للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إذَا أَوْصَى بِوَصَايَا فَالْقِيَاسُ أَنْ لَا تَجُوزَ وَصَايَاهُ، وَفِي الِاسْتِحْسَانِ تَجُوزُ وَصَايَاهُ مَا وَافَقَ وَصَايَا أَهْلِ الصَّلَاحِ، وَلَا يَعُدُّونَ ذَلِكَ سَرَفًا مِنْ الْمُوصِي وَلَا يَسْتَفْحِشُونَهَا فِيمَا بَيْنَهُمْ، وَكَذَلِكَ لَمْ يَكُنْ فِي الْمَحْضَرِ أَوْصَى لَهُ طَائِعًا، وَلَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِ الطَّوَاعِيَةِ فَإِنَّ وَصِيَّةَ الْمُكْرَهِ لَا تَصِحُّ وَزَعَمَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا - رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى - عِلَّةً أُخْرَى لِرَدِّ الْمَحْضَرِ وَهُوَ تَرْكُ ذِكْرِ حُرِّيَّةِ الْمُوصِي فِي الْمَحْضَرِ، وَهَذَا وَهْمٌ؛ لِأَنَّ الْحُرِّيَّةَ صَارَتْ مُسْتَفَادَةً مِنْ قَوْلِهِ أَوْصَى لَهُ بِثُلُثِ مَالِهِ.

[مَحْضَرٌ فِيهِ دَعْوَى الْكَفَالَةِ]

(مَحْضَرٌ فِيهِ دَعْوَى الْكَفَالَةِ) صُورَتُهُ ادَّعَى هَذَا الْحَاضِرُ عَلَى هَذَا الْمُحْضَرِ مَعَهُ أَنَّهُ كَفَلَ لِي بِنَفْسِ فُلَانٍ عَلَى أَنَّهُ مَتَى لَمْ يُسَلِّمْهُ إلَيَّ يَوْمَ كَذَا فَهُوَ كَفِيلٌ بِالْمَالِ الَّذِي لِي عَلَيْهِ، وَذَلِكَ أَلْفُ دِرْهَمٍ مَثَلًا وَأَنِّي قَدْ أَجَزْتُ كَفَالَتَهُ، ثُمَّ أَنَّهُ لَمْ يُسَلِّمْ نَفْسَ فُلَانٍ إلَيَّ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ الَّذِي عَيَّنَّهُ لِتَسْلِيمِ النَّفْسِ فِيهِ وَصَارَ كَفِيلًا بِالْمَالِ الَّذِي لِي عَلَيْهِ، وَذَلِكَ أَلْفٌ وَطَالَبَهُ بِذَلِكَ، وَسَأَلَ مَسْأَلَتَهُ (فَرُدَّ الْمَحْضَرُ) بِعِلَّةِ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ فِي الْمَحْضَرِ ذِكْرُ الْأَلْفِ الَّتِي ادَّعَى الْكَفَالَةَ بِهَا أَنَّهَا مَاذَا.

