للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ذَلِكَ الْعَقْدِ مَا لَا يَقْتَضِيهِ الْعَقْدُ، وَلَكِنْ يَكْتُبُ لِيَزْرَعَ مَا يَبْدُو لَهُ، وَهَذَا لَا يُوجِبُ الْفَسَادَ؛ لِأَنَّ هَذَا يَرْجِعُ إلَى بَيَانِ غَرَضِ الْمُسْتَأْجِرِ لَا إلَى الشَّرْطِ إلَّا أَنَّ هَذَا الْقَوْلَ عِنْدِي فِي غَايَةِ الزِّيَافَةِ؛ لِأَنَّ الْإِجَارَةَ فِي الْأَصْلِ شُرِعَتْ لِحَاجَةِ الْمُسْتَأْجِرِ إلَى الِانْتِفَاعِ فَكَانَ انْتِفَاعُ الْمُسْتَأْجِرِ بِنَفْسِهِ مِنْ قَضَايَا عَقْدِ الْإِجَارَةِ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ انْتِفَاعُ الْمُسْتَأْجِرِ بِنَفْسِهِ مِنْ قَضَايَا الْعَقْدِ إلَّا أَنَّ اشْتِرَاطَ مَا لَا يَقْتَضِيهِ الْعَقْدُ، إنَّمَا يُوجِبُ فَسَادَ الْعَقْدِ إذَا كَانَ لِأَحَدِ الْعَاقِدَيْنِ فِيهِ مَنْفَعَةٌ بِالْإِجْمَاعِ أَوْ كَانَ لِأَحَدِهِمَا فِيهِ مَضَرَّةٌ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ لِأَحَدِهِمَا فِيهِ مَنْفَعَةٌ، وَلَا مَضَرَّةٌ لَا يَفْسُدُ الْعَقْدُ كَمَا لَوْ اشْتَرَى طَعَامًا وَشَرَطَ الْبَائِعُ عَلَى الْمُشْتَرِي أَنْ يَأْكُلَهُ وَهَا هُنَا لَا مَنْفَعَةَ لِأَحَدِهِمَا فِي هَذَا الشَّرْطِ، وَلَا مَضَرَّةَ فَلَوْ لَمْ يَذْكُرْ فِي عَقْدِ الْإِجَارَةِ مَا يُزْرَعُ فِي الْأَرْضِ ذَكَرَ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ أَنَّ الْإِجَارَةَ فَاسِدَةٌ، وَذَكَرَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ أَنَّهَا جَائِزَةٌ اسْتِحْسَانًا، كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ.

[مَحْضَر فِيهِ دعوى الْإِجَارَة ودعوى إحْدَاث الْمُؤَجَّر يَده عَلَى المستأجر]

(مَحْضَرٌ فِيهِ دَعْوَى الْإِجَارَةِ وَدَعْوَى إحْدَاثِ الْمُؤَجِّرِ يَدَهُ عَلَى الْمُسْتَأْجَرِ) ادَّعَى هَذَا الَّذِي حَضَرَ عَلَى هَذَا الَّذِي أَحْضَرَهُ مَعَهُ أَنَّ هَذَا الَّذِي أَحْضَرْتُهُ مَعِي آجَرَ مِنِّي عَشْرَ دَيِّرَاتِ أَرْضٍ حُدُودُهَا كَذَا فِي ضَيْعَةِ كَذَا وَسَلَّمَهَا إلَيَّ، ثَمَّ إنَّهُ أَحْدَثَ يَدَهُ عَلَى هَذِهِ الْأَرَاضِي بِغَيْرِ حَقٍّ فَوَاجِبٌ عَلَيْهِ قَصْرَ يَدِهِ عَنْ هَذِهِ الْأَرَاضِي وَتَرْكُ التَّعَرُّضِ وَتَسْلِيمُهَا إلَيَّ فَرُدَّ الْمَحْضَرُ بِعِلَّةِ أَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ فِيهِ أَنَّهُ آجَرَنِي هَذِهِ الْأَرَاضِيَ وَهُوَ يَمْلِكُهَا، وَهَذَا الْأَمْرُ لَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِهِ؛ لِأَنَّ الْإِجَارَةَ مِنْ غَيْرِ الْمَالِكِ لَا تَصِحُّ، وَإِنْ مَلَكَهَا بَعْدَ ذَلِكَ، وَكَذَلِكَ لَمْ يَذْكُرْ فِيهِ أَنَّهُ آجَرَ هَذِهِ الْأَرَاضِيَ وَهِيَ فِي يَدِهِ وَلَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِهِ؛ لِأَنَّ الْأَرَاضِيَ رُبَّمَا تَكُونُ مُشْتَرَاةً وَإِجَارَةُ الْأَرَاضِي الْمُشْتَرَاةِ قَبْلَ الْقَبْضِ لَا تَصِحُّ. أَمَّا عَلَى الْخِلَافِ الَّذِي فِي بَيْعِ الْعَقَارِ قَبْلَ الْقَبْضِ كَمَا ذَهَبَ إلَيْهِ بَعْضُ مَشَايِخِنَا - رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى - أَوْ عَلَى الْوِفَاقِ كَمَا ذَهَبَ إلَيْهِ بَعْضُ الْمَشَايِخِ - رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى - وَلِأَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ فِي الْمَحْضَرِ أَنَّ هَذِهِ الْأَرَاضِيَ صَالِحَةٌ لِلزِّرَاعَةِ، وَلَا بُدَّ لِصِحَّةِ الْعَقْدِ مِنْ أَنْ تَكُونَ الْأَرَاضِي صَالِحَةً لِلزِّرَاعَةِ وَقْتَ الْعَقْدِ، وَلَا يَكْتَفِي بِقَوْلِهِ اسْتِئْجَارًا صَحِيحًا لِجَوَازِ أَنْ لَا تَكُونَ الْأَرْضُ صَالِحَةً لِلزِّرَاعَةِ وَقْتَ الْعَقْدِ، وَلَكِنْ تَكُونُ بِحَالٍ تَصْلُحُ لِلزِّرَاعَةِ بِعَمَلِ الْمُسْتَأْجِرِ فَيَظُنُّ أَنَّ كَوْنَ الْأَرْضِ بِحَالٍ تَصْلُحُ لِلزِّرَاعَةِ بِعَمَلِ الْمُسْتَأْجِرِ يَكْفِي لِصِحَّةِ الْعَقْدِ.

