للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْوَقْفِ وَلُزُومِهِ عَلَى نَحْوِ مَا بَيَّنَّا قَبْلَ هَذَا تَحْصُلُ بِهِ الصِّيَانَةُ أَيْضًا.

(صَدَرَ صَكُّ الْوَقْفِ مِنْ إنْشَاءِ نَجْمِ الدِّينِ النَّسَفِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) هَذَا مَا وَقَفَ وَتَصَدَّقَ بِهِ الْعَبْدُ الْمُسْرِفُ فِي الذَّنْبِ الْحَسَنُ الظَّنِّ بِعَفْوِ الرَّبِّ فُلَانٌ ابْتِغَاءً لِوَجْهِ اللَّهِ تَعَالَى وَطَلَبًا لِثَوَابِهِ وَتَحَرِّيًا لِمَرْضَاتِهِ وَهَرَبًا مِنْ أَلِيمِ عَذَابِهِ وَشَدِيدِ عِقَابِهِ حِينَ رَأَى نِعَمَ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْهِ مُتَوَافِرَةً وَآلَاءَهُ لَدَيْهِ مُتَظَاهِرَةً وَقَدْ اخْتَصَّهُ بِمَا حُرِمَهُ غَيْرُهُ مِنْ أَشْكَالِهِ وَنُظَرَائِهِ وَأَتَاهُ مَا لَمْ يُؤْتِ أَحَدًا مِنْ أَمْثَالِهِ وَقُرَنَائِهِ مِنْ أَجْنَاسِ خَلْقِهِ أَنْشَأَهُ فِي عِزٍّ وَوَجَاهَةٍ وَعَمَّرَهُ فِي رَخَاءِ عَيْشٍ وَرَفَاهَةٍ وَارْتِفَاعِ ذِكْرٍ وَتَمْكِينٍ وَشَرَفِ قَدْرٍ وَاتِّسَاعِ يَمِينٍ، ثُمَّ رَأَى نَفْسَهُ فِي انْتِقَاصٍ وَحَوَاسَّهُ فِي كَلَالٍ وَانْتِقَاصٍ قَدْ ذَهَبَتْ قُوَاهَا وَانْتَقَضَتْ عُرَاهَا وَقَلَّ كَرَاهَا وَكَثُرَ شَكْوَاهَا وَابْيَضَّ مِنْهُ الشَّعْرُ وَانْحَنَى لَهُ الظَّهْرُ قَدْ قَارَبَ الزَّوَالَ وَأَشْرَفَ عَلَى الِارْتِحَالِ، وَأَحَبَّ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ دُنْيَاهُ لِآخِرَتِهِ وَيَتَزَوَّدَ مِنْ أُولَاهُ لِعَاقِبَتِهِ وَيُقَدِّمَ فِي يَوْمِهِ لِغَدِهِ مِنْ أَطْيَبِ ذَاتِ يَدِهِ ذُخْرًا لِوَقْتِ حَاجَتِهِ وَعُدَّةً لِفَقْرِهِ وَفَاقَتِهِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ} [آل عمران: ٩٢] وَلِمَا بَلَغَهُ مِنْ الْآثَارِ وَنُقِلَ فِي الْأَخْبَارِ، مَكْتُوبٌ عَلَى بَابِ الْجَنَّةِ ثَلَاثَةُ أَسْطُرٍ: الْأَوَّلُ: لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ. وَالثَّانِي: أُمَّةٌ مُذْنِبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ. وَالثَّالِثُ: وَجَدْنَا مَا عَمِلْنَا وَرَبِحْنَا مَا قَدَّمْنَا وَخَسِرْنَا مَا خَلَّفْنَا.

وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «يَقُولُ ابْنُ آدَمَ: مَالِي مَالِي وَهَلْ لَك مِنْ مَالِك إلَّا مَا أَكَلْتَ فَأَفْنَيْتَ أَوْ لَبِسْتَ فَأَبْلَيْتَ أَوْ تَصَدَّقْتَ فَأَمْضَيْتَ» وَعَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ الْجُهَنِيِّ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «ظِلُّ الْمُؤْمِنِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ صَدَقَتُهُ» وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «الصَّدَقَةُ تُطْفِئُ غَضَبَ الرَّبِّ» فَأَنْفَقَ مِمَّا رَزَقَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي رِضَاهُ عَاجِلًا رَاجِيًا نَفَقَتَهُ آجِلًا رَغْبَةً فِي مَوْعُودِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي قَوْلِهِ «خَيْرُ مَا يَخْلُفُ الرَّجُلَ بَعْدَ مَوْتِهِ ثَلَاثَةٌ: وَلَدٌ صَالِحٌ يَدْعُو لَهُ، وَصَدَقَةٌ جَارِيَةٌ يَبْلُغُهُ أَجْرُهَا، وَعِلْمٌ يُعْمَلُ بِهِ مِنْ بَعْدِهِ» فَأَحَبَّ أَنْ يَنْدَرِجَ فِي جُمْلَةِ مَنْ لَا يَنْقَطِعُ عَمَلُهُ إذَا دَنَا أَجَلُهُ فَوَقَفَ وَتَصَدَّقَ مِنْ خَالِصِ مَالِهِ وَطَيِّبِ كَسْبِهِ بِكَذَا، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.

