للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الرَّأْيَ فِي ذَلِكَ إلَى الْقَيِّمِ يُعْطِي مِنْ شَاءَ مِنْ أَبْنَاءِ السَّبِيلِ وَأَيَّ قَدْرٍ شَاءَ وَسَلَّمَ ذَلِكَ كُلَّهُ إلَى فُلَانٍ بَعْدَ مَا جَعَلَهُ مُتَوَلِّيًا فِي ذَلِكَ وَيُلْحِقُ بِآخِرِهِ حُكْمَ الْحَاكِمِ.

[وَقْفِ الْعَقَارَاتِ]

(نَوْعٌ آخَرُ فِي وَقْفِ الْعَقَارَاتِ) وَأَنَّهُ عَلَى وُجُوهٍ كَثِيرَةٍ فَمِنْ جُمْلَةِ ذَلِكَ أَنَّهُ أَرَادَ أَنْ يَجْعَلَ دَارِهِ صَدَقَةً لِلْمَسَاكِينِ فِي حَيَاتِهِ وَبِهِ بَدَأَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَفِي بَابِ الْوَقْفِ فِي شُرُوطِ الْأَصْلِ قَالَ قُلْت: أَرَأَيْت إذَا أَرَادَ الرَّجُلُ أَنْ يَجْعَلَ دَارِهِ فِي حَيَاتِهِ صَدَقَةً لِلْمَسَاكِينِ هَلْ يَجُوزُ قَالَ يَعْنِي أَبَا حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: إنْ مَاتَ وَهُوَ فِي يَدِهِ يَصِيرُ مِيرَاثًا لِوَرَثَتِهِ وَلَمْ يَقُلْ لَا يَجُوزُ، وَإِنَّمَا لَمْ يَقُلْ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - الْوَقْفُ حَبْسُ الْأَصْلِ عَلَى مِلْكِ الْوَاقِفِ وَالتَّصَدُّقُ بِالْغَلَّةِ وَالثَّمَرَةِ وَمَنْفَعَةِ الدَّارِ وَالْأَرْضِ فَكَانَ كَالْعَارِيَّةِ وَالْعَارِيَّةُ جَائِزَةٌ غَيْرُ لَازِمَةٍ وَلَوْ مَاتَ الْمُعِيرُ تَصِيرُ مِيرَاثًا لِوَرَثَتِهِ فَكَذَا الْوَقْفُ عَلَى قَوْلِهِ قُلْت فَهَلْ فِي ذَلِكَ حِيلَةٌ حَتَّى تَجُوزَ هَذِهِ الصَّدَقَةُ وَلَا يَكُونَ لِأَحَدٍ نَقْضُهَا قَالَ إنْ نَقَضَ السُّلْطَانُ أَوْ وَارِثٌ هَذِهِ الصَّدَقَةَ فَهِيَ وَصِيَّةٌ مِنْ ثُلُثَيْنِ يُبَاعُ وَيُتَصَدَّقُ بِثَمَنِهَا عَلَى الْمَسَاكِينِ فَيَحْصُلُ الصِّيَانَةُ؛ لِأَنَّ الَّذِي يُرِيدُ إبْطَالَهُ يَعْلَمُ أَنَّهُ لَا يَسْتَفِيدُ بِهَذَا الْإِبْطَالِ شَيْئًا فَلَا يُبْطِلُهَا، ثُمَّ إنَّ أَبَا حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - قَالَ فِي تَعْلِيمِ الْحِيلَةِ يَقُولُ فَهِيَ وَصِيَّةٌ مِنْ ثُلُثٍ يُبَاعُ وَيُتَصَدَّقُ بِثَمَنِهَا عَلَى الْمَسَاكِينِ وَلَمْ يَقُلْ يَقُولُ فَهِيَ وَقْفٌ وَصَدَقَةٌ بَعْدَ وَفَاتِي فَإِنْ كَانَ الْوَقْفُ الْمُضَافُ إلَى مَا بَعْدَ الْمَوْتِ جَائِزًا لَازِمًا عِنْدَهُ إذَا كَانَ يَخْرُجُ مِنْ الثُّلُثِ.

كَانَ الْوَقْفُ الْمُضَافُ إلَى مَا بَعْدَ الْمَوْتِ فِي مَعْنَى الْوَصِيَّةِ وَمِنْ مَذْهَبِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فَيُبْطِلُهَا فَقَالَ مَا قَالَ تَحَرُّزًا عَنْ قَوْلِهِ قُلْت: فَكَيْفَ يَكْتُبُ؟ قَالَ: يَكْتُبُ هَذَا مَا عَهِدَ فُلَانٌ فِي حَيَاتِهِ عَهِدَ أَنَّهُ جَعَلَ دَارِهِ الَّتِي فِي بَنِي فُلَانٍ صَدَقَةً مَوْقُوفَةً لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ هَكَذَا كَانَ يَكْتُبُ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى وَالطَّحَاوِيُّ وَالْخَصَّافُ - رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى - كَانَا يَكْتُبَانِ هَذَا مَا تَصَدَّقَ بِهِ فُلَانُ بْنُ فُلَانٍ وَأَبُو زَيْدٍ الشُّرُوطِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - كَانَ يَكْتُبُ هَذَا مَا شَهِدَ عَلَيْهِ الشُّهُودُ الْمُسَمَّوْنَ آخِرَ هَذَا الْكِتَابِ أَنَّ فُلَانًا تَصَدَّقَ بِجَمِيعِ دَارِهِ، وَبَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ مِنْ أَهْلِ هَذِهِ الصَّنْعَةِ كَانَ يَكْتُبُ هَذَا كِتَابٌ مِنْ فُلَانٍ وَكَثِيرٌ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ كَانُوا يَكْتُبُونَ هَذَا مَا وَقَفَ وَتَصَدَّقَ وَكُلُّ ذَلِكَ جَائِزٌ وَحَسَنٌ، وَلَمْ يَصِفْ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - الدَّارَ بِكَوْنِهَا فَارِغَةً وَالطَّحَاوِيُّ وَالْخَصَّافُ - رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى - كَانَا يَكْتُبَانِ وَهِيَ دَارٌ فَارِغَةٌ وَإِنَّهُ حَسَنٌ؛ لِأَنَّ شَغْلَ الدَّارِ يَمْنَعُ جَوَازَ هَذِهِ الصَّدَقَةِ الْمَوْقُوفَةِ عَلَى قَوْلِ مَنْ يَرَى التَّسْلِيمَ إلَى الْمُتَوَلِّي شَرْطًا فَلَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِ هَذِهِ الزِّيَادَةِ لِيَقَعَ التَّحَرُّزُ عَنْ قَوْلِهِ، ثُمَّ قَالَ صَدَقَةً مَوْقُوفَةً لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، إنَّمَا قَالَ هَذَا حَتَّى تَمْتَازَ هَذِهِ الصَّدَقَةُ عَنْ الصَّدَقَةِ الْمُقَيَّدَةِ.

وَكَانَ الطَّحَاوِيُّ وَالْخَصَّافُ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى يَكْتُبَانِ صَدَقَةً مَوْقُوفَةً لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ مُؤَبَّدَةً مُحَرَّمَةً مُحْتَبَسَةً بَتَّةً بَتَلَةً لَا تُبَاعُ وَلَا تُوهَبُ وَلَا تُورَثُ وَلَا تُمْلَكُ بِوَجْهِ مِلْكٍ وَلَا تُتْلَفُ بِوَجْهِ تَلَفٍ قَائِمَةً عَلَى أُصُولِهَا مَحْفُوظَةً عَلَى شُرُوطِهَا مُسْبَلَةً عَلَى سُبُلِهَا الْمُسَمَّاةَ فِي هَذَا الْكِتَابِ حَتَّى يَرِثَهَا اللَّهُ تَعَالَى الَّذِي لَهُ مِيرَاثُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ.

ثُمَّ قَالَ: عَلَى أَنْ لَا تُؤَاجَرَ؛ لِأَنَّهُ أَوْصَى بِأَنْ يُتَصَدَّقَ بِغَلَّتِهَا وَالتَّصَدُّقُ بِالْغَلَّةِ لَا يَكُونُ إلَّا بِالْإِجَارَةِ فَقَدْ ذَكَرَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - الْإِجَارَةَ مُطْلَقَةً.

وَإِنَّمَا يَسْتَقِيمُ هَذَا الْإِطْلَاقُ إذَا أَرَادَ الْمُتَصَدِّقُ الْإِطْلَاقَ أَمَّا إذَا أَرَادَ أَنْ يُؤَاجِرَ سَنَةً فَسَنَةً يَذْكُرُ فِي الصَّكِّ عَلَى أَنْ يُؤَاجِرَ سَنَةً فَسَنَةً وَلَا يُؤَاجِرَ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ، وَإِذَا انْقَضَتْ سَنَةٌ يُؤَاجِرُ سَنَةً أُخْرَى، ثُمَّ يَكْتُبُ وَيُتَصَدَّقُ بِغَلَّتِهَا عَلَى الْمَسَاكِينِ أَبَدًا؛ لِأَنَّ التَّأْيِيدَ شَرْطُ صِحَّةِ الْوَقْفِ إلَّا عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -، وَإِنْ لَمْ يَكْتُبْ يُتَصَدَّقُ

<<  <  ج: ص:  >  >>