للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مَسْأَلَةِ غَصْبِ الْعَقَارِ، كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ.

هَذَا إذَا كَانَ الْبَذْرُ مِنْ قِبَلِ الْمُزَارِعِ، وَإِنْ كَانَ الْبَذْرُ مِنْ قِبَلِ الدَّافِعِ وَأَخَذَ الْمُسْتَحِقُّ الْأَرْضَ وَأَمَرَهُمَا بِالْقَلْعِ وَقَلَعَا، فَالْمُزَارِعُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ رَضِيَ بِنِصْفِ الْمَقْلُوعِ وَلَا شَيْءَ لَهُ غَيْرُهُ، وَإِنْ شَاءَ رَدَّ الْمَقْلُوعَ عَلَى الدَّافِعِ وَرَجَعَ عَلَيْهِ بِأَجْرِ مِثْلِ عَمَلِهِ عَلَى قَوْلِ الْفَقِيهِ أَبِي بَكْرٍ الْبَلْخِيّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -، وَبِقِيمَةِ حِصَّتِهِ مِنْ الزَّرْعِ عَلَى قَوْلِ أَبِي جَعْفَرٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -، وَلَوْ أَنَّ الْمُسْتَحِقَّ أَجَازَ الْمُزَارَعَةَ لَمْ يَذْكُرْ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - هَذَا الْفَصْلَ فِي الْأَصْلِ، وَذَكَرَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي شَرْحِهِ أَنَّ الْجَوَابَ فِيهِ عَلَى التَّفْصِيلِ، إنْ كَانَ الْبَذْرُ مِنْ جِهَةِ رَبِّ الْأَرْضِ لَا تَعْمَلُ إجَازَتُهُ، وَإِنْ كَانَ الْبَذْرُ مِنْ قِبَلِ الْعَامِلِ صَحَّتْ إجَازَةُ الْمُسْتَحِقِّ قَبْلَ الْمُزَارَعَةِ، وَلَا تَصِحُّ إجَازَتُهُ بَعْدَ الْمُزَارَعَةِ وَكَانَ كَمَنْ آجَرَ دَارَ غَيْرِهِ شَهْرًا فَأَجَازَ صَاحِبُ الدَّارِ الْإِجَازَةَ، إنْ أَجَازَ قَبْلَ مُضِيِّ الْمُدَّةِ جَازَ، وَإِنْ أَجَازَ بَعْدَ مُضِيِّ الْمُدَّةِ لَا يَجُوزُ، كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ.

وَذَكَرَ فِي الْمُنْتَقَى أَبُو سُلَيْمَانَ عَنْ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: رَجُلٌ غَصَبَ أَرْضًا وَدَفَعَهَا إلَى غَيْرِهِ مُزَارَعَةً سَنَةً، إنْ كَانَ الْبَذْرُ مِنْ قِبَلِ الْمُزَارِعِ فَزَرَعَهَا الْمُزَارِعُ وَلَمْ يَنْبُتْ الزَّرْعُ حَتَّى أَجَازَ رَبُّ الْأَرْضِ الْمُزَارَعَةَ جَازَتْ إجَازَتُهُ، وَمَا خَرَجَ مِنْهَا فَهُوَ بَيْنَ رَبِّ الْأَرْضِ وَالْمُزَارِعِ عَلَى مَا شَارَطَهُ الْغَاصِبُ وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ إلَّا مَا نَقَصَهَا قَبْلَ أَنْ يُجِيزَ رَبُّ الْأَرْضِ، فَإِنَّ ذَلِكَ النُّقْصَانَ يَضْمَنُهُ الْمُزَارِعُ لِرَبِّ الْأَرْضِ فِي قِيَاسِ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -.

وَقَالَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: إنْ شَاءَ رَبُّ الْأَرْضِ ضَمَّنَ الْمُزَارِعَ ذَلِكَ، وَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَ الْغَاصِبَ، وَلَوْ نَبَتَ الزَّرْعُ وَصَارَ لَهُ قِيمَةٌ ثُمَّ أَجَازَ رَبُّ الْأَرْضِ الْمُزَارَعَةَ جَازَتْ الْمُزَارَعَةُ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَنْقُضَهَا بَعْدَ مَا أَجَازَهَا وَلَكِنْ لَا شَيْءَ لِرَبِّ الْأَرْضِ مِنْ الزَّرْعِ، وَمَا يَحْدُثُ فِيهِ مِنْ الْحَبِّ فَجَمِيعُ ذَلِكَ بَيْنَ الْمُزَارِعِ وَالْغَاصِبِ، وَمَعْنَى قَوْلِهِ: لَوْ أَجَازَ رَبُّ الْأَرْضِ الْمُزَارَعَةَ جَازَتْ أَنْ لَا يَكُونَ لِرَبِّ الْأَرْضِ بَعْدَ الْإِجَازَةِ أَنْ يُطَالِبَ الْمُزَارِعَ بِقَلْعِ الزَّرْعِ وَتَفْرِيغِ الْأَرْضِ وَقَبْلَ الْإِجَازَةِ كَانَ لَهُ ذَلِكَ لَا أَنْ يَصِيرَ الزَّرْعُ لِرَبِّ الْأَرْضِ، وَفِي الْمُنْتَقَى أَيْضًا رَجُلٌ غَصَبَ مِنْ آخَرَ أَرْضًا وَدَفَعَهَا إلَى رَجُلٍ مُزَارَعَةً بِالنِّصْفِ وَالْبَذْرُ مِنْ قِبَلِ الدَّافِعِ، ثُمَّ إنَّ رَبَّ الْأَرْضِ أَجَازَ الْمُزَارَعَةَ وَكَانَتْ الْإِجَازَةُ قَبْلَ الزِّرَاعَةِ أَوْ بَعْدَهَا، فَالْإِجَازَةُ بَاطِلَةٌ حَتَّى لَا يَكُونَ لِرَبِّ الْأَرْضِ مِنْ الزَّرْعِ شَيْءٌ، وَالْمَعْنَى مَا أَشَارَ إلَيْهِ شَيْخُ الْإِسْلَامِ أَنَّ الْبَذْرَ إذَا كَانَ مِنْ قِبَلِ الدَّافِعِ فَالْعَقْدُ لَمْ يَرِدْ عَلَى حَقِّ الْمُسْتَحِقِّ، قَالَ فِي الْمُنْتَقَى: وَالْأَرْضُ بَعْدَ الْإِجَازَةِ بِمَنْزِلَةِ الْعَارِيَّةِ فِي يَدِ الْغَاصِبِ وَالْمُزَارِعِ.

