فِي رِوَايَةٍ أُخْرَى: قَالَ: إنَّ قَاضِيَ بُخَارَى يَقْضِي بِالْعَبْدِ لِلْمُدَّعِي وَيَكْتُبُ إلَى قَاضِي سَمَرْقَنْدَ حَتَّى يُبْرِئَ كَفِيلَ الْمُدَّعِي، وَعَلَى الرِّوَايَةِ الَّتِي جَوَّزَ أَبُو يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - كِتَابَ الْقَاضِي فِي الْإِمَاءِ صُورَتُهُ مَا ذَكَرْنَا فِي الْعَبْدِ غَيْرَ أَنَّ الْمُدَّعِيَ إذَا لَمْ يَكُنْ ثِقَةً مَأْمُونًا فَالْقَاضِي الْمَكْتُوبُ إلَيْهِ لَا يَدْفَعُهَا إلَيْهِ وَلَكِنْ يَأْمُرُ الْمُدَّعِي حَتَّى يَجِيءَ بِرَجُلٍ ثِقَةٍ مَأْمُونٍ فِي دِينِهِ وَعَقْلِهِ يَبْعَثُ بِهَا مَعَهُ؛ لِأَنَّ الِاحْتِيَاطَ فِي بَابِ الْفُرُوجِ وَاجِبٌ، كَذَا فِي الْمُحِيطِ.
إذَا مَاتَ الْقَاضِي الْكَاتِبُ قَبْلَ أَنْ يَصِلَ الْكِتَابُ إلَى الْمَكْتُوبِ إلَيْهِ فَالْمَكْتُوبُ إلَيْهِ لَا يَعْمَلُ بِهَذَا الْكِتَابِ عِنْدَنَا وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي الْأَمَالِي: يَعْمَلُ بِهِ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -.
وَلَوْ قَبِلَهُ مَعَ هَذَا وَقَضَى بِهِ ثُمَّ رُفِعَ إلَى قَاضٍ آخَرَ أَمْضَاهُ؛ لِأَنَّ قَضَاءَهُ صَادَفَ الِاجْتِهَادَ، وَكَذَلِكَ الْجَوَابُ فِيمَا إذَا مَاتَ بَعْدَ وُصُولِ الْكِتَابِ إلَيْهِ قَبْلَ الْقِرَاءَةِ، وَأَمَّا إذَا مَاتَ بَعْدَ وُصُولِ الْكِتَابِ وَالْقِرَاءَةِ فَإِنَّ الْمَكْتُوبَ إلَيْهِ يَعْمَلُ بِهِ، هَكَذَا ذُكِرَ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَالصَّحِيحُ مَا ذُكِرَ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَإِنْ عَزَلَ الْقَاضِي الْكَاتِبَ فَالْجَوَابُ فِيهِ كَالْجَوَابِ فِيمَا إذَا مَاتَ، كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ لَوْ لَمْ يَبْقَ الْقَاضِي الْكَاتِبُ أَهْلًا لِلْقَضَاءِ قَبْلَ وُصُولِ الْكِتَابِ إلَيْهِ لَا يَقْبَلُهُ، كَذَا فِي الْكَافِي.
وَأَمَّا إذَا مَاتَ الْمَكْتُوبُ إلَيْهِ أَوْ عُزِلَ وَاسْتُعْمِلَ مَكَانَهُ قَاضٍ آخَرُ فَوَصَلَ الْكِتَابُ إلَى الَّذِي اُسْتُعْمِلَ فَهَلْ يَعْمَلُ بِهِ؟ يُنْظَرُ إنْ كَانَ فِي الْكِتَابِ وَإِلَى كُلِّ مَنْ يَصِلُ إلَيْهِ الْكِتَابُ مِنْ قُضَاةِ الْمُسْلِمِينَ يَعْمَلُ بِهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي الْكِتَابِ وَإِلَى كُلِّ مَنْ يَصِلُ إلَيْهِ مِنْ قُضَاةِ الْمُسْلِمِينَ لَا يَعْمَلُ بِهِ عِنْدَنَا.
