أَبِي بَكْرٍ الْبَلْخِيّ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ مُدَّةُ التَّلَوُّمِ مُقَدَّرَةٌ بِثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فَإِنْ كَانَ الْمَالُ الْغَائِبُ بِحَيْثُ يَقْدَمُ بِمُضِيِّ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فَإِنَّ الْقَاضِيَ لَا يَبِيعُ الْعَبْدَ بَلْ يَتَلَوَّمُ حَتَّى يَقْدَمَ الْمَالُ أَوْ يَخْرُجَ الدَّيْنُ، وَإِنْ كَانَ لَا يَقْدَمُ الْمَالُ الْغَائِبُ بَعْدَ مُضِيِّ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فَإِنَّهُ يَبِيعُهُ.
وَإِذَا انْقَضَتْ مُدَّةُ التَّلَوُّمِ عَلَى الْقَوْلَيْنِ جَمِيعًا وَلَمْ يَقْدَمْ الْمَالُ وَلَمْ يَخْرُجْ الدَّيْنُ فَإِنَّ الْقَاضِيَ يَبِيعُ الْعَبْدَ بِدَيْنِهِمْ هَذَا إذَا كَانَ الْمَوْلَى حَاضِرًا فَأَمَّا إذَا كَانَ غَائِبًا فَإِنَّهُ لَا يَبِيعُ الْعَبْدَ حَتَّى يَحْضُرَ الْمَوْلَى ثُمَّ إذَا بَاعَ الْقَاضِي الْعَبْدَ بِحَضْرَةِ الْمَوْلَى يَقْسِمُ ثَمَنَهُ بَيْنَ الْغُرَمَاءِ فَبَعْدَ ذَلِكَ يُنْظَرُ إنْ كَانَ بِالثَّمَنِ وَفَاءٌ بِالدُّيُونِ كُلِّهَا أَوْ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ تَمَامُ حَقِّهِ، وَيَصْرِفُ الْفَضْلَ إلَى الْمَوْلَى إنْ كَانَ ثَمَّةَ فَضْلٌ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بِالثَّمَنِ وَفَاءٌ بِالدُّيُونِ كُلِّهَا يَضْرِبُ كُلُّ غَرِيمٍ فِي الثَّمَنِ بِقَدْرِ حَقِّهِ، وَلَا سَبِيلَ لَهُمْ عَلَى الْعَبْدِ فِيمَا بَقِيَ مِنْ دَيْنِهِمْ حَتَّى يُعْتَقَ الْعَبْدُ كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ فَإِنْ اشْتَرَى الْعَبْدَ مَوْلَاهُ الَّذِي بَاعَهُ عَلَيْهِ الْقَاضِي لِلْغُرَمَاءِ لَمْ يَتْبَعْهُ الْغُرَمَاءُ بِشَيْءٍ مِمَّا بَقِيَ مِنْ الدَّيْنِ قَلِيلٍ، وَلَا كَثِيرٍ، وَإِنْ عَادَ الْعَبْدُ إلَى مِلْكِ مَنْ وَجَبَ الدَّيْنُ عَلَى الْعَبْدِ فِي مِلْكِهِ كَذَا فِي الْمُغْنِي، وَلَوْ كَانَ بَعْضُ الدَّيْنِ حَالًّا وَبَعْضُهُ مُؤَجَّلًا فَإِنَّهُ يَبِيعُهُ وَيُعْطِي أَصْحَابَ الْحَالِّ قَدْرَ حِصَّتِهِ مِنْهُ وَيُمْسِكُ حِصَّةَ أَصْحَابِ الْأَجَلِ إلَى وَقْتِ حُلُولِ الْأَجَلِ، وَهَذَا إذَا كَانَ كُلُّهُ ظَاهِرًا.
وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُ ظَاهِرًا وَبَعْضُهُ لَمْ يَظْهَرْ وَلَكِنَّ سَبَبَ الْوُجُوبِ قَدْ ظَهَرَ كَمَا لَوْ حَفَرَ الْعَبْدُ بِئْرًا فِي الطَّرِيقِ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ فَإِنَّ الْقَاضِيَ يَبِيعُهُ فِي الدَّيْنِ، وَيَدْفَعُ إلَى الْغَرِيمِ قَدْرَ دَيْنِهِ مِنْ الثَّمَنِ، وَإِنْ كَانَ الدَّيْنُ مِثْلَ الثَّمَنِ دُفِعَ كُلُّهُ فَبَعْدَ ذَلِكَ إذَا وَقَعَ فِي الْبِئْرِ دَابَّةٌ فَهَلَكَتْ يَرْجِعُ صَاحِبُ الدَّابَّةِ عَلَى الْغَرِيمِ فَيَأْخُذُ مِنْهُ قَدْرَ حِصَّتِهِ مِنْ ذَلِكَ فَيَضْرِبُ هَذَا بِقِيمَةِ الدَّابَّةِ، وَالْغَرِيمُ يَضْرِبُ بِدَيْنِهِ فَيَقْسِمَانِ الثَّمَنَ بِالْحِصَصِ هَكَذَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة، وَلَوْ طَلَبَ بَعْضُ الْغُرَمَاءِ مِنْ الْقَاضِي الْبَيْعَ، وَالْبَعْضُ غُيَّبٌ فَبَاعَهُ الْقَاضِي لِلْحُضُورِ فَبَيْعُهُ جَائِزٌ عَلَى الْكُلِّ ثُمَّ يَدْفَعُ الْقَاضِي إلَى الْحُضُورِ حِصَّتَهُمْ مِنْ الثَّمَنِ، وَيَقِفُ حِصَّةُ الْغُيَّبِ فَإِنْ قَالَ الْعَبْدُ: قَبْلَ أَنْ يُبَاعَ إنَّ لِفُلَانٍ عَلَيَّ مِنْ الْمَالِ كَذَا وَصَدَّقَهُ الْمَوْلَى بِذَلِكَ أَوْ كَذَّبَهُ وَفُلَانٌ غَائِبٌ، فَقَالَ الْغُرَمَاءُ الْحُضُورُ: لَيْسَ لِفُلَانٍ عَلَيْهِ قَلِيلٌ، وَلَا كَثِيرٌ فَإِنَّ الْعَبْدَ يَكُونُ مُصَدَّقًا فِي ذَلِكَ فَإِنْ حَضَرَ الْغَائِبُ، وَصَدَّقَ الْعَبْدَ فِي إقْرَارِهِ أَخَذَ حَقَّهُ، وَإِنْ كَذَّبَهُ قُسِمَ مَا وُقِفَ لَهُ بَيْنَ الْحُضُورِ بِالْحِصَصِ كَذَا فِي الْمُغْنِي، وَلَوْ أَقَرَّ بِذَلِكَ بَعْدَمَا بَاعَهُ الْقَاضِي، وَصَدَّقَهُ مَوْلَاهُ لَمْ يُصَدَّقَا عَلَى الْغُرَمَاءِ.
وَيَدْفَعُ جَمِيعَ الثَّمَنِ إلَى الْغُرَمَاءِ الْمَعْرُوفِينَ، فَإِنْ قَدِمَ الْغَائِبُ وَأَقَامَ الْبَيِّنَةَ عَلَى حَقِّهِ أَتْبَعَ الْغُرَمَاءَ بِحِصَّتِهِ مِمَّا أَخَذُوهُ مِنْ الثَّمَنِ، وَإِنْ أَرَادَ الْقَاضِي أَنْ يَسْتَوْثِقَ مِنْ الْغُرَمَاءِ بِكَفِيلٍ حَتَّى يَقْدَمَ الْغَائِبُ فَأَبَى الْغُرَمَاءُ أَنْ يَفْعَلُوا فَإِنَّهُمْ لَا يُجْبَرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ، وَلَكِنْ إنْ أَعْطَوْهُ ذَلِكَ، وَطَابَتْ بِهِ أَنْفُسُهُمْ جَازَ، فَإِنْ قَدِمَ الْغَائِبُ فَأَقَامَ الْبَيِّنَةَ عَلَى إقْرَارِ الْعَبْدِ بِدَيْنِهِ قَبْلَ الْبَيْعِ، فَذَلِكَ جَائِزٌ أَيْضًا ثُمَّ إنْ كَانُوا أَعْطَوْا كَفِيلًا، وَثَبَتَ حَقُّ الْغَائِبِ بِالْبَيِّنَةِ كَانَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ حِصَّتَهُ إنْ شَاءَ مِنْ الْغُرَمَاءِ، وَإِنْ شَاءَ مِنْ الْكَفِيلِ ثُمَّ يَرْجِعُ بِهِ الْكَفِيلُ عَلَى الْغُرَمَاءِ كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ ثُمَّ الْقَاضِي إذَا بَاعَ الْعَبْدَ لِلْغُرَمَاءِ أَوْ بَاعَ أَمِينُ الْقَاضِي الْعَبْدَ لِلْغُرَمَاءِ لَا تَلْحَقُهُ الْعُهْدَةُ حَتَّى لَوْ وَجَدَ الْمُشْتَرِي بِالْعَبْدِ عَيْبًا فَالْمُشْتَرِي لَا يَرُدَّهُ عَلَى الْقَاضِي، وَلَا عَلَى أَمِينِهِ.
