للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَلَهُ مَالٌ؟ سَأَلَهُ الْقَاضِي بِالْإِجْمَاعِ، فَإِنْ قَالَ الطَّالِبُ: هُوَ مُعْسِرٌ لَا يَحْبِسُهُ؛ لِأَنَّهُ لَوْ أَقَرَّ بِعُسْرَتِهِ بَعْدَ الْحَبْسِ أَخْرَجَهُ وَقَبْلَ الْحَبْسِ لَا يَحْبِسُهُ، فَإِنْ قَالَ الطَّالِبُ: هُوَ مُوسِرٌ قَادِرٌ عَلَى الْقَضَاءِ.

وَقَالَ الْمَدْيُونُ: أَنَا مُعْسِرٌ تَكَلَّمُوا فِيهِ قَالَ بَعْضُهُمْ: الْقَوْلُ قَوْلُ الْمَدْيُونِ أَنَّهُ مُعْسِرٌ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: إنْ كَانَ الدَّيْنُ وَاجِبًا بَدَلًا عَمَّا هُوَ مَالٌ كَالْقَرْضِ وَثَمَنِ الْمَبِيعِ الْقَوْلُ قَوْلُ مُدَّعِي الْيَسَارِ مَرْوِيٌّ ذَلِكَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى؛ لِأَنَّ قُدْرَتَهُ كَانَتْ ثَابِتَةً بِالْمُبْدَلِ فَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي زَوَالِ تِلْكَ الْقُدْرَةِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الدَّيْنُ بَدَلًا عَمَّا هُوَ مَالٌ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ الْمَدْيُونِ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: كُلُّ مَا وَجَبَ بِعَقْدِهِ لَا يُقْبَلُ قَوْلُ الْمَدْيُونِ أَنَّهُ مُعْسِرٌ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ بَدَلًا عَمَّا هُوَ مَالٌ، كَذَا فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ فَقَدْ عَلِمْت أَنَّ الْفَتْوَى عَلَى أَنَّهُ لَا يُحْبَسُ إلَّا فِيمَا كَانَ بَدَلًا عَنْ مَالٍ فَلَا يُحْبَسُ فِي الْمَهْرِ، وَالْكَفَالَةُ عَلَى الْمُفْتَى بِهِ وَهُوَ خِلَافُ مَا اخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ تَبَعًا لِصَاحِبِ الْهِدَايَةِ وَذَكَرَ الطَّرَسُوسِيُّ فِي أَنْفَعِ الْوَسَائِلِ أَنَّهُ الْمَذْهَبُ الْمُفْتَى بِهِ فَقَدْ اخْتَلَفَ الْإِفْتَاءُ فِيمَا الْتَزَمَهُ بِعَقْدِهِ وَلَمْ يَكُنْ بَدَلَ مَالٍ وَالْعَمَلُ عَلَى مَا هُوَ فِي الْمُتُونِ؛ لِأَنَّهُ إذَا تَعَارَضَ مَا فِي الْمُتُونِ وَالْفَتَاوَى فَالْمُعْتَمَدُ مَا فِي الْمُتُونِ، وَكَذَا يُقَدَّمُ مَا فِي الشُّرُوحِ عَلَى مَا فِي الْفَتَاوَى، كَذَا فِي الْبَحْرِ الرَّائِقِ.

قَالَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي كِتَابِ الْحَوَالَةِ: وَيَحْبِسُ فِي الدُّيُونِ كُلِّهَا كَائِنًا مَنْ كَانَ مِنْ أَخٍ أَوْ عَمٍّ أَوْ خَالٍ أَوْ زَوْجٍ أَوْ زَوْجَةٍ أَوْ امْرَأَةٍ أَوْ رَجُلٍ مُسْلِمًا كَانَ أَوْ ذِمِّيًّا أَوْ حَرْبِيًّا مُسْتَأْمَنًا أَوْ صَحِيحًا أَوْ زَمِنًا أَوْ مُقْعَدًا أَوْ مَقْطُوعَ الْيَدِ، قَالَ: إلَّا أَنْ يَكُونَ أَبًا أَوْ أُمًّا فَإِنَّهُ لَا يُحْبَسُ وَاحِدٌ مِنْ الْأَبَوَيْنِ بِدَيْنِ الِابْنِ، وَكَذَلِكَ لَا يُحْبَسُ الْجَدُّ وَالْجَدَّةُ وَإِنْ عَلَوْا. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَنَّهُ يُحْبَسُ. قَالَ: إلَّا أَنْ يَجِبَ عَلَيْهِمَا نَفَقَتُهُ وَكُلُّ مَنْ أُجْبِرَ بِهِ عَلَى النَّفَقَةِ وَأَبَى؛ حَبَسَهُ أَبًا كَانَ أَوْ أُمًّا أَوْ جَدًّا أَوْ جَدَّةً أَوْ زَوْجًا وَالْمُكَاتَبُ وَالْعَبْدُ التَّاجِرُ فِي الْحَبْسِ بِمَنْزِلَةِ مَا وَصَفْت لَك وَالْعَبْدُ لَا يُحْبَسُ لِمَوْلَاهُ، وَكَذَا لَا يُحْبَسُ الْمَوْلَى لِعَبْدِهِ إذَا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ وَإِنْ كَانَ مَدْيُونًا حُبِسَ فِيهِ، كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ.

وَأَمَّا الصَّبِيُّ الْحُرُّ فَبَعْضُ الْمَشَايِخِ رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى مَالُوا إلَى الْحَبْسِ وَجَعَلُوهُ كَالْبَالِغِ، وَبَعْضُهُمْ قَالُوا: إذَا كَانَ لَهُ وَصِيٌّ يُحْبَسُ تَأْدِيبًا حَتَّى لَا يَعُودَ لِمِثْلِهِ وَلِيَضْجَرَ الْوَصِيُّ فَيَتَسَارَعُ إلَى إلْقَاءِ الدَّيْنِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَبٌ أَوْ وَصِيٌّ لَمْ يُحْبَسْ، فَأَمَّا إذَا كَانَ مَحْجُورًا عَلَيْهِ فَقَدْ ذُكِرَ فِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ أَنَّهُ إنْ كَانَ لَهُ أَبٌ أَوْ وَصِيٌّ يُحْبَسُ بِدَيْنِهِ يَعْنِي الْأَبَ أَوْ الْوَصِيَّ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَبٌ أَوْ وَصِيٌّ نَصَبَ الْقَاضِي قَيِّمًا لِيَبِيعَ مِنْ مَالِهِ بِقَدْرِ الدَّيْنِ وَيُوفِي الْغُرَمَاءَ حَقَّهُمْ، كَذَا فِي الْمُلْتَقَطِ.

وَالْمُكَاتَبُ يَحْبِسُ مَوْلَاهُ إلَّا فِيمَا كَانَ مِنْ جِنْسِ الْكِتَابَةِ وَالْمَوْلَى لَا يَحْبِسُ الْمُكَاتَبَ فِي دَيْنِ الْكِتَابَةِ وَغَيْرِهَا وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ سِمَاعَةَ يَحْبِسُهُ فِي غَيْرِ مَالِ

<<  <  ج: ص:  >  >>