للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْمَوْجُودَ مِنْهُ الْعَمَلُ وَمُجَرَّدُ الْعَمَلِ لَا قِيمَةَ لَهُ، وَإِنْ بَاعَ صَاحِبُ الْأَرْضِ أَرْضَهُ مَعَ نَصِيبِ نَفْسِهِ بَعْدَ مَا خَرَجَ الثَّمَرُ مِنْ الْكَرْمِ، فَإِنْ أَجَازَ الْعَامِلُ جَازَ وَيَكُونُ نَصِيبُ الْبَائِعِ مِنْ الثَّمَنِ لِلْمُشْتَرِي وَنَصِيبُ الْعَامِلِ لِلْعَامِلِ، وَإِنْ كَانَ هَذَا الْبَيْعُ قَبْلَ خُرُوجِ الثَّمَرِ فَلَا شَيْءَ لِلْعَامِلِ فِي الْحُكْمِ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ شَيْئًا قَبْلَ النَّبَاتِ، وَإِنَّمَا يَمْلِكُ بَعْدَهُ، كَذَا فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ.

بَاعَ أَرْضًا فِيهَا بَذْرٌ لَمْ يَنْبُتْ فَإِنْ كَانَ الْبَذْرُ قَدْ عَفِنَ فِي الْأَرْضِ فَهُوَ لِلْمُشْتَرِي وَإِلَّا فَهُوَ لِلْبَائِعِ فَإِنْ سَقَاهُ الْمُشْتَرِي حَتَّى نَبَتَ وَلَمْ يَكُنْ عَفِنَ عِنْدَ الْبَيْعِ فَهُوَ لِلْبَائِعِ أَيْضًا وَالْمُشْتَرِي مُتَطَوِّعٌ فِيمَا فَعَلَ، وَكَذَا لَوْ نَبَتَ لَكِنْ لَمْ يُتَقَوَّمْ بَعْدُ، وَاخْتَارَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَنَّهُ لِلْبَائِعِ فِي الْأَحْوَالِ كُلِّهَا إلَّا إذَا بِيعَ مَعَ الْأَرْضِ نَصًّا أَوْ دَلَالَةً وَبِهِ يُفْتَى، كَذَا فِي الْكُبْرَى وَاَللَّهُ أَعْلَمُ

[الْبَاب الثَّانِي عَشْر فِي الْعُذْر فِي فَسْخِ الْمُزَارَعَةِ وَالْمُعَامَلَةِ]

