للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى وَكَذَلِكَ حَطُّ بَعْضِ الثَّمَنِ عَنْ الْمُشْتَرِي قَبْلَ قَبْضِ الثَّمَنِ صَحِيحٌ عِنْدَهُمَا، فَأَمَّا حَطُّ كُلِّ الثَّمَنِ عَنْ الْمُشْتَرِي قَبْلَ قَبْضِ الثَّمَنِ لَا يَصِحُّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى - وَيَصِحُّ عِنْدَ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَيُجْعَلُ بِمَنْزِلَةِ الْهِبَةِ.

(رَجُلٌ) أَمَرَ رَجُلًا أَنْ يَشْتَرِيَ لَهُ مَتَاعًا مِنْ بَلَدٍ مِنْ الْبُلْدَانِ فَخَافَ الْوَكِيلُ أَنْ لَوْ بَعَثَ بِذَلِكَ مَعَ غَيْرِهِ يَضْمَنُ فَالْحِيلَةُ فِي ذَلِكَ أَنْ يُجِيزَ لَهُ الْمُوَكِّلُ مَا صَنَعَ فَإِذَا أَجَازَ لَهُ ذَلِكَ يَبْعَثُ هُوَ بِالْمَتَاعِ عَلَى يَدِ غَيْرِهِ وَلَا يَضْمَنُ لِأَنَّهُ أَمِينٌ أُجِيزَ لَهُ مَا صَنَعَ وَكَذَا الْحِيلَةُ إذَا أَرَادَ الرَّجُلُ أَنْ يَسْتَوْدِعَ الْمَتَاعَ الْمُشْتَرَى مِنْ غَيْرِهِ وَلَا يَضْمَنُ كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ.

[الْفَصْلُ الْعِشْرُونَ فِي الشُّفْعَة]

(الْفَصْلُ الْعِشْرُونَ فِي الشُّفْعَةِ) قَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: جَمَعَ الْخَصَّافُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - مَسَائِلَ بَعْضَهَا لِمَنْعِ وُجُوبِ الشُّفْعَةِ وَبَعْضَهَا لِتَقْلِيلِ الرَّغْبَةِ، فَمِنْ جُمْلَةِ ذَلِكَ أَنْ يَهَبَ الْبَائِعُ الدَّارَ مِنْ الْمُشْتَرِي وَيُشْهِدَ عَلَيْهِ، ثُمَّ الْمُشْتَرِي يَهَبُ الثَّمَنَ مِنْ الْبَائِعِ وَيُشْهِدُ عَلَيْهِ وَذُكِرَ فِي حِيَلِ الْأَصْلِ ثُمَّ الْمُشْتَرِي يُعَوِّضُهُ مِقْدَارَ الثَّمَنِ فَإِذَا فَعَلَا ذَلِكَ لَا تَجِبُ الشُّفْعَةُ؛ لِأَنَّ حَقَّ الشُّفْعَةِ يَخْتَصُّ بِالْمُعَاوَضَاتِ، وَالْهِبَةُ إذَا لَمْ تَكُنْ بِشَرْطِ الْعِوَضِ لَا تَصِيرُ مُعَاوَضَةً بِالتَّعْوِيضِ بَعْدَ ذَلِكَ وَلِهَذَا لَا يَثْبُتُ فِيهَا أَحْكَامُ الْمُبَادَلَةِ مِنْ رَدِّ الْمَوْهُوبِ لَهُ بِالْعَيْبِ وَغَيْرِ ذَلِكَ.

وَإِذَا لَمْ تَصِرْ مُبَادَلَةً بَقِيَتْ هِبَةً مَحْضَةً فَلَا تَثْبُتُ فِيهَا الشُّفْعَةُ غَيْرَ أَنَّ هَذِهِ حِيلَةٌ يَمْلِكُهَا بَعْضُ النَّاسِ دُونَ الْبَعْضِ؛ لِأَنَّهَا تَبَرُّعٌ وَمِنْ النَّاسِ مَنْ لَا يَمْلِكُ التَّبَرُّعَ كَالْأَبِ وَالْوَصِيِّ وَغَيْرِهِمَا مِنْ الْوُكَلَاءِ، وَأَمَّا إذَا كَانَتْ هِبَةُ الدَّارِ مِنْ الْمُشْتَرِي بِشَرْطِ الْعِوَضِ فَفِيهِ اخْتِلَافُ الرِّوَايَتَيْنِ، ذُكِرَ فِي شُفْعَةِ الْأَصْلِ وَفِي مَوَاضِعَ مِنْ الْمَبْسُوطِ أَنَّهَا بِمَعْنَى الْبَيْعِ. وَيَثْبُتُ لِلشَّفِيعِ فِيهَا حَقُّ الشُّفْعَةِ وَذُكِرَ فِي بَعْضِ رِوَايَاتِ النَّوَادِرِ أَنَّهَا لَيْسَتْ فِي مَعْنَى الْبَيْعِ وَذُكِرَ فِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ أَنَّ فِي الْهِبَةِ بِشَرْطِ الْعِوَضِ اخْتِلَافًا بَيْنَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى فَإِذَا كَانَ فِي الْمَسْأَلَةِ رِوَايَتَانِ أَوْ خِلَافٌ لَا يَصْلُحُ حِيلَةً لِإِبْطَالِ الشُّفْعَةِ، وَلَكِنْ يَتَأَتَّى فِي هَذِهِ الْهِبَةِ حِيلَةُ تَأْخِيرِ حَقِّ الشَّفِيعِ بِأَنْ يَقْبِضَ الْمُشْتَرِي الدَّارَ إلَّا جُزْءًا مِنْهَا أَوْ يُسَلِّمَ الثَّمَنَ إلَّا جُزْءًا مِنْهُ، فَلَا يَكُونُ لِلشَّفِيعِ حَقُّ الْأَخْذِ؛ لِأَنَّ الْهِبَةَ بِشَرْطِ الْعِوَضِ إنَّمَا تَصِيرُ بَيْعًا بَعْدَ قَبْضِ كُلِّ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ، أَمَّا قَبْلَ قَبْضِ كُلِّ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ لَا تَصِيرُ بَيْعًا، حَتَّى رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَنَّهُ قَالَ فِي الْهِبَةِ بِشَرْطِ الْعِوَضِ: يَثْبُتُ لِلْوَاهِبِ حَقُّ الرُّجُوعِ مِنْ غَيْرِ قَضَاءٍ أَوْ رِضًا مَا لَمْ يَقْبِضْ الْمَوْهُوبُ لَهُ كُلَّ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ.

(وَمِنْ جُمْلَةِ الْحِيَلِ) أَنْ يَتَصَدَّقَ صَاحِبُ الدَّارِ بِالدَّارِ عَلَى الَّذِي يُرِيدُ الشِّرَاءَ ثُمَّ يَتَصَدَّقَ الْمُشْتَرِي عَلَيْهِ بِمِثْلِ الثَّمَنِ، كَمَا فِي الْهِبَةِ. وَالصَّدَقَةُ إنَّمَا تُفَارِقُ الْهِبَةَ فِي حَقِّ الرُّجُوعِ فِيهَا، فَأَمَّا فِيمَا عَدَا ذَلِكَ فَالْهِبَةُ وَالصَّدَقَةُ سَوَاءٌ. (وَمِنْ جُمْلَةِ ذَلِكَ) أَنْ يُقِرَّ صَاحِبُ الدَّارِ بِالدَّارِ لِلَّذِي يُرِيدُ شِرَاءَهَا ثُمَّ

<<  <  ج: ص:  >  >>