للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْمُكَاتَبُ فَاسْتَدَانَ دَيْنًا فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ مَا اسْتَدَانَهُ فِي أَرْضِ الْإِسْلَامِ، وَإِنْ ارْتَدَّ الْمُكَاتَبُ، وَعَلَيْهِ دَيْنٌ، وَاسْتَدَانَ فِي رِدَّتِهِ أَيْضًا عُلِمَ ذَلِكَ بِإِقْرَارِهِ ثُمَّ قُتِلَ عَلَى رِدَّتِهِ، فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ دَيْنِ الْمَرَضِ حَتَّى يَبْدَأَ بِمَا اسْتَدَانَهُ فِي حَالِ الْإِسْلَامِ مِنْ أَكْسَابِهِ ثُمَّ مَا بَقِيَ لِلَّذِي أَدَانَهُ فِي حَالِ رِدَّتِهِ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى وَمَا بَقِيَ بَعْدَ قَضَاءِ دُيُونِهِ وَأَدَاءِ مُكَاتَبَتِهِ يَكُونُ لِوَرَثَتِهِ الْمُسْلِمِينَ.

وَإِذَا سَعَى وَلَدُ الْمُكَاتَبِ الْمَوْلُودُ فِي مُكَاتَبَتِهِ، وَقَضَى مُكَاتَبَتَهُ وَعَتَقَ ثُمَّ حَضَرَ غُرَمَاءُ أَبِيهِ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ أَنْ يَأْخُذُوا مِنْ الْمَوْلَى مَا أَخَذَ وَلَكِنَّهُمْ يَتْبَعُونَ الْوَلَدَ بِدَيْنِهِمْ كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ، وَلَا يَجُوزُ لِلْمَوْلَى أَنْ يَتَزَوَّجَ أَمَةَ الْمُكَاتَبِ وَإِنْ اشْتَرَى الْمُكَاتَبُ زَوْجَةَ سَيِّدِهِ بَقِيَ نِكَاحُهُ هَكَذَا فِي الْكَافِي فِي بَابِ الدَّعْوَةِ وَإِنْ رَهَنَ أَوْ ارْتَهَنَ أَوْ أَجَرَ أَوْ اسْتَأْجَرَ، فَهُوَ جَائِزٌ كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ، وَلَا يَجُوزُ لِلْمُكَاتَبِ أَنْ يُزَوِّجَ ابْنَهُ، وَلَا ابْنَتَهُ، وَيُزَوِّجُ أَمَتَهُ وَمُكَاتَبَتَهُ كَذَا فِي الْبَدَائِعِ، وَلَا يُزَوِّجُ عَبْدَهُ، وَلَا يُوَكِّلُ بِهِ فَلَوْ عَتَقَ، وَأَجَازَ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ الْإِجَازَةَ لَاقَتْ عَقَدَا بَاطِلًا، وَلَوْ قَالَ بَعْدَ الْعِتْقِ: أَجَزْت تِلْكَ الْوِكَالَةَ يَكُونُ تَوْكِيلًا ابْتِدَاءً كَذَا فِي الْكَافِي وَلَوْ زَوَّجَ الْمُكَاتَبُ أَمَتَهُ مِنْ عَبْدِهِ، فَفِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ كَذَا فِي الْعَيْنِيِّ شَرْحِ الْهِدَايَةِ.

الْمُكَاتَبَةُ إذَا تَزَوَّجَتْ بِإِذْنِ الْمَوْلَى ثُمَّ عَتَقَتْ كَانَ لَهَا خِيَارُ الْعِتْقِ كَذَا فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ فَإِنْ تَزَوَّجَتْ بِغَيْرِ إذْنِ مَوْلَاهَا، فَلَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَهُمَا حَتَّى عَتَقَتْ جَازَ النِّكَاحُ، وَلَا خِيَارَ لَهَا كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ.

قَالَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - مُكَاتَبٌ كَاتَبَ عَبْدًا مِنْ أَكْسَابِهِ فَهُوَ جَائِزٌ، وَهَذَا اسْتِحْسَانٌ أَخَذَ بِهِ عُلَمَاؤُنَا رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى ثُمَّ إذَا جَازَتْ كِتَابَةُ الْمُكَاتَبِ لَوْ أَدَّى الْمُكَاتَبُ الثَّانِي مُكَاتَبَتَهُ عَتَقَ وَإِذَا عَتَقَ الثَّانِي بِأَدَاءِ مُكَاتَبَتِهِ يُنْظَرُ إنْ كَانَ الْأَوَّلُ مُكَاتِبًا حَالَ عِتْقِ الثَّانِي فَإِنَّ الْوَلَاءَ يَثْبُتُ لِمَوْلَى الْمُكَاتَبِ الْأَعْلَى، وَإِنْ كَانَ حُرًّا فَالْوَلَاءُ يَثْبُتُ لِلْمُكَاتَبِ الْأَعْلَى لَا لِمَوْلَاهُ، وَإِذَا ثَبَتَ الْوَلَاءُ لِلْمَوْلَى إذَا أَدَّى الْمُكَاتَبُ الْأَوَّلُ بَعْدَ ذَلِكَ، وَعَتَقَ لَا يَتَحَوَّلُ الْوَلَاءُ إلَى الْمُكَاتَبِ الْأَوَّلِ وَإِنْ عَجَزَ الْأَوَّلُ.

وَرُدَّ فِي الرِّقِّ وَلَمْ يُؤَدِّ الثَّانِي مُكَاتَبَتَهُ بَعْدُ بَقِيَ الثَّانِي مُكَاتَبًا عَلَى حَالِهِ، وَإِذَا بَقِيَ الثَّانِي مُكَاتَبًا يَصِيرُ مَمْلُوكًا لِلْمَوْلَى عَلَى الْحَقِيقَةِ حَتَّى لَوْ أَعْتَقَهُ نَفَذَ عِتْقُهُ عَلَى الْحَقِيقَةِ، وَلَوْ أَنَّ الْأَوَّلَ لَمْ يَعْجِزْ، وَلَكِنْ مَاتَ قَبْلَ الْأَدَاءِ، وَلَمْ يُؤَدِّ الثَّانِي مُكَاتَبَتَهُ أَيْضًا بَعْدُ، فَهَذَا عَلَى وَجْهَيْنِ إنْ مَاتَ الْأَوَّلُ، وَتَرَكَ أَمْوَالًا كَثِيرَةً سِوَى مَا تَرَكَهُ عَلَى الْمُكَاتَبِ الثَّانِي مِنْ بَدَلِ الْكِتَابَةِ، وَبِهِ وَفَاءٌ بِبَدَلِ كِتَابَتِهِ، وَفِي هَذَا الْوَجْهِ لَا تَنْفَسِخُ كِتَابَتُهُ، فَيُؤَدِّي مُكَاتَبَتَهُ، وَيْحُكُمْ بِحُرِّيَّتِهِ فِي آخِرِ جُزْءٍ مِنْ أَجْزَاءِ حَيَّاتِهِ، وَمَا بَقِيَ يَكُونُ لِوَرَثَتِهِ الْأَحْرَارِ إنْ كَانَ لَهُ وَرَثَةٌ أَحْرَارٌ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَرَثَةٌ يَكُونُ لِمَوْلَاهُ، وَيَبْقَى الثَّانِي مُكَاتَبًا عَلَى حَالِهِ حَتَّى يُؤَدِّيَ مُكَاتَبَتَهُ إلَى وَارِثِ الْمُكَاتَبِ الْأَوَّلِ، وَيُعْتَقُ وَإِذَا أَدَّى وَعَتَقَ كَانَ وَلَاؤُهُ لِلْمُكَاتَبِ الْأَعْلَى حَتَّى يَرِثَهُ الذُّكُورُ مِنْ وَرَثَتِهِ، الْوَجْهُ الثَّانِي: إذَا مَاتَ الْأَوَّلُ، وَلَمْ يَتْرُكْ مَالًا سِوَى مَا تَرَكَهُ عَلَى الْمُكَاتَبِ الثَّانِي مِنْ بَدَلِ الْكِتَابَةِ، وَأَنَّهُ لَا يَخْلُو أَمَّا إنْ كَانَ مُكَاتَبَةُ الثَّانِي أَقَلَّ مِنْ مُكَاتَبَةِ الْأَوَّلِ، فَفِي هَذَا الْوَجْهِ تَنْفَسِخُ مُكَاتَبَةُ الْأَوَّلِ، وَيَكُونُ عَبْدًا، وَيَبْقَى الثَّانِي مُكَاتَبًا لِلْمَوْلَى يُؤَدِّي إلَيْهِ مُكَاتَبَتَهُ، وَيُعْتَقُ.

