للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَطْلُبَ الْوِلَايَةَ وَلَا يَسْأَلَهَا، فَالطَّالِبُ أَنْ يَقُولَ لِلْإِمَامِ: وَلِّنِي الْقَضَاءَ، وَالسُّؤَالُ أَنْ يَقُولَ لِلنَّاسِ: لَوْ وَلَّانِي الْإِمَامُ قَضَاءَ مَدِينَةِ كَذَا لَأَجَبْته إلَى ذَلِكَ، وَهُوَ يَطْمَعُ أَنْ يَبْلُغَ ذَلِكَ إلَى الْإِمَامِ فَيُقَلِّدَهُ، وَكُلُّ ذَلِكَ مَكْرُوهٌ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: مَنْ قُلِّدَ بِغَيْرِ مَسْأَلَةٍ فَلَا بَأْسَ بِالْقَبُولِ وَمَنْ سَأَلَ يُكْرَهُ لَهُ ذَلِكَ، وَاَلَّذِي عَلَيْهِ عَامَّةُ الْمَشَايِخِ - رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى - أَنَّ الدُّخُولَ فِي الْقَضَاءِ رُخْصَةٌ، وَالِامْتِنَاعَ عَنْهُ عَزِيمَةٌ وَفِي السِّرَاجِيَّةِ هُوَ الْمُخْتَارُ كَذَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة.

وَلَا يَطْلُبُ الْقَضَاءَ لَا بِقَلْبِهِ وَلَا بِلِسَانِهِ إلَّا إذَا لَمْ يَكُنْ غَيْرُهُ يَصْلُحُ لِلْقَضَاءِ فَإِنَّهُ يُفْتَرَضُ عَلَيْهِ صِيَانَةً لِحُقُوقِ الْمُسْلِمِينَ كَصَلَاةِ الْجِنَازَةِ كَذَا فِي الشُّمُنِّيِّ.

إذَا كَانَ فِي بَلَدِ قَوْمٍ يَصْلُحُونَ لِلْقَضَاءِ وَامْتَنَعَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ لَا يَأْثَمُ كَذَا فِي الْمُحِيطِ.

وَلَوْ امْتَنَعَ الْكُلُّ حَتَّى قُلِّدَ جَاهِلٌ اشْتَرَكُوا فِي الْإِثْمِ كَذَا فِي الْعِنَايَةِ شَرْحِ الْهِدَايَةِ.

وَفِي الْيَنَابِيعِ: وَإِنْ وُجِدَ اثْنَانِ وَهُمَا مِنْ أَهْلِ الْقَضَاءِ وَلَكِنَّ أَحَدَهُمَا أَفْقَهُ، وَالْآخَرَ أَوْرَعُ فَهُوَ أَوْلَى مِنْ الْأَفْقَهِ كَذَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة.

وَلَوْ قَلَّدَ السُّلْطَانُ مَنْ لَا يَصْلُحُ لِلْقَضَاءِ وَفِي تِلْكَ الْبَلْدَةِ مَنْ يَصْلُحُ لِذَلِكَ كَانَ الْإِثْمُ عَلَى السُّلْطَانِ كَذَا فِي شَرْحِ كِتَابِ أَدَبِ الْقَاضِي لِلْخَصَّافِ

الْقَاضِي إذَا أَخَذَ الْقَضَاءَ بِالرِّشْوَةِ الصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَصِيرُ قَاضِيًا وَلَوْ قَضَى لَا يَنْفُذُ قَضَاؤُهُ.

مَنْ تَقَلَّدَ الْقَضَاءَ بِالرِّشْوَةِ، أَوْ بِالشُّفَعَاءِ إذَا قَضَى فِي مُخْتَلَفٍ فِيهِ، ثُمَّ رُفِعَ إلَى قَاضٍ آخَرَ فَإِنْ وَافَقَ رَأْيَهُ أَمْضَاهُ، وَإِنْ خَالَفَ رَأْيَهُ أَبْطَلَهُ بِمَنْزِلَةِ حُكْمِ الْمُحَكَّمِ، وَالْأَصَحُّ أَنَّ الَّذِي طَلَبَ الْقَضَاءَ بِالشُّفَعَاءِ فَهُوَ وَاَلَّذِي قُلِّدَ سَوَاءٌ فِي حَقِّ نَفَاذِ الْقَضَاءِ فِي الْمُجْتَهَدَاتِ، وَالْقَاضِي إذَا ارْتَشَى وَحَكَمَ لَا يَنْفُذُ قَضَاؤُهُ فِيمَا ارْتَشَى وَنَفَذَ فِيمَا لَمْ يَرْتَشِ، وَهُوَ اخْتِيَارُ السَّرَخْسِيِّ وَالْخَصَّافِ

وَإِنْ ارْتَشَى وَلَدُ الْقَاضِي، أَوْ كَاتِبُهُ، أَوْ بَعْضُ أَعْوَانِهِ فَإِنْ كَانَ بِأَمْرِهِ وَرِضَاهُ فَهُوَ وَمَا لَوْ ارْتَشَى الْقَاضِي سَوَاءٌ، يَكُونُ قَضَاؤُهُ مَرْدُودًا، وَإِنْ كَانَ بِغَيْرِ عِلْمِ الْقَاضِي نَفَذَ قَضَاؤُهُ وَكَانَ عَلَى الْمُرْتَشِي رَدُّ مَا قَبَضَ مِنْهُ كَذَا فِي خِزَانَةِ الْمُفْتِينَ.

[الْبَابُ الثَّالِثُ فِي تَرْتِيبِ الدَّلَائِلِ لِلْعَمَلِ بِهَا]

قَالَ: يَنْبَغِي لِلْقَاضِي أَنْ يَقْضِيَ بِمَا فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى -، وَيَنْبَغِي أَنْ يَعْرِفَ مَا فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى - مِنْ النَّاسِخِ، وَالْمَنْسُوخِ، وَيَنْبَغِي أَنْ يَعْرِفَ مِنْ النَّاسِخِ مَا هُوَ مُحْكَمٌ وَمَا هُوَ مُتَشَابِهٌ فِي تَأْوِيلِهِ اخْتِلَافٌ كَالْأَقْرَاءِ فَإِنْ لَمْ يَجِدْ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى - يَقْضِي بِمَا جَاءَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَيَنْبَغِي أَنْ يَعْرِفَ النَّاسِخَ، وَالْمَنْسُوخَ مِنْ الْأَخْبَارِ فَإِنْ اخْتَلَفَتْ الْأَخْبَارُ يَأْخُذُ بِمَا هُوَ الْأَشْبَهُ وَيَمِيلُ اجْتِهَادُهُ إلَيْهِ، وَيَجِبُ أَنْ يَعْلَمَ الْمُتَوَاتِرَ، وَالْمَشْهُورَ وَمَا كَانَ مِنْ أَخْبَارِ الْآحَادِ، وَيَجِبُ أَنْ يَعْلَمَ مَرَاتِبَ الرُّوَاةِ فَإِنَّ مِنْهُمْ مَنْ عُرِفَ بِالْفِقْهِ، وَالْعَدَالَةِ كَالْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ، وَالْعَبَادِلَةِ وَغَيْرِهِمْ، وَمِنْهُمْ مَنْ عُرِفَ بِطُولِ الصُّحْبَةِ وَحُسْنِ الضَّبْطِ، وَالْأَخْذُ بِرِوَايَةِ مَنْ عُرِفَ بِالْفِقْهِ أَوْلَى مِنْ الْأَخْذِ بِرِوَايَةِ مَنْ لَمْ يُعْرَفْ بِالْفِقْهِ، وَكَذَلِكَ الْأَخْذُ بِرِوَايَةِ مَنْ عُرِفَ بِطُولِ الصُّحْبَةِ أَوْلَى مِنْ

<<  <  ج: ص:  >  >>