للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْحَكَمِ إلَى الْقَاضِي وَكَذَلِكَ لَا يَجُوزُ كِتَابُ الْقَاضِي إلَى حَكَمٍ حَكَّمَهُ رَجُلَانِ بِشَهَادَةِ شُهُودٍ شَهِدُوا عِنْدَهُ، كَذَا فِي الْمُحِيطِ وَلَا يَحْكُمُ الْحَكَمُ بِكِتَابِ الْقَاضِي إلَى قَاضٍ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَكْتُبْ إلَيْهِ إلَّا إذَا أَرْضَى الْخَصْمَانِ أَنْ يُنْفِذَ الْحَكَمُ الْقَضَاءَ بَيْنَهُمَا فَيَجُوزُ ابْتِدَاءً؛ لِأَنَّهُمَا رَضِيَا بِحُكْمِهِ، كَذَا فِي مُحِيطِ السَّرَخْسِيِّ.

وَإِذَا رَدَّ الْحَكَمُ شَهَادَةَ شُهُودٍ شَهِدُوا عِنْدَهُ بِتُهْمَةٍ ثُمَّ شَهِدَ أُولَئِكَ الشُّهُودُ عِنْدَ قَاضٍ آخَرَ أَوْ عِنْدَ حَاكِمٍ آخَرَ فَإِنَّهُ يَسْأَلُ عَنْهُمْ فَإِنْ عُدِّلُوا أَجَازَهُمْ وَأَنْ جُرِّحُوا رَدَّهُمْ، بِخِلَافِ مَا لَوْ رَدَّ الْقَاضِي الْمُوَلَّى شَهَادَتَهُمْ، وَإِذَا اصْطَلَحَا عَلَى حَكَمٍ يَحْكُمُ بَيْنَهُمَا وَأَجَازَ الْقَاضِي حُكُومَتَهُ قَبْلَ أَنْ يَحْكُمَ بَيْنَهُمَا؛ فَهَذِهِ الْإِجَازَةُ مِنْ الْقَاضِي لَغْوٌ حَتَّى لَوْ حَكَمَ الْحَكَمُ بِخِلَافِ رَأْيِ الْقَاضِي فَلِلْقَاضِي أَنْ يُبْطِلَهُ، قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: وَهَذَا الْجَوَابُ صَحِيحٌ فِيمَا إذَا لَمْ يَكُنْ الْقَاضِي مَأْذُونًا فِي الِاسْتِخْلَافِ، وَأَمَّا إذَا كَانَ مَأْذُونًا فِي الِاسْتِخْلَافِ فَيَجِبُ أَنْ تَجُوزَ إجَازَتُهُ وَتُجْعَلُ إجَازَةُ الْقَاضِي بِمَنْزِلَةِ اسْتِخْلَافِهِ إيَّاهُ فِي الْحُكْمِ بَيْنَهُمَا فَلَا يَكُونُ لَهُ أَنْ يُبْطِلَ حُكْمَهُ بَعْدَ ذَلِكَ، كَذَا فِي الْمُحِيطِ.

