للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْمُضَافِ، يَعْنِي مَشَايِخَنَا مَالُوا عَنْ تَجْوِيزِ حُكْمِ الْحَاكِمِ الْمُحَكَّمِ فِيهِ، قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: وَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ يَجُوزُ حُكْمُ الْحَاكِمِ الْمُحَكَّمِ فِيهِ فِي مِثْلِ هَذِهِ الْمُجْتَهَدَاتِ، وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ مَا ذُكِرَ فِي كِتَابِ الصُّلْحِ فِي مَوَاضِعَ أَنَّهُ يَنْفُذُ حُكْمُ الْحَاكِمِ الْمُحَكَّمِ فِي كُلِّ شَيْءٍ إلَّا فِي الْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ وَاللِّعَانِ، وَلَكِنْ لَا يُفْتَى لِلْعَوَامِّ بِهَذَا كَيْ لَا يَتَجَاوَزُوا الْحَدَّ وَلَا يَتَخَبَّطُوا بِهِ إلَّا أَنَّ حُكْمَ الْحَاكِمِ الْمُحَكَّمِ لَا يَلْزَمُ فِي حَقِّ الْقَاضِي الْمُوَلَّى، حَتَّى لَوْ رَفَعَ حُكْمَهُ إلَى قَاضٍ مُوَلًّى يَرَى إبْطَالَهُ وَأَبْطَلَهُ صَحَّ إبْطَالُهُ إذَا شَرْطًا فِي الْمُزَارَعَةِ أَنَّ صَاحِبَ الْبَذْرِ يَرْفَعُ قَدْرَ بَذْرِهِ وَيَكُونُ الْبَاقِي بَيْنَهُمَا فَهَذِهِ الْمُزَارَعَةُ فَاسِدَةٌ؛ لِأَنَّ هَذَا شَرْطٌ يَقْطَعُ الشَّرِكَةَ فِي الْخَارِجِ عَسَى.

وَمِثْلُ هَذَا الشَّرْطِ يُوجِبُ فَسَادَ الْمُزَارَعَةِ فَالْحِيلَةُ فِي ذَلِكَ أَنْ يَنْظُرَ صَاحِبُ الْبَذْرِ إلَى مِقْدَارِ بَذْرِهِ وَإِلَى مِقْدَارِ مَا يَخْرُجُ مِنْ مِثْلِ تِلْكَ الْأَرْضِ عَادَةً حَتَّى يَعْلَمَ أَنَّ بَذْرَهُ مِنْ الْخَارِجِ كَمْ يَكُونُ، فَإِنْ كَانَ قَدْرُ بَذْرِهِ مِنْ الْخَارِجِ الْعُشْرَ يَشْتَرِطُ لِنَفْسِهِ الْعُشْرَ، وَإِنْ كَانَ قَدْرُ بَذْرِهِ الثُّلُثَ يَشْتَرِطُ لِنَفْسِهِ الثُّلُثَ، وَعَلَى هَذَا الْقِيَاسُ فَافْهَمْ. وَفِي الْقُدُورِيِّ إذَا دَفَعَ بَذْرًا إلَى رَجُلٍ لِيَزْرَعَهُ فِي أَرْضِهِ بِنِصْفِ الْخَارِجِ فَالْمُزَارَعَةُ فَاسِدَةٌ إلَّا فِي رِوَايَةٍ عَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فَإِنْ طَلَبًا حِيلَةً فِي ذَلِكَ حَتَّى تَجُوزَ بِلَا خِلَافٍ فَالْحِيلَةُ أَنْ يَشْتَرِيَ صَاحِبُ الْأَرْضِ مِنْ صَاحِبِ الْبَذْرِ نِصْفَ بَذْرِهِ وَيُبَرِّئَهُ صَاحِبُ الْبَذْرِ عَنْ الثَّمَنِ ثُمَّ يَقُولَ صَاحِبُ الْأَرْضِ: ازْرَعْ أَرْضَك بِالْبَذْرِ كُلِّهِ عَلَى أَنَّ الْخَارِجَ بَيْنَنَا نِصْفَانِ، كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ.

[الْفَصْلُ السَّادِسُ وَالْعِشْرُونَ فِي الْوَصِيِّ وَالْوَصِيَّةِ]

(الْفَصْلُ السَّادِسُ وَالْعِشْرُونَ فِي الْوَصِيِّ وَالْوَصِيَّةِ) رَجُلٌ جَعَلَ رَجُلًا وَصِيَّهُ فِي مَالِهِ بِالْكُوفَةِ وَجَعَلَ رَجُلًا آخَرَ وَصِيَّهُ فِي مَالِهِ بِالشَّامِ وَجَعَلَ رَجُلًا آخَرَ وَصِيَّهُ فِي مَالِهِ بِبَغْدَادَ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: هَؤُلَاءِ كُلُّهُمْ أَوْصِيَاءُ الْمَيِّتِ فِي جَمِيعِ تَرِكَاتِهِ بِالْكُوفَةِ وَالشَّامِ وَبَغْدَادَ وَعَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ يَكُونُ وَصِيًّا فِي الْمَكَانِ الَّذِي أُوصِي إلَيْهِ خَاصَّةً. وَقَوْلُ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - مُضْطَرِبٌ فِي الْكُتُبِ فَالْحَاصِلُ أَنَّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - الْوِصَايَةُ لَا تَقْبَلُ التَّخْصِيصَ بِنَوْعٍ وَاحِدٍ وَبِمَكَانٍ وَاحِدٍ وَزَمَانٍ وَاحِدٍ بَلْ تَعُمُّ فِي الْأَنْوَاعِ وَالْأَمْكِنَةِ كُلِّهَا، وَعَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - تُتَخَصَّصُ بِنَوْعٍ وَمَكَانٍ، وَقَوْلُ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - مُضْطَرِبٌ، هَكَذَا ذَكَرَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ الْأَجَلُّ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيُّ فِي شَرْحِ حِيَلِ الْخَصَّافِ.

وَذَكَرَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ الْأَجَلُّ شَيْخُ الْإِسْلَامِ فِي شَرْحِ حِيَلِ الْأَصْلِ قَوْلَ أَبِي يُوسُفَ مَعَ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَذَكَرَ قَوْلَ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ يَصِيرُ وَصِيًّا فِي الْمَكَانِ الَّذِي خَصَّهُ وَفِي النَّوْعِ الَّذِي خَصَّهُ، ثُمَّ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - إذَا صَارَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ وَصِيًّا وَقَيِّمًا فِي جَمِيعِ التَّرِكَةِ لَا يَنْفَرِدُ أَحَدُهُمْ بِالتَّصَرُّفِ وَإِنْ كَانَتْ الْوِصَايَةُ مُتَفَرِّقَةً فَإِنْ أَرَادَ أَنْ يَكُونَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الْأَوْصِيَاءِ وَصِيًّا فِي جَمِيعِ التَّرِكَةِ وَيَنْفَرِدَ بِالتَّصَرُّفِ

<<  <  ج: ص:  >  >>