قَالَ فِي كِتَابِ الْحَوَالَةِ: وَإِذَا جَاءَ الرَّجُلُ بِكِتَابِ الْقَاضِي إلَى قَاضٍ آخَرَ فَلَمْ يَجِدْ خَصْمَهُ ثَمَّةَ فَسَأَلَ الطَّالِبُ الْقَاضِيَ الْمَكْتُوبَ إلَيْهِ أَنْ يَكْتُبَ لَهُ إلَى قَاضٍ آخَرَ بِمَا أَتَاهُ مِنْ الْقَاضِي الْأَوَّلِ فَعَلَ إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ عِنْدَهُ وَشَرَائِطُ الثُّبُوتِ مَا ذَكَرْنَا وَهَذَا؛ لِأَنَّ شَهَادَةَ الشُّهُودِ الَّذِينَ شَهِدُوا عِنْدَ الْقَاضِي الْكَاتِبِ صَارَتْ مَنْقُولَةً إلَى الْمَكْتُوبِ إلَيْهِ حُكْمًا فَيُعْتَبَرُ بِمَا لَوْ شَهِدُوا عِنْدَهُ حَقِيقَةً، وَلَوْ شَهِدُوا عِنْدَهُ حَقِيقَةً وَطَلَبَ الْمُدَّعِي مِنْ الْقَاضِي أَنْ يَكْتُبَ لَهُ كِتَابًا إلَى قَاضِي الْبَلَدِ الَّذِي خَصْمُهُ هُنَاكَ أَلَيْسَ أَنَّهُ يَكْتُبُ لَهُ كِتَابًا، كَذَا هُنَا إلَّا أَنَّ الْقَاضِيَ الْمَكْتُوبَ إلَيْهِ إنَّمَا يَكْتُبُ بِقَدْرِ مَا ثَبَتَ عِنْدَهُ وَالثَّابِتُ عِنْدَهُ كِتَابُ الْقَاضِي الْأَوَّلِ بِالْحَقِّ عَلَى الْغَائِبِ لَا نَفْسَ الْحَقِّ فَيَكْتُبُ وَيَنْسَخُ كِتَابَ الْقَاضِي الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّهُ هُوَ أَصْلُ الْحُجَّةِ وَإِنْ شَاءَ حَكَاهُ ذَلِكَ فِي كِتَابِهِ، وَكَذَلِكَ إنْ كَانَ الْمُدَّعِي قَالَ لِلْقَاضِي الْأَوَّلِ: إنِّي لَا أَجِدُ مِنْ الشُّهُودِ مَنْ يَصْحَبُنِي إلَى بَلَدِ الْخَصْمِ فَاكْتُبْ إلَى قَاضِي بَلَدِ كَذَا لِيَكْتُبَ ذَلِكَ الْقَاضِي إلَى قَاضِي بَلَدِ الْخَصْمِ أَجَابَهُ الْقَاضِي إلَى ذَلِكَ، وَلَوْ كَانَ الْمُدَّعِي قَالَ لِلْقَاضِي الْأَوَّلِ: اُكْتُبْ إلَى قَاضِي مَرْوَ وَإِلَى قَاضِي نَيْسَابُورَ حَتَّى أَذْهَبَ إلَى مَرْوَ فَإِنْ وَجَدْت خَصْمِي ثَمَّةَ وَإِلَّا ذَهَبْت إلَى قَاضِي نَيْسَابُورَ فَعَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - الْقَاضِي يُجِيبُهُ إلَى ذَلِكَ.
وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى لَا يَكْتُبُ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ فَإِنْ رَجَعَ الطَّالِبُ إلَى الْقَاضِي الْكَاتِبِ الْأَوَّلِ وَقَالَ: اُكْتُبْ إلَى قَاضِي بَلْدَةٍ أُخْرَى؛ لِأَنِّي لَمْ أَجِدْ خَصْمِي فِي تِلْكَ الْبَلْدَةِ فَإِنَّهُ لَا يَكْتُبُ لَهُ فِي ذَلِكَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute