِي الْحَلْقِ كُلِّهِ أَسْفَلَهُ وَأَوْسَطَهُ وَأَعْلَاهُ، وَفِي فَتَاوَى أَهْلِ سَمَرْقَنْدَ قَصَّابٌ ذَبَحَ الشَّاةَ فِي لَيْلَةٍ مُظْلِمَةٍ فَقَطَعَ أَعْلَى مِنْ الْحُلْقُومِ أَوْ أَسْفَلَ مِنْهُ يَحْرُمُ أَكْلُهَا؛ لِأَنَّهُ ذَبَحَ فِي غَيْرِ الْمَذْبَحِ وَهُوَ الْحُلْقُومُ، فَإِنْ قَطَعَ الْبَعْضَ، ثُمَّ عَلِمَ فَقَطَعَ مَرَّةً أُخْرَى الْحُلْقُومَ قَبْلَ أَنْ يَمُوتَ بِالْأَوَّلِ فَهَذَا عَلَى وَجْهَيْنِ: أَمَّا إنْ قَطَعَ الْأَوَّلَ بِتَمَامِهِ أَوْ قَطَعَ شَيْئًا مِنْهُ فَفِي الْوَجْهِ الْأَوَّلِ لَا يَحِلُّ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا قَطَعَ الْأَوَّلَ بِتَمَامِهِ كَانَ مَوْتُهَا مِنْ ذَلِكَ الْقَطْعِ أَسْرَعَ مِنْ مَوْتِهَا مِنْ الثَّانِي، وَفِي الْوَجْهِ الثَّانِي يَحِلُّ، كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ وَالْمُحِيطَيْنِ.

وَأَمَّا الِاضْطِرَارِيَّةُ فَرُكْنُهَا الْعَقْرُ وَهُوَ الْجُرْحُ فِي أَيِّ مَوْضِعٍ كَانَ وَذَلِكَ فِي الصَّيْدِ، وَكَذَلِكَ مَا نَدَّ مِنْ الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَالْغَنَمِ بِحَيْثُ لَا يَقْدِرُ عَلَيْهَا صَاحِبُهَا لِأَنَّهَا بِمَعْنَى الصَّيْدِ، وَإِنْ كَانَ مُسْتَأْنَسًا، وَسَوَاءٌ نَدَّ الْبَعِيرُ وَالْبَقَرُ فِي الصَّحْرَاءِ أَوْ فِي الْمِصْرِ فَذَكَاتُهُ الْعَقْرُ، كَذَا رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -، وَأَمَّا الشَّاةُ إنْ نَدَّتْ فِي الصَّحْرَاءِ فَذَكَاتُهَا الْعَقْرُ، وَإِنْ نَدَّتْ فِي الْمِصْرِ لَمْ يَجُزْ عَقْرُهَا، وَكَذَلِكَ مَا وَقَعَ مِنْهَا فِي قَلِيبٍ فَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى إخْرَاجِهِ وَلَا مَذْبَحِهِ وَلَا مَنْحَرِهِ.

وَذَكَرَ فِي الْمُنْتَقَى فِي الْبَعِيرِ إذَا صَالَ عَلَى رَجُلٍ فَقَتَلَهُ وَهُوَ يُرِيدُ الذَّكَاةَ حَلَّ أَكْلُهُ؛ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ لَا يَقْدِرُ عَلَى أَخْذِهِ صَارَ بِمَنْزِلَةِ الصَّيْدِ.

(وَأَمَّا شَرَائِطُ الذَّكَاةِ فَأَنْوَاعٌ) : بَعْضُهَا يَعُمُّ الذَّكَاةَ الِاخْتِيَارِيَّةَ وَالِاضْطِرَارِيَّة وَبَعْضُهَا يَخُصُّ أَحَدَهُمَا دُونَ الْآخَرِ، أَمَّا الَّذِي يَعُمُّهُمَا فَمِنْهَا أَنْ يَكُونَ عَاقِلًا فَلَا تُؤْكَلُ ذَبِيحَةُ الْمَجْنُونِ وَالصَّبِيِّ الَّذِي لَا يَعْقِلُ، فَإِنْ كَانَ الصَّبِيُّ يَعْقِلُ الذَّبْحَ وَيَقْدِرُ عَلَيْهِ تُؤْكَلُ ذَبِيحَتُهُ، وَكَذَا السَّكْرَانُ. (وَمِنْهَا) أَنْ يَكُونَ مُسْلِمًا أَوْ كِتَابِيًّا فَلَا تُؤْكَلُ ذَبِيحَةُ أَهْلِ الشِّرْكِ وَالْمُرْتَدِّ؛ لِأَنَّهُ لَا يُقِرُّ عَلَى الدَّيْنِ الَّذِي انْتَقَلَ إلَيْهِ، وَلَوْ كَانَ الْمُرْتَدُّ غُلَامًا مُرَاهِقًا لَا تُؤْكَلُ ذَبِيحَتُهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ - رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى -، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - تُؤْكَلُ بِنَاءً عَلَى أَنَّ رِدَّتَهُ صَحِيحَةٌ عِنْدَهُمَا، وَعِنْدَهُ لَا تَصِحُّ وَتُؤْكَلُ ذَبِيحَةُ أَهْلِ الْكِتَابِ وَيَسْتَوِي فِيهِ أَهْلُ الْحَرْبِ مِنْهُمْ وَغَيْرُهُمْ، وَكَذَا يَسْتَوِي فِيهِ نَصَارَى بَنِي تَغْلِبَ وَغَيْرِهِمْ؛ لِأَنَّهُمْ عَلَى دِينِ نَصَارَى الْعَرَبِ.