وَإِنْ كَانَ مُكَاتَبَةُ الثَّانِي مِثْلَ مُكَاتَبَةِ الْأَوَّلِ أَوْ أَكْثَرَ مِنْهُ، وَهَذَا الْوَجْهُ لَا يَخْلُو أَمَّا إنْ حَلَّتْ الْمُكَاتَبَةُ الثَّانِيَةُ وَقْتَ مَوْتِ الْأَوَّلِ لَا تَنْفَسِخُ كِتَابَةُ الْأَوَّلِ فَيُؤَدِّي الثَّانِي إلَى الْمَوْلَى قَدْرَ مُكَاتَبَةِ الْأَوَّلِ، وَيُحْكَمُ بِحُرِّيَّةِ الثَّانِي لِلْحَالِ وَبِحُرِّيَّةِ الْأَوَّلِ فِي آخِرِ جُزْءٍ مِنْ أَجْزَاءِ حَيَّاتِهِ، وَمَا بَقِيَ مِنْ مُكَاتَبَةِ الثَّانِي يَكُونُ لِوَرَثَةِ الْمُكَاتَبِ الْأَوَّلِ إنْ كَانَ لَهُ وَرَثَةٌ أَحْرَارٌ، وَيَكُونُ وَلَاءُ الثَّانِي لِوَرَثَةِ الْمُكَاتَبِ الْأَوَّلِ لَا لِمَوْلَى الْمُكَاتَبِ الْأَوَّلِ، وَإِنْ لَمْ تَحِلَّ الْمُكَاتَبَةُ الثَّانِيَةُ بَعْدَ مَوْتِ الْمُكَاتَبِ الْأَوَّلِ إنْ لَمْ يَطْلُبْ الْمَوْلَى الْفَسْخَ مِنْ الْقَاضِي حَتَّى حَلَّتْ، فَالْجَوَابُ فِيهِ كَالْجَوَابِ فِيمَا إذَا مَاتَ الْأَوَّلُ، وَقَدْ حَلَّ مَا عَلَى الثَّانِي وَقْتَ مَوْتِهِ، وَإِنْ طَلَبَ مِنْ الْقَاضِي الْفَسْخَ فَالْقَاضِي يَفْسَخُ كِتَابَةَ الْأَوَّلِ كَذَا فِي الْمُحِيطِ وَإِنْ أَدَّيَا جَمِيعًا مَعًا ثَبَتَ وَلَاؤُهُمَا لِلْمَوْلَى كَذَا فِي الْبَدَائِعِ.

وَفِي نَوَادِرِ ابْنِ سِمَاعَةَ عَنْ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي مُكَاتَبٍ كَاتَبَ عَبْدًا لَهُ ثُمَّ مَاتَ الْأَعْلَى، وَقَدْ تَرَكَ وَفَاءً إلَّا أَنَّهُ دَيْنٌ عَلَى النَّاسِ، فَلَمْ يُخْرَجْ الدَّيْنُ حَتَّى أَدَّى الْأَسْفَلُ إلَى ابْنِ الْأَعْلَى فَإِنَّهُ يُعْتَقُ، وَوَلَاؤُهُ لِلْمَوْلَى فَإِنْ خَرَجَ الدَّيْنُ بَعْدَ ذَلِكَ، وَقُضِيَتْ الْكِتَابَةُ لَمْ يَتَحَوَّلْ وَلَاءُ الْأَسْفَلِ إلَى الْأَعْلَى، وَإِنَّمَا يُنْظَرُ فِي الْوَلَاءِ وَالْمِيرَاثِ إلَى يَوْمِ أَدَّى الْكِتَابَةِ كَذَا فِي الْمُحِيطِ. مُكَاتَبٌ كَاتَبَ عَبْدًا ثُمَّ

<<  <  ج: ص:  >  >>