وَلَيْسَ لِلْحَكَمِ أَنْ يُفَوِّضَ التَّحْكِيمَ إلَى غَيْرِهِ؛ لِأَنَّ الْخَصْمَيْنِ لَمْ يَرْضَيَا بِتَحْكِيمِهِ غَيْرَهُ فَإِنْ فَوَّضَ وَحَكَمَ الثَّانِي بِغَيْرِ رِضَاهُمَا وَأَجَازَ الْحَكَمُ الْأَوَّلُ لَمْ يَجُزْ إلَّا أَنْ يُجِيزَ الْخَصْمَانِ. وَمِنْ مَشَايِخِنَا مَنْ قَالَ بِأَنَّ قَوْلَهُ: فَإِنْ أَجَازَهُ الْحُكْمُ الْأَوَّلُ؛ لَا يَجُوزُ مِمَّا لَا يَكَادُ يَصِحُّ فَإِنَّهُ كَالْوَكِيلِ الْأَوَّلِ إذَا أَجَازَ بَيْعَ الْوَكِيلِ الثَّانِي جَازَ وَكَالْقَاضِي إذَا لَمْ يُؤْذَنْ لَهُ فِي الِاسْتِخْلَافِ إذَا أَجَازَ حُكْمَ خَلِيفَتِهِ جَازَ وَذُكِرَ فِي السِّيَرِ إذَا نَزَلَ قَوْمٌ عَلَى حُكْمِ رَجُلٍ فَحَكَمَ غَيْرُهُ بِغَيْرِ رِضَاهُمْ لَمْ يَجُزْ، وَلَوْ أَجَازَ الْأَوَّلُ حُكْمَهُ جَازَ، وَتَأْوِيلُ قَوْلِهِ: إنَّ إجَازَتَهُ بَاطِلَةٌ أَيْ إجَازَتُهُ تَحْكِيمَهُ وَتَفْوِيضَهُ إلَى الثَّانِي بَاطِلَةٌ؛ لِأَنَّ الْإِذْنَ مِنْهُ بِالتَّحْكِيمِ فِي الِابْتِدَاءِ لَا يَصِحُّ فَكَذَا فِي الِانْتِهَاءِ، فَأَمَّا إجَازَتُهُ حُكْمَ الثَّانِي فَتَجُوزُ كَأَنَّهُ بَاشَرَهُ بِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ فَرَّقَ بَيْنَهُمَا، وَالْفَرْقُ أَنَّ الْحُكْمَ لَا يَصِحُّ إلَّا بِالْعِبَارَةِ فَلَا يَصِحُّ مِنْهُ تَنْفِيذُ الْحُكْمِ عَلَيْهِمَا بِعِبَارَةِ غَيْرِهِ بِخِلَافِ إجَازَةِ الْوَكِيلِ الْأَوَّلِ بَيْعَ الثَّانِي؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ يَنْفُذُ بِدُونِ الْعِبَارَةِ بِالتَّعَاطِي، فَكَانَ الْمَقْصُودُ بِالتَّوْكِيلِ حُضُورَ رَأْيِ الْوَكِيلِ عِنْدَ الْبَيْعِ لَا عِبَارَتَهُ فَإِذَا أَجَازَ بَيْعَ الثَّانِي فَقَدْ حَضَرَ رَأْيُهُ ذَلِكَ الْعَقْدَ فَصَحَّ، وَبِخِلَافِ إجَازَةِ الْقَاضِي حُكْمَ خَلِيفَتِهِ؛ لِأَنَّ الْقَاضِيَ يَمْلِكُ الْقَضَاءَ بِمَا قَضَى خَلِيفَتُهُ مِنْ غَيْرِ رِضَا الْخَصْمَيْنِ أَفَلَا يَمْلِكُ أَيْضًا إجَازَةَ قَضَاءِ الْغَيْرِ عَلَيْهِمَا مِنْ غَيْرِ رِضَاهُمَا، كَذَا فِي مُحِيطِ السَّرَخْسِيِّ.

وَإِذَا حَكَمَ رَجُلٌ بَيْنَ رَجُلَيْنِ وَلَمْ يَكُونَا حَكَّمَاهُ فَقَالَا بَعْدَ حُكْمِهِ: رَضِينَا بِحُكْمِهِ وَأَجَزْنَاهُ عَلَيْهِ فَهُوَ جَائِزٌ وَإِذَا اصْطَلَحَ رَجُلَانِ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ فَهُوَ جَائِزٌ وَإِذَا قَضَى أَحَدُهُمَا عَلَى أَحَدِ الْخَصْمَيْنِ وَقَضَى الْآخَرُ عَلَى خَصْمِهِ لَا يَجُوزُ وَإِذَا حَلَفَ أَحَدُ الْخَصْمَيْنِ وَنَكَلَ عَنْ الْيَمِينِ وَقَضَى عَلَيْهِ فَقَالَ الْمَقْضِيُّ عَلَيْهِ: لَا أُجِيزُ حُكْمَهُ عَلَيَّ وَأَحْلِفُ؛ فَحُكْمُهُ عَلَيْهِ مَاضٍ. وَلَوْ كَانَ الْمُدَّعِي مِنْ الِابْتِدَاءِ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ عَلَى دَعْوَاهُ وَعُدِّلُوا وَحَكَمَ الْحَاكِمُ بِهَا عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ جَازَ، فَإِنْ أَنْكَرَ الْمَقْضِيُّ عَلَيْهِ الْحُكْمَ وَأَنْكَرَ التَّحْكِيمَ وَادَّعَى الْمُدَّعِي

<<  <  ج: ص:  >  >>