وَلَكِنَّ الْقَاضِيَ يُنَصِّبُ وَصِيًّا حَتَّى يَرُدَّهُ عَلَيْهِ، وَكَذَلِكَ لَوْ قَبَضَ الْقَاضِي أَوْ أَمِينُهُ الثَّمَنَ مِنْ الْمُشْتَرِي، وَضَاعَ مِنْ يَدِهِ، وَاسْتُحِقَّ الْعَبْدُ مِنْ يَدِ الْمُشْتَرِي فَالْمُشْتَرِي لَا يَرْجِعُ عَلَى الْقَاضِي، وَلَا عَلَى أَمِينِهِ، وَإِنَّمَا يَرْجِعُ عَلَى الْغُرَمَاءِ فَإِنْ عَتَقَ الْعَبْدُ بَعْدَ ذَلِكَ فَالْغُرَمَاءُ يَرْجِعُونَ بِدُيُونِهِمْ عَلَى الْعَبْدِ، وَهَذَا ظَاهِرٌ وَهَلْ يَرْجِعُونَ بِمَا ضَمِنُوا لِلْمُشْتَرِي مِنْ الثَّمَنِ فَلَا ذِكْرَ لِهَذَا الْفَصْلِ فِي شَيْءٍ مِنْ الْكُتُبِ، وَقَدْ اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِيهِ، وَالْأَصَحُّ أَنَّهُمْ لَا يَرْجِعُونَ، وَذَكَرَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ خُوَاهَرْ زَادَهْ فِي شَرْحِ كِتَابِ الْمَأْذُونِ أَنَّ الْقَاضِيَ إذَا أَمَرَ أَمِينَهُ بِبَيْعِ الْعَبْدِ الْمَأْذُونِ الْمَدْيُونِ بِطَلَبِ الْغُرَمَاءِ إنْ قَالَ جَعَلْتُك أَمِينًا فِي بَيْعِ هَذَا الْعَبْدِ لَا تَلْحَقُهُ الْعُهْدَةُ، وَأَمَّا إذَا قَالَ لَهُ: بِعْ هَذَا الْعَبْدَ، وَلَمْ يَزِدْ فَقَدْ اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِيهِ، وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا تَلْحَقُهُ الْعُهْدَةُ ثُمَّ فِي فَصْلِ الرَّدِّ بِالْعَيْبِ إذَا نَصَبَ الْقَاضِي الْأَمِينَ خَصْمًا لِلْمُشْتَرِي، وَرَدَّ الْمُشْتَرِي الْعَبْدَ عَلَيْهِ بِالْعَيْبِ فَالْقَاضِي يَأْمُرُ الْأَمِينَ بِبَيْعِ الْعَبْدِ، وَيَأْمُرَهُ أَنْ يُبَيِّنَ الْعَيْبَ إذَا بَاعَهُ فَإِذَا بَاعَهُ الْأَمِينُ وَأَخَذَ الثَّمَنَ بَدَأَ بِدَيْنِ الْمُشْتَرِي أَوَّلًا فَبَعْدَ ذَلِكَ يُنْظَرُ إنْ كَانَ الثَّمَنُ الْآخَرُ أَقَلَّ مِنْ الثَّمَنِ الْأَوَّلِ غَرِمَ الْغُرَمَاءُ لِلْمُشْتَرِي الْأَوَّلِ الْفَضْلَ عَلَى
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute