للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الْبَابُ الرَّابِعُ وَالْعِشْرُونَ فِي التَّحْكِيمِ]

ِ) تَفْسِيرُهُ تَصْيِيرُ غَيْرِهِ حَاكِمًا فَيَكُونُ الْحَكَمُ فِيمَا بَيْنَ الْخَصْمَيْنِ كَالْقَاضِي فِي حَقِّ كَافَّةِ النَّاسِ وَفِي حَقِّ غَيْرِهِمَا بِمَنْزِلَةِ الْمُصْلِحِ، كَذَا فِي مُحِيطِ السَّرَخْسِيِّ يَجِبُ أَنْ يُعْلَمَ بِأَنَّ التَّحْكِيمَ جَائِزٌ وَشَرْطُ جَوَازِهِ أَنْ يَكُونَ الْحَكَمُ مِنْ أَهْلِ الشَّهَادَةِ وَقْتَ التَّحْكِيمِ وَوَقْتَ الْحُكْمِ أَيْضًا حَتَّى أَنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ أَهْلًا لِلشَّهَادَةِ وَقْتَ التَّحْكِيمِ وَصَارَ أَهْلًا لِلشَّهَادَةِ وَقْتَ الْحُكْمِ بِأَنْ كَانَ الْحَكَمُ عَبْدًا فَأُعْتِقَ أَوْ ذِمِّيًّا فَأَسْلَمَ وَحَكَمَ لَا يَنْفُذُ حُكْمُهُ، وَحُكْمُ هَذَا الْحَكَمِ يُفَارِقُ حُكْمَ الْقَاضِي الْمُوَلَّى مِنْ حَيْثُ إنَّ حُكْمَ هَذَا الْحَكَمِ إنَّمَا يَنْفُذُ فِي حَقِّ الْخَصْمَيْنِ وَمَنْ رَضِيَ بِحُكْمِهِ، وَلَا يَتَعَدَّى إلَى مَنْ لَمْ يَرْضَ بِحُكْمِهِ بِخِلَافِ الْقَاضِي الْمُوَلَّى، كَذَا فِي الْمُلْتَقَطِ وَلَا يَجُوزُ تَحْكِيمُ الْكَافِرِ وَالْعَبْدِ وَالذِّمِّيِّ وَالْمَحْدُودِ فِي الْقَذْفِ وَالْفَاسِقِ وَالصَّبِيِّ. وَالْفَاسِقُ إذَا حَكَمَ يَجِبُ أَنْ يَجُوزَ عِنْدَنَا وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْمُحَكِّمَيْنِ أَنْ يَرْجِعَ مَا لَمْ يَحْكُمْ عَلَيْهِمَا، فَإِذَا حَكَمَ لَزِمَهُمَا، كَذَا فِي الْهِدَايَةِ ثُمَّ الْمُرَادُ مِنْ عَدَمِ جَوَازِ تَحْكِيمِ الذِّمِّيِّ أَنْ لَوْ كَانَ الذِّمِّيُّ حَكَمًا بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ، أَمَّا لَوْ كَانَ الذِّمِّيُّ حَكَمًا فِيمَا بَيْنَ الذِّمِّيِّينَ فَإِنَّهُ يَجُوزُ. وَذُكِرَ فِي الْمَبْسُوطِ وَإِنْ حَكَمَ الذِّمِّيُّ بَيْنَ أَهْلِ الذِّمَّةِ جَازَ؛ لِأَنَّهُ أَهْلُ الشَّهَادَةِ بَيْنَ أَهْلِ الذِّمَّةِ دُونَ الْمُسْلِمِينَ وَيَكُونُ تَرَاضِيهِمَا عَلَيْهِ فِي حَقِّهِمَا كَتَقْلِيدِ السُّلْطَانِ إيَّاهُ وَتَقْلِيدِ حُكُومَةِ الذِّمِّيِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ أَهْلِ الذِّمَّةِ صَحِيحٌ وَتَقْلِيدُهُ بِأَنْ يَحْكُمَ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ بَاطِلٌ وَكَذَلِكَ التَّحْكِيمُ، كَذَا فِي النِّهَايَةِ وَيَصِحُّ التَّحْكِيمُ فِيمَا يَمْلِكَانِ فَعَلَ ذَلِكَ بِأَنْفُسِهِمَا وَهُوَ حُقُوقُ الْعِبَادِ وَلَا يَصِحُّ فِيمَا لَا يَمْلِكَانِ فَعَلَ ذَلِكَ بِأَنْفُسِهِمَا، وَهُوَ حُقُوقُ اللَّهِ تَعَالَى حَتَّى يَجُوزَ التَّحْكِيمُ فِي الْأَمْوَالِ وَالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ وَالنِّكَاحِ وَالْقِصَاصِ وَتَضْمِينِ السَّرِقَةِ، وَلَا يَجُوزُ فِي حَدِّ الزِّنَا وَالسَّرِقَةِ وَالْقَذْفِ. وَذَكَرَ الْخَصَّافُ وَلَا يَجُوزُ حُكْمُ الْمُحَكَّمِ فِي حَدٍّ أَوْ قِصَاصٍ، وَذُكِرَ فِي الْأَصْلِ أَنَّهُ يَجُوزُ التَّحْكِيمُ فِي الْقِصَاصِ وَيَنْفُذُ حُكْمُ الْمُحَكَّمِ فِي سَائِرِ الْمُجْتَهِدَاتِ نَحْوَ الْكِنَايَاتِ وَالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ وَهُوَ الصَّحِيحُ لَكِنَّ مَشَايِخَنَا امْتَنَعُوا عَنْ هَذَا لِلْفَتْوَى كَيْ لَا يَتَجَاسَرَ الْعَوَامُّ فِيهِ، وَلَا يَجُوزُ حُكْمُهُ فِي دَمِ الْخَطَأِ؛ لِأَنَّ الْعَاقِلَةَ لَمْ تَرْضَ بِهِ وَحُكْمُ الْمُحَكَّمِ إنَّمَا يَنْفُذُ عَلَى مَنْ رَضِيَ بِحُكْمِهِ. وَإِنْ قَضَى بِالدِّيَةِ عَلَى الْقَاتِلِ لَا يَجُوزُ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْقَاتِلُ أَقَرَّ بِالْقَتْلِ خَطَأً فَحِينَئِذٍ يَجُوزُ حُكْمُهُ بِالدِّيَةِ عَلَيْهِ.

حَكَّمَ الذِّمِّيَّانِ ذِمِّيًّا ثُمَّ أَسْلَمَ أَحَدُ الْخَصْمَيْنِ خَرَجَ مِنْ الْحُكُومَةِ فِيمَا بَيْنَهُمَا أَرَادَ بِهِ فِي الْحُكْمِ عَلَى الْمُسْلِمِ لَا عَلَى الذِّمِّيِّ حَتَّى لَوْ حَكَمَ لِلذِّمِّيِّ عَلَى الْمُسْلِمِ لَا يَجُوزُ، وَإِنْ حَكَمَ لِلْمُسْلِمِ عَلَى الذِّمِّيِّ يَجُوزُ نَصَّ عَلَيْهِ فِي مَوَاضِعَ أُخَرَ مِنْ الْمَبْسُوطِ فَإِنَّهُ قَالَ: مُسْلِمٌ وَذِمِّيٌّ حَكَّمَا ذِمِّيًّا جَازَ حُكْمُهُ عَلَى الذِّمِّيِّ دُونَ الْمُسْلِمِ وَكَذَلِكَ مُسْلِمٌ وَذِمِّيٌّ حَكَّمَا مُسْلِمًا وَذِمِّيًّا فَإِنْ حَكَمَا لِلْمُسْلِمِ عَلَى الذِّمِّيِّ جَازَ وَإِنْ حَكَمَا لِلذِّمِّيِّ عَلَى الْمُسْلِمِ لَا يَجُوزُ كَمَا لَوْ حَكَّمَا عَبْدًا وَحُرًّا فَحَكَمَا لَمْ يَجُزْ حُكْمُهُمَا؛ لِأَنَّ حُكْمَ الْعَبْدِ لَا يَجُوزُ فَبَقِيَ الْحُرُّ مُنْفَرِدًا بِالْحُكْمِ وَقَدْ رَضِيَا بِتَحْكِيمِهِمَا فَلَا يَنْفَرِدُ أَحَدُهُمَا

<<  <  ج: ص:  >  >>