(الْبَابُ الثَّانِي عَشَرَ فِي الْعُذْرِ فِي فَسْخِ الْمُزَارَعَةِ وَالْمُعَامَلَةِ) أَمَّا الْمَعَانِي الَّتِي هِيَ عُذْرٌ فِي فَسْخِ الْمُزَارَعَةِ فَأَنْوَاعٌ بَعْضُهَا يَرْجِعُ إلَى صَاحِبِ الْأَرْضِ وَبَعْضُهَا يَرْجِعُ إلَى الْمُزَارِعِ. أَمَّا الْأَوَّلُ فَهُوَ الدَّيْنُ الْفَادِحُ الَّذِي لَا قَضَاءَ لَهُ إلَّا مِنْ ثَمَنِ هَذِهِ الْأَرْضِ تُبَاعُ فِي الدَّيْنِ وَيُفْسَخُ الْعَقْدُ بِهَذَا الْعُذْرِ إذَا أَمْكَنَ الْفَسْخُ بِأَنْ كَانَ قَبْلَ الزِّرَاعَةِ أَوْ بَعْدَهَا إذَا أَثْمَرَ الزَّرْعُ وَبَلَغَ مَبْلَغَ الْحَصَادِ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ الْمُضِيُّ فِي الْعَقْدِ إلَّا بِضَرَرٍ يَلْحَقُهُ، فَلَا يَلْزَمُهُ تَحَمُّلُ الضَّرَرِ فَيَبِيعُ الْقَاضِي الْأَرْضَ بِدَيْنِهِ أَوَّلًا، ثُمَّ يَفْسَخُ الْمُزَارَعَةَ وَلَا تَنْفَسِخُ بِنَفْسِ الْعُذْرِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْفَسْخُ بِأَنْ كَانَ الزَّرْعُ لَمْ يُدْرِكْ وَلَمْ يَبْلُغْ مَبْلَغَ الْحَصَادِ لَا تُبَاعُ فِي الدَّيْنِ وَلَا يُفْسَخُ إلَى أَنْ يُدْرِكَ، وَيُطْلَقَ مِنْ السِّجْنِ إنْ كَانَ مَحْبُوسًا إلَى غَايَةِ الْإِدْرَاكِ؛ لِأَنَّ الْحَبْسَ جَزَاءُ الْمَطْلِ وَأَنَّهُ غَيْرُ مُمَاطِلٍ قَبْلَ الْإِدْرَاكِ لِكَوْنِهِ مَمْنُوعًا عَنْ بَيْعِ الْأَرْضِ شَرْعًا وَالْمَمْنُوعُ مَعْذُورٌ، فَإِذَا أَدْرَكَ الزَّرْعُ يُرَدُّ فِي الْحَبْسِ ثَانِيًا لِيَبِيعَ أَرْضَهُ وَيُؤَدِّيَ دَيْنَهُ بِنَفْسِهِ وَإِلَّا فَيَبِيعُ الْقَاضِي عَلَيْهِ. (وَأَمَّا الثَّانِي) فَنَحْوُ الْمَرَضِ لِأَنَّهُ يُعْجِزُ عَنْ الْعَمَلِ وَالسَّفَرِ؛ لِأَنَّهُ يَحْتَاجُ إلَيْهِ وَتَرْكِ حِرْفَةٍ إلَى حِرْفَةٍ؛ لِأَنَّ مِنْ الْحِرَفِ مَا لَا يُغْنِيهِ مِنْ جُوعٍ وَمَانِعٍ يَمْنَعُهُ عَنْ الْعَمَلِ، كَذَا فِي الْبَدَائِعِ.

وَفِي الْمُعَامَلَةِ إذَا امْتَنَعَ أَحَدُهُمَا عَنْ الْمُضِيِّ عَلَيْهَا فَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ إلَّا بِعُذْرٍ، فَالْمُعَامَلَةُ لَازِمَةٌ مِنْ الْجَانِبَيْنِ، كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ.

قَالَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي الْأَصْلِ: وَإِذَا كَانَ الْبَذْرُ مِنْ قِبَلِ الْمُزَارِعِ وَقَالَ الْمُزَارِعُ: أَنَا أُرِيدُ تَرْكَ الْمُزَارَعَةِ فِي هَذِهِ السَّنَةِ، أَوْ قَالَ: أَنَا أُرِيدُ أَنْ أَزْرَعَ أَرْضًا أُخْرَى فِي هَذِهِ السَّنَةِ سِوَى هَذِهِ فَلَهُ ذَلِكَ وَكَانَ لَهُ أَنْ يَفْسَخَ الْمُزَارَعَةَ، كَذَا فِي الْمُحِيطِ. وَفِي الْإِبَانَةِ وَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ فَصْلُ الْمَرَضِ عَلَى التَّفْصِيلِ أَيْضًا عَلَى قِيَاسِ فَصْلِ السَّفَرِ، وَإِنْ أَخَذَهُ مُعَامَلَةً لِيَعْمَلَ بِنَفْسِهِ وَأُجَرَائِهِ لَا يَكُونُ مَرَضُهُ عُذْرًا، وَإِذَا أَخَذَهُ مُعَامَلَةً لِيَعْمَلَ بِنَفْسِهِ يَكُونُ مَرَضُهُ عُذْرًا، كَذَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة.