فَإِنْ انْتَقَلَ الْكِتَابِيُّ إلَى دِينِ غَيْرِ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ الْكَفَرَةِ لَا تُؤْكَلُ ذَبِيحَتُهُ، وَلَوْ انْتَقَلَ غَيْرُ الْكِتَابِيِّ مِنْ الْكَفَرَةِ إلَى دِينِ أَهْلِ الْكِتَابِ تُؤْكَلُ ذَبِيحَتُهُ، وَالْأَصْلُ فِيهِ أَنَّهُ يُنْظَرُ إلَى حَالِهِ وَدِينِهِ وَقْتَ ذَبْحِهِ دُونَ مَا سِوَاهُ، وَهَذَا أَصْلُ أَصْحَابِنَا أَنَّ مَنْ انْتَقَلَ مِنْ مِلَّةٍ مِنْ الْكُفْرِ إلَى مِلَّةٍ يُقِرُّ بِهَا يُجْعَلُ كَأَنَّهُ مِنْ أَهْلِ تِلْكَ الْمِلَّةِ مِنْ الْأَصْلِ، وَالْمَوْلُودُ بَيْنَ كِتَابِيٍّ وَغَيْرِ كِتَابِيٍّ تُؤْكَلُ ذَبِيحَتُهُ أَيُّهُمَا كَانَ الْكِتَابِيُّ الْأَبُ أَوْ الْأُمُّ عِنْدَنَا، فَأَمَّا الصَّابِئُونَ فَتُؤْكَلُ ذَبَائِحُهُمْ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ - رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى - لَا تُؤْكَلُ، ثُمَّ إنَّمَا تُؤْكَلُ ذَبِيحَةُ الْكِتَابِيِّ إذَا لَمْ يُشْهَدْ ذَبْحُهُ، وَلَمْ يُسْمَعْ مِنْهُ شَيْءٌ، أَوْ شُهِدَ وَسُمِعَ مِنْهُ تَسْمِيَةُ اللَّهِ تَعَالَى وَحْدَهُ؛ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يُسْمَعْ مِنْهُ شَيْءٌ يُحْمَلُ عَلَى أَنَّهُ قَدْ سَمَّى اللَّهَ تَعَالَى تَحْسِينًا لِلظَّنِّ بِهِ كَمَا بِالْمُسْلِمِ، وَلَوْ سُمِعَ مِنْهُ ذِكْرُ اسْمِ اللَّهِ تَعَالَى لَكِنَّهُ عَنَى بِاَللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ الْمَسِيحَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قَالُوا تُؤْكَلُ إلَّا إذَا نَصَّ فَقَالَ: بِسْمِ اللَّهِ الَّذِي هُوَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ فَلَا يَحِلُّ، فَأَمَّا إذَا سُمِعَ مِنْهُ أَنَّهُ سَمَّى الْمَسِيحَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَحْدَهُ أَوْ سَمَّى اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَسَمَّى الْمَسِيحَ لَا تُؤْكَلُ ذَبِيحَتُهُ.

(وَمِنْهَا) التَّسْمِيَةُ حَالَةَ الذَّكَاةِ عِنْدَنَا أَيُّ اسْمٍ كَانَ، وَسَوَاءٌ قَرَنَ بِالِاسْمِ الصِّفَةَ بِأَنْ قَالَ: اللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُ أَعْظَمُ، اللَّهُ أَجَلُّ، اللَّهُ الرَّحْمَنُ، اللَّهُ الرَّحِيمُ، وَنَحْوُ ذَلِكَ، أَوْ لَمْ يَقْرُنْ بِأَنْ قَالَ: اللَّهُ، أَوْ الرَّحْمَنُ، أَوْ الرَّحِيمُ، أَوْ غَيْرُ ذَلِكَ، وَكَذَا التَّهْلِيلُ وَالتَّحْمِيدُ وَالتَّسْبِيحُ وَسَوَاءٌ كَانَ جَاهِلًا بِالتَّسْمِيَةِ الْمَعْهُودَةِ أَوْ عَالِمًا وَسَوَاءٌ كَانَتْ التَّسْمِيَةُ بِالْعَرَبِيَّةِ أَوْ بِالْفَارِسِيَّةِ أَوْ أَيِّ لِسَانٍ كَانَ وَسَوَاءٌ كَانَ لَا يُحْسِنُ الْعَرَبِيَّةَ أَوْ يُحْسِنُهَا، كَذَا رَوَى بِشْرٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -، وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا سَمَّى عَلَى الذَّبِيحَةِ بِالرُّومِيَّةِ

<<  <  ج: ص:  >  >>