[مَحْضَرٌ فِي دَعْوَى بَقِيَّةِ مَالِ الْإِجَارَةِ الْمَفْسُوخَةِ]

(مَحْضَرٌ فِي دَعْوَى بَقِيَّةِ مَالِ الْإِجَارَةِ الْمَفْسُوخَةِ) حَضَرَ وَأَحْضَرَ، وَهَذَا الَّذِي حَضَرَ وَكِيلٌ عَنْ أُخْتِهِ الْكَبِيرَةِ الْمُسَمَّاةِ فُلَانَةَ بِالدَّعْوَى الْمَذْكُورَةِ فِيهِ وَقَيِّمٌ عَنْ أُخْتِهِ الصَّغِيرَةِ الْمُسَمَّاةِ فُلَانَةَ مِنْ جِهَةِ الْحُكْمِ بِالدَّعْوَى الْمَذْكُورَةِ فِيهِ، وَهُمْ أَوْلَادُ فُلَانِ بْنِ فُلَانٍ فَادَّعَى هَذَا الَّذِي حَضَرَ عَلَى هَذَا الَّذِي أَحْضَرَهُ مَعَهُ لِنَفْسِهِ بِطَرِيقِ الْأَصَالَةِ وَلِلْأُخْتِ الْكَبِيرَةِ بِحُكْمِ الْوَكَالَةِ وَلِلْأُخْتِ الصَّغِيرَةِ بِالْإِذْنِ الْحُكْمِيِّ أَنَّ هَذَا الَّذِي أَحْضَرَهُ مَعَهُ آجَرَ مِنْ أَبِينَا فُلَانٍ جَمِيعَ الْأَرْضِ الَّتِي حُدُودُهَا كَذَا بِكَذَا مِنْ الدَّنَانِيرِ إجَارَةً طَوِيلَةً مَرْسُومَةً، وَإِنَّ أَبَانَا تُوُفِّيَ قَبْلَ انْفِسَاخِ الْإِجَارَةِ هَذِهِ وَقَبْلَ قَبْضِهِ شَيْئًا مِنْ مَالِ الْإِجَارَةِ وَانْفَسَخَتْ هَذِهِ الْإِجَارَةُ بِمَوْتِهِ، وَصَارَ مَالُ الْإِجَارَةِ، وَذَلِكَ كَذَا مِنْ الدَّنَانِيرِ مِيرَاثًا لِوَرَثَتِهِ هَؤُلَاءِ الْمُسَمَّيْنَ مَا خَلَا دِينَارًا وَاحِدًا فَإِنَّهُ ذَهَبَ بَعْضُهُ بِمُضِيِّ مَا مَضَى مِنْ الْمُدَّةِ وَالْبَعْضُ بِإِبْرَاءِ أَبِينَا عَنْهُ فِي حَيَاتِهِ، وَوَاجِبٌ عَلَيْهِ أَدَاءُ الدَّنَانِيرِ الْمَذْكُورَةِ مَا خَلَا دِينَارًا وَاحِدًا لِيَقْبِضَ الْمُدَّعِي حِصَّةَ نَفْسِهِ بِطَرِيقِ الْأَصَالَةِ وَحِصَّةَ أُخْتِهِ الْكَبِيرَةِ فُلَانَةَ بِالْوَكَالَةِ وَحِصَّةَ أُخْتِهِ الصَّغِيرَةِ فُلَانَةَ بِالْإِذْنِ الْحُكْمِيِّ فَرُدَّ الْمَحْضَرُ بِعِلَّةِ أَنَّ الْمَذْكُورَ فِيهِ أَنَّ مَالَ الْإِجَارَةِ صَارَ مِيرَاثًا لِوَرَثَتِهِ مَا خَلَا دِينَارًا وَاحِدًا فَإِنَّهُ ذَهَبَ بَعْضُهُ بِإِبْرَاءِ أَبِينَا الْمُؤَجِّرِ هَذَا عَنْهُ فِي حَيَاتِهِ وَدَعْوَى الْإِبْرَاءِ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ فَاسِدَةٌ؛ لِأَنَّ الْإِبْرَاءَ إنَّمَا يَصِحُّ بَعْدَ الْوُجُوبِ أَوْ بَعْدَ سَبَبِ الْوُجُوبِ وَحَالَ حَيَاةِ الْمُسْتَأْجِرِ مَالُ الْإِجَارَةِ غَيْرُ وَاجِبٍ عَلَى الْمُؤَجِّرِ إذَا كَانَتْ الْإِجَارَةُ

<<  <  ج: ص:  >  >>