وَمِنْ الْعُذْرِ مِنْ قِبَلِ رَبِّ النَّخِيلِ وَرَبِّ الْأَرْضِ أَنْ يَلْحَقَهُ دَيْنٌ فَادِحٌ لَا وَفَاءَ لَهُ إلَّا مِنْ ثَمَنِ النَّخِيلِ أَوْ الْأَرْضِ، وَعِنْدَ ذَلِكَ لَا بُدَّ لِصِحَّةِ الْفَسْخِ مِنْ الْقَضَاءِ أَوْ الرِّضَا عَلَى رِوَايَةِ الزِّيَادَاتِ، وَعَلَى رِوَايَةِ كِتَابِ الْمُزَارَعَةِ وَالْإِجَارَاتِ وَالْجَامِعِ الصَّغِيرِ لَا يُحْتَاجُ فِيهِ إلَى قَضَاءٍ وَلَا إلَى الرِّضَا، بَعْضُ مَشَايِخِنَا الْمُتَأَخِّرِينَ أَخَذُوا بِرِوَايَةِ الزِّيَادَاتِ، وَبَعْضُهُمْ أَخَذُوا بِرِوَايَةِ الْأَصْلِ وَالْجَامِعِ الصَّغِيرِ، وَإِنْ طَلَبَ مِنْ الْقَاضِي النَّقْضَ قَبْلَ الْبَيْعِ فَالْقَاضِي لَا يُجِيبُهُ إلَى ذَلِكَ وَلَكِنْ يَبِيعُهُ بِنَفْسِهِ وَيَثْبُتُ الدَّيْنُ عِنْدَ الْقَاضِي حَتَّى يُمْضِيَ الْقَاضِي الْبَيْعَ وَيَنْقُضَ الْعَقْدَ حُكْمًا، كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ.

وَمَا يَنْفَسِخُ بِهِ عَقْدُ الْمُزَارَعَةِ بَعْدَ وُجُودِهِ فَأَنْوَاعٌ: (مِنْهَا) الْفَسْخُ وَهُوَ نَوْعَانِ صَرِيحٌ وَدَلَالَةٌ، فَالصَّرِيحُ أَنْ يَكُونَ بِلَفْظِ الْفَسْخِ وَالْإِقَالَةِ، وَالدَّلَالَةُ نَوْعَانِ: الْأَوَّلُ امْتِنَاعُ صَاحِبِ الْبَذْرِ عَنْ الْمُضِيِّ فِي الْعَقْدِ، فَإِذَا قَالَ: لَا أُرِيدُ مُزَارَعَةَ الْأَرْضِ يَنْفَسِخُ الْعَقْدُ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ غَيْرُ لَازِمٍ فِي حَقِّهِ فَكَانَ بِسَبِيلٍ مِنْ الِامْتِنَاعِ عَنْ الْمُضِيِّ فِيهِ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ. الثَّانِي حَجْرُ الْمَوْلَى عَلَى الْعَبْدِ الْمَأْذُونِ بَعْدَ مَا دَفَعَ الْأَرْضَ وَالْبَذْرَ مُزَارَعَةً. (وَمِنْهَا) انْقِضَاءُ مُدَّةِ الْمُزَارَعَةِ. (وَمِنْهَا) مَوْتُ صَاحِبِ الْأَرْضِ سَوَاءٌ مَاتَ قَبْلَ الزِّرَاعَةِ أَوْ بَعْدَهَا وَسَوَاءٌ أَدْرَكَ الزَّرْعُ أَوْ هُوَ بَقْلٌ. (وَمِنْهَا) مَوْتُ الْمُزَارِعِ سَوَاءٌ مَاتَ قَبْلَ الزِّرَاعَةِ أَوْ بَعْدَهَا بَلَغَ الزَّرْعُ حَدَّ الْحَصَادِ أَوْ لَمْ يَبْلُغْ، هَكَذَا فِي الْبَدَائِعِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>