وَلَا بُدَّ مِنْ بَيَانِ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ مِنْ الْأَمْوَالِ مَا لَا تَصِحُّ الْكَفَالَةُ بِهِ كَبَدَلِ الْكِتَابَةِ وَالدِّيَةِ وَأَشْبَاهِ ذَلِكَ فَلَا بُدَّ مِنْ بَيَانِ الْأَلْفِ أَنَّهَا مَاذَا حَتَّى يُنْظَرَ أَنَّهُ هَلْ تَصِحُّ الْكَفَالَةُ بِهِ، وَإِنَّ دَعْوَى الْكَفَالَةِ هَلْ هِيَ مَسْمُوعَةٌ أَوْ لَا وَعِلَّةٌ أُخْرَى أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ فِي الْمَحْضَرِ أَنَّهُ أَجَازَ الْكَفَالَةَ فِي مَجْلِسِ الْكَفَالَةِ، وَلَا بُدَّ مِنْ إجَازَةِ الْكَفَالَةِ فِي مَجْلِسِ الْكَفَالَةِ فَإِنَّ مَنْ كَفَلَ لِغَائِبٍ، وَلَمْ يَقْبَلْ عَنْهُ أَحَدٌ فِي مَجْلِسِ الْكَفَالَةِ، وَلَا خَاطَبَ عَنْهُ أَجْنَبِيٌّ فِي مَجْلِسِ الْكَفَالَةِ فَبَلَغَ الْغَائِبَ ذَلِكَ وَأَجَازَ لَا تَصِحُّ الْكَفَالَةُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ - رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى - وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - الْأَوَّلُ، وَبَعْضُ مَشَايِخِنَا - رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى - قَالُوا: دَعْوَى الْإِجَازَةِ فِي الْكَفَالَةِ لَيْسَ بِشَرْطٍ وَدَعْوَى الْكَفَالَةِ يَتَضَمَّنُ دَعْوَى الْإِجَازَةِ كَمَا أَنَّ دَعْوَى الْبَيْعِ يَتَضَمَّنُ دَعْوَى الشِّرَاءِ، ثُمَّ عَلَى قَوْلِ مَنْ يَقُولُ بِأَنَّ دَعْوَى الْإِجَارَةِ شَرْطٌ يَشْتَرِطُ دَعْوَى الْإِجَازَةِ فِي مَجْلِسِ الْكَفَالَةِ، وَلَوْ قَالَ: أَجَزْتُ الْكَفَالَةَ فِي مَجْلِسِي، وَلَمْ يَقُلْ فِي مَجْلِسِ الْكَفَالَةِ فَذَلِكَ لَا يَكْفِي فَلَعَلَّ الْمَكْفُولَ لَهُ لَمْ يُجِزْ الْكَفَالَةَ حَتَّى قَامَ الْكَفِيلُ عَنْ الْمَجْلِسِ وَذَهَبَ، ثُمَّ أَجَازَ فَذَلِكَ إجَازَةٌ فِي مَجْلِسِ الْمَكْفُولِ لَهُ إلَّا أَنَّهَا لَيْسَتْ بِمُعْتَبَرَةٍ بِالْإِجْمَاعِ.

وَلَوْ ادَّعَى الْكَفَالَةَ مَرَّةً، وَلَمْ يَدَّعِ الْإِجَازَةَ، ثُمَّ ادَّعَى الْكَفَالَةَ مَرَّةً أُخْرَى وَادَّعَى الْإِجَازَةَ فِي مَجْلِسِ الضَّمَانِ كَانَ ذَلِكَ صَحِيحًا.

[مَحْضَرٌ فِي دَعْوَى الْمَهْرِ بِحُكْمِ الضَّمَانِ]

