للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

شَيْئًا مِنْهَا أَصْلًا؛ لِأَنَّ الرِّضَا غَيْرُ ثَابِتٍ، كَذَا فِي الْفَتَاوَى الْكُبْرَى. .

أَرَاضِي مُشَاعَةٌ بَيْنَ قَوْمٍ عَمَدَ بَعْضُهُمْ إلَى شَيْءٍ مِنْهَا فَزَرَعَهُ بِبَذْرِهِ وَسَاقَ الْبَعْضُ الْمَاءَ الْمُشْتَرَكَ بَيْنَهُمْ وَاشْتَرَكَ الْأَرْضَ عَلَى هَذِهِ الصِّفَةِ سِنِينَ، وَذَلِكَ كُلُّهُ بِغَيْرِ أَمْرِ شُرَكَائِهِ، إنْ كَانَ الَّذِي اُشْتُغِلَ مِنْ الْأَرْضِ هُوَ مِقْدَارُ حِصَّتِهِ لَوْ حُمِلَ عَلَى الْمُهَايَأَةِ، وَكَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ يَتَهَايَئُونَ وَلَمْ يَكُنْ شُرَكَاؤُهُ طَلَبُوا الْقِسْمَةَ، فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ فِيمَا اُشْتُغِلَ وَلَا يُشْرِكُهُ شُرَكَاؤُهُ فِيمَا اشْتَرَكَ مِنْ ذَلِكَ، كَذَا فِي خِزَانَةِ الْمُفْتِينَ. .

فِي بَعْضِ الْكُتُبِ رَجُلٌ زَرَعَ أَرْضَ غَيْرِهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ ثُمَّ إنَّ الزَّارِعَ قَالَ لِرَبِّ الْأَرْضِ: ادْفَعْ إلَيَّ بَذْرِي وَأَكُونُ أَكَّارًا لَكَ فَدَفَعَ، فَقَدْ قِيلَ: إنْ كَانَ الزَّارِعُ قَالَ هَذَا وَقْتَ كَانَتْ الْحِنْطَةُ الْمَبْذُورَةُ قَائِمَةً فِي الْأَرْضِ فَذَلِكَ جَائِزٌ، وَيَصِيرُ الزَّارِعُ مُمَلَّكًا الْحِنْطَةَ الْمَزْرُوعَةَ بِحِنْطَةٍ مِثْلِهَا وَذَلِكَ جَائِزٌ، وَيَصِيرُ الزَّارِعُ أَكَّارًا لَهُ، وَتَكُونُ هَذِهِ الْمُزَارَعَةُ فَاسِدَةً عَلَى مَا هُوَ جَوَابُ الْكِتَابِ؛ لِأَنَّهُمَا لَمْ يُبَيِّنَا مُدَّةَ الْمُزَارَعَةِ، وَإِنْ قَالَ الْمُزَارِعُ هَذِهِ الْمَقَالَةَ بَعْدَ مَا فَسَدَتْ الْحِنْطَةُ الْمَزْرُوعَةُ لَا يَجُوزُ، وَعَنْ الثَّانِي لَوْ أَذِنَ لَهُ فِي أَرْضِهِ فَزَرَعَ ثُمَّ إنَّ رَبَّهَا أَرَادَ إخْرَاجَ الْمُزَارِعِ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ تَغْرِيرَ الْمُسْلِمِ حَرَامٌ، وَإِنْ قَالَ لَهُ رَبُّهَا: خُذْ بَذْرَكَ وَنَفَقَتَكَ وَيَكُونُ الزَّرْعُ لِي وَرَضِيَ بِهِ الْمُزَارِعُ، إنْ كَانَ قَبْلَ النَّبَاتِ لَا يَجُوزُ لِأَنَّ بَيْعَ الزَّرْعِ قَبْلَ النَّبَاتِ لَا يَجُوزُ، وَلَمْ يَفْصِلْ بَيْنَ مَا إذَا كَانَ حَالَ قِيَامِ الْبَذْرِ أَوْ بَعْدَ اسْتِهْلَاكِهِ، فَإِمَّا أَنْ يُقَالَ بِأَنَّ تَأْوِيلَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَنْ يَكُونَ هَذَا الْقَوْلُ مِنْ رَبِّ الْأَرْضِ بَعْدَ مَا كَانَ الْبَذْرُ مُسْتَهْلَكًا حَتَّى تَصِيرَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مُوَافِقَةً لِلْمَسْأَلَةِ الْأُولَى، أَوْ يُحْمَلَ عَلَى اخْتِلَافِ الرِّوَايَتَيْنِ، كَذَا فِي الْوَجِيزِ لِلْكَرْدَرِيِّ. .