(صَكٌّ قَدِيمٌ طَوِيلٌ فِي اتِّخَاذِ الْمَدْرَسَةِ وَالْوَقْفِ عَلَيْهَا) هَذَا مَا احْتَسَبَ بِإِنْفَاقِهِ وَتَصَدَّقَ بِهِ الْخَاقَانُ الْأَجَلُّ السَّيِّدُ الْمَلِكُ الْمُظَفَّرُ الْمُؤَيَّدُ الْعَدْلُ عِمَادُ الدَّوْلَةِ وَتَاجُ الْمِلَّةِ طمغاج يغراقراخان أَبُو إِسْحَاقَ إبْرَاهِيمُ بْنُ نَصْرٍ سَيْفُ خَلِيفَةُ اللَّهِ تَعَالَى أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ أَعْلَى اللَّهُ تَعَالَى أَمْرَهُ وَأَعَزَّ نَصْرَهُ تَقَرُّبًا إلَى الرَّبِّ الْجَلِيلِ وَطَلَبًا لِلثَّوَابِ الْجَزِيلِ وَهَرَبًا مِنْ الْعَذَابِ وَالتَّنْكِيلِ وَرَغْبَةً فِي وَعْدِهِ الْجَمِيلِ عَلَى مَا نَطَقَ بِهِ مُحْكَمُ التَّنْزِيلِ، وَهُوَ قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ {وَمَا تُقَدِّمُوا لأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ أَجْرًا} [المزمل: ٢٠] وَرُوِيَ فِي الْأَخْبَارِ عَنْ النَّبِيِّ الْمُخْتَارِ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَلَى آلِهِ الْأَبْرَارِ وَصَحْبِهِ «إذَا مَاتَ ابْنُ آدَمَ انْقَطَعَ عَمَلُهُ إلَّا فِي ثَلَاثَةٍ: وَلَدٌ صَالِحٌ يَدْعُو لَهُ بَعْدَ وَفَاتِهِ، وَصَدَقَةٌ جَارِيَةٌ، وَعِلْمٌ يَعْمَلُ بِهِ النَّاسُ» وَأَحَبَّ أَنْ يَتَدَرَّجَ فِي عِدَادِ مَنْ لَا يَنْقَطِعُ عَمَلُهُ وَأَنْ يُقَدِّمَ لِنَفْسِهِ خَيْرًا يَكُونُ لَهُ عِنْدَ اللَّهِ وَزَادًا لِلْمَعَادِ وَذَخِيرَةً بَاقِيَةً لِيَوْمِ التَّنَادِّ {يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا} [آل عمران: ٣٠] الْآيَةَ فَأَمَرَ بِاِتِّخَاذِ مَدْرَسَةٍ تَكُونُ مَجْمَعًا لِأَهْلِ الْعِلْمِ وَالدِّينِ مُتَّصِلَةً بِالْمَشْهَدِ مُشْتَمِلَةً عَلَى مَسْجِدٍ وَمَوَاضِعَ لِدَرْسِ الْعِلْمِ وَمَكْتَبَةٍ لِتَعْلِيمِ الْقُرْآنِ وَمَجْلِسِ مُقْرِئٍ يُقْرِئُ النَّاسَ الْقُرْآنَ وَمَجْلِسِ مُؤَدِّبٍ يُعَلِّمُ النَّاسَ الْأَدَبَ وَدُوَيْرَاتٍ وَسَاحَةٍ وَبُسْتَانٍ وَجَمَعَ فِي ذَلِكَ شَرَائِطَ الصِّحَّةِ عَلَى مَا اقْتَضَى الْعِلْمُ صِحَّةَ تِلْكَ الصَّدَقَاتِ عَلَى وُجُوهِهَا الْمُشْتَمِلَةِ عَلَيْهَا، وَجَمِيعُ ذَلِكَ دَاخِلُ مَدِينَةِ سَمَرْقَنْدَ بِمُوضَعٍ مِنْهَا يُعْرَفُ مِنْهَا بِالْبَابِ الْجَدِيدِ وَأَحَدُ حُدُودِ جَوَانِبِهَا لَزِيقُ الشَّارِعِ

<<  <  ج: ص:  >  >>