للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بِغَلَّتِهَا عَلَى الْمَسَاكِينِ يَجُوزُ عَلَى قَوْلِ عَامَّةِ مُجِيزِي الْوَقْفِ وَعَلَى قَوْلِ يُوسُفَ بْنِ خَالِدٍ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ لَفْظَةَ الصَّدَقَةِ لَا تَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ أَرَادَ جَمِيعَ الْمَسَاكِينِ فَالتَّصَدُّقُ عَلَى مِسْكِينٍ وَاحِدٍ جَائِزٌ وَلَوْ وَقَفَ عَلَى مِسْكِينٍ وَاحِدٍ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَأَبَّدُ، وَعِنْدَ عَامَّةِ مُجِيزِي الْوَقْفِ لَفْظَةُ الصَّدَقَةِ تَدُلُّ عَلَى إرَادَةِ جِنْسِ الْمَسَاكِينِ حَيْثُ أَطْلَقَ وَلَمْ يُعَيَّنْ وَاحِدًا فَصَارَ كَأَنَّهُ صَرَّحَ بِهِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ قَوْلِهِ مَالِي فِي الْمَسَاكِينِ صَدَقَةٌ وَإِذَا كَانَ فِي الْمَسْأَلَةِ خِلَافٌ لَا بُدَّ مِنْ التَّصْرِيحِ بِالْمَسَاكِينِ لِيَخْرُجَ عَنْ حَدِّ الِاخْتِلَافِ.

وَإِنْ أَرَادَ الْمُتَصَدِّقُ أَنْ يُتَصَدَّقَ بِغَلَّتِهَا عَلَى فُقَرَاءِ الْمَسَاكِينِ وَمَسَاكِينِهِمْ يَكْتُبُ وَيُتَصَدَّقُ بِغَلَّتِهَا عَلَى فُقَرَاءِ الْمُسْلِمِينَ وَمَسَاكِينِهِمْ وَأَهْلِ الْحَاجَةِ مِنْهُمْ أَبَدًا عَلَى مَا يَرَى وَالِي هَذِهِ الصَّدَقَةِ الَّذِي يَلِي يَوْمَئِذٍ مِنْ تَسْوِيَةِ ذَلِكَ بَيْنَهُمْ وَمِنْ تَخْصِيصِ بَعْضِهِمْ بِوَجْهٍ دُونَ وَجْهٍ بَعْدَ أَنْ يَتَوَخَّى أَيْ أَنْ يَبْتَغِيَ وَيَطْلُبَ أَفْضَلَ ذَلِكَ مَوْضِعًا وَأَعْظَمَهُ أَجْرًا، وَلَمْ يَذْكُرْ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي هَذَا الْكِتَابِ أَنَّهُ يَبْدَأُ أَوَّلًا بِمَا يُحَصَّلُ مِنْ غَلَّتِهَا بِمَرَمَّتِهَا وَعِمَارَتِهَا وَإِصْلَاحِهَا بِمَا فِيهَا مِنْ الْمُسْتَزَادِ فِي غَلَّاتِهَا وَأُجُورِ الْقَوَّامِينَ وَجَمِيعِ مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ، ثُمَّ مَا فَضَلَ مِنْ ذَلِكَ يَتَصَدَّقُ بِهِ عَلَى الْمَسَاكِينِ وَعَامَّةِ أَهْلِ الشُّرُوطِ يَكْتُبُونَ يَبْدَأُ أَوَّلًا بِمَا حُصِّلَ مِنْ غَلَّتِهَا بِمَرَمَّتِهَا وَعِمَارَتِهَا وَإِصْلَاحِهَا وَمَا فِيهِ مِنْ الْمُسْتَزَادِ مِنْ غَلَّتِهَا وَأُجُورِ الْقَوَّامِ عَلَيْهَا، ثُمَّ مَا فَضَلَ مِنْ ذَلِكَ يُصْرَفُ إلَى فُقَرَاءِ الْمُسْلِمِينَ وَمَسَاكِينِهِمْ أَبَدًا إلَّا أَنَّ مُحَمَّدًا - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لَمْ يَذْكُرْ ذَلِكَ نَصًّا؛ لِأَنَّهُ ثَابِتٌ اقْتِضَاءً فَإِنَّهُ قَالَ: يُتَصَدَّقُ بِغَلَّتِهَا عَلَى الْمَسَاكِينِ أَبَدًا وَلَا يُمْكِنُ التَّصَدُّقُ بِغَلَّتِهَا عَلَى الْمَسَاكِينِ أَبَدًا إلَّا بَعْدَ عِمَارَتِهَا وَمَرَمَّتِهَا وَالثَّابِتُ اقْتِضَاءً وَالثَّابِتُ نَصًّا سَوَاءٌ إلَّا أَنَّ عَامَّةَ أَهْلِ الشُّرُوطِ كَانُوا يَقُولُونَ: الثَّابِتُ نَصًّا أَقْوَى مِنْ الثَّابِتِ اقْتِضَاءً.

وَالْمُتَأَخِّرُونَ مِنْ أَهْلِ هَذِهِ الصَّنْعَةِ يَكْتُبُونَ فِي الْأَرْضِ وَالْكَرْمِ وَأَدَاءَ خَرَاجِهَا وَمُؤْنَتِهَا الَّتِي لَا بُدَّ مِنْهَا؛ لِأَنَّ الِاسْتِغْلَالَ بِدُونِهِ لَا يُمْكِنُ وَفِي الدَّارِ وَالْحَوَانِيتِ يَكْتُبُونَ وَأَدَاءَ مُؤْنَتِهَا وَالنَّوَائِبِ السُّلْطَانِيَّةِ الْمُوَظَّفَةِ؛ لِأَنَّهَا صَارَتْ بِمَنْزِلَةِ الْخَرَاجِ، ثُمَّ يَكْتُبُ بَعْدَ ذَلِكَ وَلَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ يُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ يَرُدَّ هَذِهِ الصَّدَقَةَ.

وَالطَّحَاوِيُّ وَالْخَصَّافُ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى يَزِيدَانِ عَلَى ذَلِكَ لِلتَّأْكِيدِ وَلَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ يُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ مِنْ سُلْطَانٍ أَوْ حَاكِمٍ أَوْ أَحَدٍ مِنْ عَرَضِ النَّاسِ أَنْ يُغَيِّرَ هَذِهِ الصَّدَقَةَ الْمَذْكُورَةَ فِي هَذَا الْكِتَابِ وَأَنْ يُبَدِّلَهَا وَأَنْ يُبْطِلَهَا وَأَنْ يُعِينَ أَحَدًا عَلَى نَقْضِهَا فَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَقَدْ بَاءَ بِإِثْمِهِ وَأَجْرُ فُلَانٍ يَعْنِي الْمُتَصَدِّقَ فِيمَا نَوَى مِنْ ذَلِكَ وَاحْتَسَبَ عَلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ.

وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَا يَكْتُبُ وَلَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ يُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ يَرُدَّ هَذِهِ الصَّدَقَةَ؛ لِأَنَّ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - يَجُوزُ نَقْضُ هَذِهِ الصَّدَقَةِ وَلَوْ نُقِضَتْ عَادَتْ إلَى مِلْكِ الْمَالِكِ كَمَا كَانَتْ وَلَا يَكُونُ آثِمًا فَتَكُونُ هَذِهِ الْكَلِمَاتُ كَذِبًا عَلَى قَوْلِهِ وَيَبْطُلُ بِهِ الْوَقْفُ لَوْ شَرَطَ ذَلِكَ فِي الْوَقْفِ، ثُمَّ يَكْتُبُ بَعْدَ ذَلِكَ وَدَفَعَ فُلَانٌ الْمُتَصَدِّقُ هَذِهِ الدَّارَ إلَى فُلَانٍ وَسَلَّمَهَا إلَيْهِ بَعْدَ مَا جَعَلَهُ فِيهَا مُتَوَلِّيًا لِأُمُورِ هَذِهِ الصَّدَقَةِ وَقَبَضَ فُلَانٌ ذَلِكَ مِنْهُ وَلَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِ التَّسْلِيمِ إلَى الْمُتَوَلِّي؛ لِأَنَّ التَّسْلِيمَ إلَى الْمُتَوَلِّي شَرْطُ صِحَّةِ الْوَقْفِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى، وَلَمْ يَكْتُبْ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي آخِرِ هَذَا الْكِتَابِ عَلَى أَنَّ لِلْمُتَوَلِّي أَنْ يُوَلِّيَ غَيْرَهُ مِنْ الْوُكَلَاءِ وَالْأَوْصِيَاءِ يَسْتَبْدِلُ بِهِمْ مَنْ شَاءَ وَأَحَبَّ، وَيَنْبَغِي أَنْ يَكْتُبَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ مِنْ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ: لَا يَمْلِكُ الْوَصِيُّ وَلَا الْمُتَوَلِّي أَنْ يُؤَكِّلَ غَيْرَهُ إلَّا إذَا فُوِّضَ ذَلِكَ إلَيْهِ كَمَا فِي حَالِ الْحَيَاةِ وَإِذَا فُوِّضَ إلَيْهِ ذَلِكَ وَوَكَّلَ غَيْرَهُ لَا يَمْلِكُ عَزْلَهُ إلَّا إذَا فُوِّضَ إلَيْهِ الْعَزْلُ قَالَ، ثُمَّ يَكْتُبُ فَإِنْ رَدَّ سُلْطَانٌ أَوْ غَيْرُهُ أَوْ طَعَنَ فِيهَا طَاعِنٌ فَهِيَ وَصِيَّةٌ مِنْ ثُلُثِ فُلَانٍ يُبَاعُ وَيُتَصَدَّقُ بِثَمَنِهَا عَلَى الْمَسَاكِينِ وَإِنَّمَا يَكْتُبُ هَذَا صِيَانَةً لِهَذَا الْوَقْفِ عَنْ النَّقْضِ عَلَى مَا مَرَّ مِنْ قَبْلِ هَذَا فَإِنْ أُلْحِقَ بِآخِرِ هَذَا الْكِتَابِ حُكْمُ الْحَاكِمِ بِصِحَّةِ هَذَا

<<  <  ج: ص:  >  >>