زَرَعَ أَرْضَ الْغَيْرِ، وَلَمْ يَعْلَمْ بِهِ صَاحِبُ الْأَرْضِ إلَّا عِنْدَ الِاسْتِحْصَادِ وَرَضِيَ بِهِ حِينَ عَلِمَ أَوْ قَالَ مَرَّةً لَا أَرْضَى بِهِ ثُمَّ قَالَ رَضِيتُ طَابَ الزَّرْعُ لِلْمَزَارِعِ، نَصَّ فِي الْخَانِيَّةِ قَالَ الْفَقِيهِ أَبُو اللَّيْثِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: هَذَا اسْتِحْسَانٌ وَبِهِ نَأْخُذُ، كَذَا فِي جَوَاهِرِ الْأَخْلَاطِيِّ. .

وَلَوْ أَنَّ ثَلَاثَةً أَخَذُوا أَرْضًا بِالنِّصْفِ لِيَزْرَعُوهَا بِالشَّرِكَةِ فَغَابَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ فَزَرَعَ الِاثْنَانِ بَعْضَ الْأَرْضِ حِنْطَةً ثُمَّ حَضَرَ الْآخَرُ وَزَرَعَ بَعْضَ الْأَرْضِ شَعِيرًا، إنْ فَعَلُوا ذَلِكَ بِإِذْنِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ فَالْحِنْطَةُ بَيْنَهُمْ وَيَرْجِعُ صَاحِبَا الْحِنْطَةِ عَلَى الْآخَرِ بِثُلُثِ الْحِنْطَةِ الَّتِي بَذَرَا وَالشَّعِيرُ أَيْضًا بَيْنَهُمْ، وَيَرْجِعُ صَاحِبُ الشَّعِيرِ عَلَيْهِمَا بِثُلُثَيْ الشَّعِيرِ الَّذِي بَذَرَ بَعْدَ رَفْعِ نَصِيبِ صَاحِبِ الْأَرْضِ، وَإِنْ فَعَلُوا ذَلِكَ بِغَيْرِ إذْنٍ فَالْحِنْطَةُ ثُلُثُهَا لِصَاحِبِ الْأَرْضِ وَثُلُثَاهَا لَهُمَا وَيَغْرَمَانِ نُقْصَانَ ثُلُثِ الْأَرْضِ وَيَطِيبُ لَهُمَا ثُلُثُ الْخَارِجِ، وَأَمَّا الثُّلُثُ الْآخَرُ يَرْفَعَانِ مِنْهُ نَفَقَتَهَا وَيَتَصَدَّقَانِ بِالْفَضْلِ؛ لِأَنَّ ثُلُثَيْ ذَلِكَ نَصِيبُهُمَا وَقَدْ زَرْعَاهُ فَهُوَ عَلَى الشَّرْطِ، وَفِي الثُّلُثِ الْآخَرِ صَارَا غَاصِبَيْنِ فَصَارَ كُلُّ الْخَارِجِ مِنْهُ لَهُمَا، وَأَمَّا صَاحِبُ الشَّعِيرِ فَلَهُ خَمْسَةُ أَسْدَاسِ الشَّعِيرِ وَلِرَبِّ الْأَرْضِ السُّدُسُ؛ لِأَنَّ ثُلُثَيْ ذَلِكَ زُرِعَ غَصْبًا فَهُوَ لَهُ وَثُلُثَهُ زُرِعَ بِحَقٍّ فَنِصْفُهُ لَهُ أَيْضًا وَعَلَيْهِ نُقْصَانُ الْأَرْضِ فِي مِقْدَارِ ثُلُثَيْ ذَلِكَ وَيَتَصَدَّقُ بِالْفَضْلِ، كَذَا فِي الْفَتَاوَى الْكُبْرَى.

إذَا انْتَقَصَتْ الْأَرْضُ بِزِرَاعَةِ الْغَاصِبِ ثُمَّ زَالَ النُّقْصَانُ بِفِعْلِ رَبِّ الْأَرْضِ لَا يَبْرَأُ أَصْلًا، وَإِنْ زَالَ بِدُونِ فِعْلِهِ اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ - رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى - مِنْهُمْ مَنْ قَالَ: إنْ زَالَ قَبْلَ الرَّدِّ عَلَى رَبِّ الْأَرْضِ يَبْرَأُ، وَإِنْ زَالَ بَعْدَ الرَّدِّ لَا يَبْرَأُ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: يَبْرَأُ فِي الْوَجْهَيْنِ جَمِيعًا وَبِهِ يُفْتَى، كَالْمَبِيعِ إذَا زَالَ عَنْهُ الْعَيْبُ قَبْلَ الْقَبْضِ أَوْ بَعْدَهُ يَنْقَطِعُ عَنْهُ خُصُومَةُ الْمُشْتَرِي فِي الْحَالَيْنِ، كَذَا فِي الْفَتَاوَى الْغِيَاثِيَّةِ.

وَإِذَا دَفَعَ الرَّجُلُ أَرْضَهُ مُزَارَعَةً وَشَرَطَ الْبَذْرَ عَلَى الْمُزَارِعِ فَزَرَعَهَا الْمُزَارِعُ فَجَاءَ مُسْتَحِقٌّ وَاسْتَحَقَّهَا، أَخَذَهَا الْمُسْتَحِقُّ بِدُونِ الزَّرْعِ وَلَهُ أَنْ يَأْمُرَهُ بِقَلْعِ الزَّرْعِ وَإِنْ كَانَ الزَّرْعُ بَقْلًا، وَلَا تُتْرَكُ الْأَرْضُ فِي يَدِ الْمُزَارِعِ بِإِجَارَةٍ إلَى أَنْ يَسْتَحْصِدَ وَيَكُونَ الْقَلْعُ عَلَى الدَّافِعِ وَالْمُزَارِعِ نِصْفَيْنِ، ثُمَّ الْمُزَارِعُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ رَضِيَ بِنِصْفِ الْمَقْلُوعِ وَلَا يَرْجِعُ عَلَى الدَّافِعِ بِشَيْءٍ، وَإِنْ شَاءَ رَدَّ الْمَقْلُوعَ عَلَيْهِ وَضَمَّنَهُ قِيمَةَ حِصَّتِهِ نَابِتًا فِي أَرْضِهِ لَا فِي أَرْضِ غَيْرِهِ، يُرِيدُ بِقَوْلِهِ: ضَمَّنَهُ قِيمَةَ حِصَّتِهِ نَابِتًا فِي أَرْضِهِ قِيمَةَ حِصَّتِهِ مِنْ زَرْعٍ لَهُ حَقُّ الْقَرَارِ، كَذَا فِي الْمُحِيطِ، ثُمَّ الْمُسْتَحِقُّ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - يُضَمِّنُ نُقْصَانَ الْأَرْضِ الْمُزَارِعَ خَاصَّةً وَيَرْجِعُ بِهِ عَلَى الَّذِي دَفَعَ إلَيْهِ الْأَرْضَ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - الْآخَرُ، وَفِي قَوْلِهِ الْأَوَّلِ وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - الْمُسْتَحِقُّ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ ضَمَّنَ نُقْصَانَ الْأَرْضِ الدَّافِعَ، وَإِنْ شَاءَ الْمُزَارِعَ، ثُمَّ يَرْجِعُ الْمُزَارِعُ بِهِ عَلَى الدَّافِعِ وَهُوَ بِنَاءً عَلَى

<<  <  ج: ص:  >  >>