للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْمَخْلُوطِ، وَهَذَا إذَا خَلَطَ الدَّرَاهِمَ بِغَيْرِ إذْنِهِ، فَأَمَّا إذَا خَلَطَهَا بِإِذْنِهِ فَجَوَابُ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لَا يَخْتَلِفُ بَلْ يَنْقَطِعُ حَقُّ الْمَالِكِ بِكُلِّ حَالٍ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَنَّهُ جَعَلَ الْأَقَلَّ تَابِعًا لِلْأَكْثَرِ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - يُشَارِكُهُ بِكُلِّ حَالٍ، وَكَذَلِكَ أَبُو يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي كُلِّ مَائِعٍ خَلَطَهُ بِجِنْسِهِ يُعْتَبَرُ الْأَكْثَرُ وَأَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - يَقُولُ بِانْقِطَاعِ حَقِّ الْمَالِكِ فِي الْكُلِّ وَمُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - بِالشَّرِكَةِ فِي الْكُلِّ، كَذَا فِي الْكَافِي.

وَلَوْ خُلِطَتْ الْفِضَّةُ بَعْدَ الْإِذَابَةِ صَارَ مِنْ الْمَائِعَاتِ؛ لِأَنَّهُ مَائِعٌ حَقِيقَةً عِنْدَ الْخَلْطِ فَيَكُونُ عَلَى الْخِلَافِ الْمَذْكُورِ، كَذَا فِي التَّبْيِينِ.

وَفِي الْفَتَاوَى الْعَتَّابِيَّةِ، وَلَوْ كَانَ عِنْدَهُ حِنْطَةٌ وَشَعِيرٌ لِوَاحِدٍ فَخَلَطَهُمَا ضَمِنَهُمَا، كَذَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة.

وَإِنْ كَانَ الَّذِي خَلَطَ الْوَدِيعَةَ أَحَدٌ مِمَّنْ هُوَ فِي عِيَالِهِ كَزَوْجَتِهِ وَابْنِهِ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ وَالضَّمَانُ عَلَى الْخَالِطِ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: لَا سَبِيلَ لِلْمُودَعِ وَالْمُودِعِ عَلَى الْعَيْنِ إذَا خَلَطَهَا الْغَيْرُ وَيُضَمِّنَانِ الْخَالِطَ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى: إنْ شَاءَا ضَمَّنَا الْخَالِطَ، وَإِنْ شَاءَا أَخَذَا الْعَيْنَ وَكَانَا شَرِيكَيْنِ، سَوَاءٌ كَانَ الْخَالِطُ صَغِيرًا أَوْ كَبِيرًا، كَذَا فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ حُرًّا كَانَ أَوْ عَبْدًا، كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ.

وَقَدْ قَالُوا: إنَّهُ لَا يَسَعُ الْخَالِطَ أَكْلُ هَذِهِ الدَّنَانِيرِ حَتَّى يُؤَدِّيَ مِثْلَهَا إلَى أَرْبَابِهَا، وَإِنْ غَابَ الَّذِي خَلَطَهَا بِحَيْثُ لَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ، فَإِنْ تَرَاضَيَا عَلَى أَنْ يَأْخُذَهَا أَحَدُهُمَا وَيَدْفَعَ قِيمَةَ مَالِ الْآخَرِ جَازَ، وَإِنْ أَبَيَا ذَلِكَ أَوْ أَبَى أَحَدُهُمَا، وَقَالَا: نَبِيعُ ذَلِكَ فَبَاعَاهَا ضَرَبَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي الثَّمَنِ بِحِصَّتِهِ، فَإِنْ كَانَ الْمَخْلُوطُ حِنْطَةً وَشَعِيرًا ضَرَبَ صَاحِبُ الْحِنْطَةِ بِقِيمَتِهَا حِنْطَةً مَخْلُوطَةً وَضَرَبَ صَاحِبُ الشَّعِيرِ بِقِيمَةِ شَعِيرِهِ غَيْرَ مَخْلُوطٍ، كَذَا فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ.

وَإِنْ اخْتَلَطَتْ بِمَالِهِ مِنْ غَيْرِ فِعْلِهِ فَهُوَ شَرِيكٌ لِصَاحِبِهَا، فَإِنْ انْشَقَّ الْكِيسُ فِي صُنْدُوقِهِ، فَإِنْ اخْتَلَطَتْ بِدَرَاهِمِهِ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ وَهُمَا فِيهِ شَرِيكَانِ، وَإِنْ هَلَكَ بَعْضُهَا هَلَكَ مِنْ مَالِهِمَا جَمِيعًا، وَيُقَسَّمُ الْبَاقِي بَيْنَهُمَا عَلَى قَدْرِ مَا كَانَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا، فَإِذَا كَانَ لِأَحَدِهِمَا أَلْفٌ وَلِلْآخَرِ أَلْفَانِ يُقَسَّمُ الْبَاقِي بَيْنَهُمَا أَثْلَاثًا، قَالَ الْوَلْوَالِجِيُّ فِي فَتَاوَاهُ: هَذَا إذَا كَانَتْ الدَّرَاهِمُ صِحَاحًا أَوْ مُكَسَّرَةً.