(مَحْضَرٌ فِي دَعْوَى الْمَهْرِ بِحُكْمِ الضَّمَانِ) صُورَتُهُ امْرَأَةٌ ادَّعَتْ عَلَى رَجُلٍ أَنَّهَا كَانَتْ مَنْكُوحَةَ فُلَانٍ تَزَوَّجَهَا عَلَى أَلْفِ دِرْهَمٍ نِكَاحًا صَحِيحًا، وَهَذَا الرَّجُلُ ضَمِنَ لِي جَمِيعَ الْمَهْرِ ضَمَانًا صَحِيحًا، وَقَدْ أَجَزْتُ ضَمَانَهُ فِي مَجْلِسِ الضَّمَانِ، ثُمَّ إنِّي صِرْتُ مُحَرَّمَةً عَلَى زَوْجِي فُلَانٍ حُرْمَةً غَلِيظَةً وَصَارَ مَهْرِي عَلَى زَوْجِي فُلَانٍ، وَعَلَى هَذَا الَّذِي ضَمِنَ الْمَهْرَ لِي عَنْهُ حَالًّا فَوَاجِبٌ عَلَيْهِ أَدَاءُ جَمِيعِ مَهْرِي، وَذَلِكَ أَلْفُ دِرْهَمٍ وَطَالَبَتْهُ بِذَلِكَ، وَسَأَلَتْهُ مَسْأَلَتَهُ (فَرُدَّ الْمَحْضَرُ) بِسَبَبِ أَنَّهَا لَمْ تُبَيِّنْ سَبَبَ الْحُرْمَةِ أَنَّهَا بِأَيِّ سَبَبٍ حُرِّمَتْ عَلَيْهِ وَأَسْبَابُ الْحُرْمَةِ نَوْعَانِ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَمُخْتَلَفٌ فِيهِ وَلَعَلَّ أَنَّهَا زَعَمَتْ الْحُرْمَةَ بِسَبَبٍ مُخْتَلَفٍ فِيهِ وَيَكُونُ عِنْدَ الْمُفْتِي وَالْقَاضِي بِخِلَافِ مَا زَعَمَتْ، وَلِأَنَّ الْحُرْمَةَ الْغَلِيظَةَ قَدْ تَكُونُ لِمَعْنًى مِنْ جِهَتِهَا وَأَنَّهَا تُوجِبُ سُقُوطَ جَمِيعِ الصَّدَاقِ عَنْ الزَّوْجِ وَالْكَفِيلِ جَمِيعًا إذَا كَانَ قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا، وَقَدْ تَكُونُ لِمَعْنًى مِنْ جِهَةِ الزَّوْجِ وَأَنَّهَا تُوجِبُ سُقُوطَ نِصْفِ الصَّدَاقِ عَنْ الزَّوْجِ وَالْكَفِيلِ إذَا كَانَ قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا وَهِيَ لَمْ تُبَيِّنْ أَنَّ الْحُرْمَةَ كَانَتْ لِمَعْنًى مِنْ جِهَةِ الزَّوْجِ أَوْ مِنْ جِهَةِ الْمَرْأَةِ قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا أَوْ بَعْدَ الدُّخُولِ بِهَا فَلَا تَسْتَقِيمُ دَعْوَى جَمِيعِ الْمَهْرِ عَلَى الْكَفِيلِ مِنْ غَيْرِ بَيَانِ ذَلِكَ.

[مَحْضَرٌ فِي دَعْوَى الْكَفَالَةِ بِشَيْءٍ مِنْ الصَّدَاقِ]

(مَحْضَرٌ فِي دَعْوَى الْكَفَالَةِ بِشَيْءٍ مِنْ الصَّدَاقِ مُعَلَّقَةً بِوُقُوعِ الْفُرْقَةِ) صُورَتُهُ امْرَأَةٌ ادَّعَتْ عَلَى رَجُلٍ أَنَّكَ كَفَلْتَ لِي عَنْ زَوْجِي فُلَانٍ بِدِينَارٍ أَحْمَرَ جَيِّدٍ مِنْ الصَّدَاقِ الَّذِي لِي عَلَى زَوْجِي فُلَانٍ كَفَالَةً مُعَلَّقَةً بِوُقُوعِ الْفُرْقَةِ بَيْنَنَا، وَقَدْ أَجَزْتُ ضَمَانَكَ فِي مَجْلِسِ الضَّمَانِ، وَقَدْ وَقَعَتْ الْفُرْقَةُ بَيْنِي وَبَيْنَ زَوْجِي بِسَبَبِ أَنَّ الزَّوْجَ جَعَلَ أَمْرِي بِيَدَيَّ عَلَى أَنَّهُ مَتَى غَابَ عَنِّي شَهْرًا فَأَنَا أُطَلِّقُ نَفْسِي تَطْلِيقَةً بَائِنَةً.

وَقَدْ غَابَ عَنِّي شَهْرًا مِنْ تَارِيخِ الْأَمْرِ وَطَلَّقْتُ نَفْسِي بِحُكْمِ ذَلِكَ الْأَمْرِ وَصِرْتَ كَفِيلًا لِي بِدِينَارٍ مِنْ صَدَاقِي فَوَاجِبٌ عَلَيْكَ أَدَاءُ الدِّينَارِ إلَيَّ، وَأَقَامَتْ الْبَيِّنَةَ عَلَى جَمِيعِ ذَلِكَ فَأَفْتَوْا بِصِحَّةِ الْمَحْضَرِ، وَقَالُوا بِقَبُولِ بَيِّنَتِهَا وَبِالْقَضَاءِ عَلَى الْكَفِيلِ بِالدِّينَارِ، قَالُوا

<<  <  ج: ص:  >  >>