فَإِنْ أَرَادَ رَبُّ الْأَرْضِ أَنْ يَرْجِعَ عَنْ إجَازَتِهِ وَيَأْخُذَ أَرْضَهُ فَإِنْ كَانَ الْمُزَارِعُ لَمْ يَزْرَعْ الْأَرْضَ بَعْدُ فَلَهُ ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ الْمُزَارِعُ قَدْ زَرَعَ الْأَرْضَ قَبْلَ الْإِجَازَةِ وَنَبَتَ بَعْدَ الْإِجَازَةِ أَوْ زَرَعَ بَعْدَ الْإِجَازَةِ وَنَبَتَ أَوْ زَرَعَ بَعْدَ الْإِجَازَةِ وَلَمْ يَنْبُتْ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ فِيمَا أَجَازَ؛ لِأَنَّ فِيهِ تَغْرِيرَ الْمُؤْمِنِ وَأَنَّهُ حَرَامٌ، وَكَذَلِكَ إنْ كَانَ الْمَالِكُ أَجَازَ الْمُزَارَعَةَ بَعْدَ مَا تَسَنْبَلَ الزَّرْعُ إلَّا أَنَّهُ لَمْ يُسْتَحْصَدْ، ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يَرْجِعَ فِيمَا أَجَازَ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ، وَلَكِنْ يُقَالُ لِلْغَاصِبِ: اغْرَمْ لَهُ أَجْرَ مِثْلِ أَرْضِهِ إلَى أَنْ يَسْتَحْصِدَ الزَّرْعَ وَبَقِيَتْ الْمُزَارَعَةُ بَيْنَ الْغَاصِبِ وَالْمُزَارِعِ عَلَى مَا كَانَتْ، فَإِنْ قَالَ الْغَاصِبُ: أَنَا أَغْرَمُ الْأَجْرَ بِقَدْرِ حِصَّتِي مِنْ الزَّرْعِ، لَمْ يُجْبَرُ عَلَى أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ، وَقِيلَ لِلْمَزَارِعِ: اغْرَمْ أَنْتَ مِنْ أَجْرِ الْأَرْضِ عَلَى قَدْرِ حِصَّتِكَ مِنْ الزَّرْعِ، فَإِنْ كَانَا غَرِمَا مِنْ ذَلِكَ وَرَضِيَا بِهِ كَانَ عَمَلُ الزَّرْعِ حَتَّى يَسْتَحْصِدَ عَلَيْهِمَا جَمِيعًا؛ لِأَنَّ الْغَاصِبَ حِينَ أَبَى أَنْ يَغْرَمَ الْأَجْرَ كُلَّهُ صَارَ كَأَنَّهُ زَرْعٌ بَيْنَهُمَا زَرَعَاهُ فِي أَرْضِ رَجُلٍ، فَإِنْ قَالَ الْغَاصِبُ: لَا أَغْرَمُ مِنْ الْأَجْرِ شَيْئًا وَلَكِنِّي أَقْلَعُ الزَّرْعَ فَالْمُزَارِعُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ قَلَعَ مَعَهُ، وَإِنْ شَاءَ أَدَّى أَجْرَ مِثْلِ الْأَرْضِ مِنْ مَالِهِ وَعَمِلَ فِي الزَّرْعِ بِنَفْسِهِ وَأُجَرَائِهِ.

فَإِذَا اسْتَحْصَدَ نَظَرَ إلَى نَصِيبِ الْغَاصِبِ فَأَخَذَ مِنْ ذَلِكَ مَا غَرِمَ مِنْ أَجْرِ الْأَرْضِ وَأَجْرِ الْإِجْرَاءِ فِي نَصِيبِ الْغَاصِبِ، وَكَانَ الْفَضْلُ لِلْغَاصِبِ وَلَا يَأْخُذُ مِنْ ذَلِكَ أَجْرًا لِعَمَلِهِ، وَإِنْ قَالَ الْمُزَارِعُ: لَا أَغْرَمُ أَجْرًا وَلَا أَعْمَلُ فِي ذَلِكَ عَمَلًا وَأَنَا أَقْلَعُ الزَّرْعَ، فَإِنْ اجْتَمَعَ الْغَاصِبُ مَعَهُ عَلَى ذَلِكَ قَلْعًا وَسَلَّمَا الْأَرْضَ لِصَاحِبِهَا، وَإِنْ أَبَى ذَلِكَ الْغَاصِبُ كَانَ لِلْغَاصِبِ أَنْ يُؤَدِّيَ أَجْرَ مِثْلِ الْأَرْضِ وَيُقَالُ لَهُ: قُمْ عَلَى الزَّرْعِ فَاعْمَلْهُ بِنَفْسِكَ وَأُجَرَائِكَ حَتَّى يَسْتَحْصِدَ فَتَأْخُذَ مِنْ حِصَّتِهِ الزَّرْعَ مَا غَرِمْتَ عَنْهُ مِنْ أَجْرِ الْأَرْضِ وَالْأُجَرَاءِ، وَكَانَ حَالُكَ فِيهِ مِثْلُ حَالِ الْمُزَارِعِ فِي الْوَجْهِ الْأَوَّلِ، وَهَذَا كُلُّهُ إذَا كَانَ بِقَضَاءِ الْقَاضِي، فَأَمَّا إذَا فَعَلَهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>