فَإِنْ كَانَتْ دَرَاهِمُ أَحَدِهِمَا صِحَاحًا وَدَرَاهِمُ الْآخَرِ مُكَسَّرَةً لَا تَثْبُتُ الشَّرِكَةُ بَيْنَهُمَا بَلْ يُمَيِّزُ مَالَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فَيَدْفَعُ إلَى الْمُودِعِ مَالَهُ وَيُمْسِكُ الْمُودَعُ مَالَ نَفْسِهِ، وَإِنْ كَانَ مَالُ أَحَدِهِمَا دَرَاهِمَ صِحَاحًا جِيَادًا وَفِيهَا بَعْضُ الرَّدِيءِ وَدَرَاهِمُ الْآخَرِ صِحَاحًا رَدِيئًا وَفِيهَا بَعْضُ الْجِيَادِ تَثْبُتُ الشَّرِكَةُ بَيْنَ الْمَالَيْنِ، ثُمَّ كَيْفَ يَقْتَسِمَانِ؟ إنْ تَصَادَقَا أَنَّ ثُلُثَيْ مَالِ أَحَدِهِمَا جِيَادٌ وَثُلُثَهُ رَدِيءٌ وَثُلُثَيْ مَالِ الْآخَرِ رَدِيءٌ وَثُلُثُهُ جَيِّدٌ يَقْتَسِمَانِ الْجِيَادَ مِنْ الْمَالِ الْمُخْتَلَطِ أَثْلَاثًا وَالرَّدِيءَ أَثْلَاثًا عَلَى قَدْرِ مَا كَانَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا، وَإِنْ لَمْ يَتَصَادَقَا: إنْ كَانَ لَا يُعْرَفُ وَادَّعَى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنَّ ثُلُثَيْ مَالِهِ جِيَادٌ وَثُلُثَهُ رَدِيءٌ وَمَالُ صَاحِبِهِ ثُلُثَاهُ رَدِيءٌ وَثُلُثُهُ جَيِّدٌ يَأْخُذُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ثُلُثَ الْجِيَادِ؛ لِأَنَّهُمَا اتَّفَقَا عَلَى أَنَّهُ كَانَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ثُلُثُ الْجِيَادِ فَيَأْخُذَانِ ذَلِكَ وَاخْتَلَفَا فِي الثُّلُثِ الْآخَرِ ادَّعَى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِنَفْسِهِ وَذَلِكَ الثُّلُثُ فِي أَيْدِيهِمَا فِي يَدِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نِصْفُ هَذَا الثُّلُثِ وَهُوَ سُدُسُ الْكُلِّ فَيَكُونُ الْقَوْلُ قَوْلَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِيمَا فِي يَدِهِ وَيَحْلِفُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى دَعْوَى صَاحِبِهِ، فَإِنْ حَلَفَا بَرِئَا عَنْ الدَّعْوَى وَتُرِكَ الْمَالُ فِي أَيْدِيهِمَا كَمَا كَانَ.

وَإِنْ نَكَلَا قُضِيَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِنِصْفِ الثُّلُثِ وَهُوَ سُدُسُ الْكُلِّ الَّذِي فِي يَدِ صَاحِبِهِ، وَكَذَلِكَ إنْ قَامَتْ لَهُمَا جَمِيعًا الْبَيِّنَةُ، فَإِنْ حَلَفَ أَحَدُهُمَا وَنَكَلَ الْآخَرُ بَرِئَ الْحَالِفُ وَيَرُدُّ النَّاكِلُ نِصْفَ الثُّلُثِ وَهُوَ سُدُسُ الْكُلِّ الَّذِي فِي يَدِهِ إلَى صَاحِبِهِ، كَذَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ.

فَإِنْ كَانَ الْمَخْلُوطَانِ أَحَدُهُمَا حِنْطَةٌ وَالْآخَرُ شَعِيرٌ فَإِنَّ لَهُمَا أَنْ يَتَّفِقَا عَلَى شَيْءٍ، فَإِنْ لَمْ يَتَّفِقَا عَلَى شَيْءٍ يُقَوَّمُ الْمَخْلُوطُ وَضَرَبَ صَاحِبُ الْحِنْطَةِ بِقِيمَةِ الْحِنْطَةِ مَخْلُوطًا بِالشَّعِيرِ وَضَرَبَ صَاحِبُ الشَّعِيرِ بِقِيمَةِ الشَّعِيرِ غَيْرَ مَخْلُوطٍ بِالْحِنْطَةِ، كَذَا فِي الْجَامِعِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

[الْبَابُ الْخَامِسُ فِي تَجْهِيلِ الْوَدِيعَةِ]

(الْبَابُ الْخَامِسُ فِي تَجْهِيلِ الْوَدِيعَةِ) . لَوْ مَاتَ الْمُودَعُ وَلَمْ تُعْرَفْ الْوَدِيعَةُ فَهِيَ دَيْنٌ فِي تَرِكَتِهِ يُسَاوِي دَيْنَ الصِّحَّةِ، كَذَا فِي التَّهْذِيبِ.

هَذَا إذَا مَاتَ وَلَمْ يُعْلَمْ حَالُ الْوَدِيعَةِ، أَمَّا إذَا عَرَفَ الْوَارِثُ الْوَدِيعَةَ وَالْمُودَعُ يَعْلَمُ أَنَّهُ يَعْرِفُ فَمَاتَ وَلَمْ يُبَيِّنْ لَا يَضْمَنُ، كَذَا

<<  <  ج: ص:  >  >>