للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ادَّعَى أَحَدُ الْمُتَقَاسِمِينَ الْغَلَطَ فِي الْقِسْمَةِ مِنْ حَيْثُ الْقِيمَةُ بِأَنْ ادَّعَى غَبْنًا فِي الْقِسْمَةِ فَإِنْ كَانَ يَسِيرًا بِحَيْثُ يَدْخُلُ تَحْتَ تَقْوِيمِ الْمُقَوِّمِينَ لَا تُسْمَعُ دَعْوَاهُ وَلَا تُقْبَلُ بَيِّنَتُهُ وَإِنْ كَانَ فَاحِشًا بِحَيْثُ لَا يَدْخُلُ تَحْتَ تَقْوِيمِ الْمُقَوِّمِينَ فَإِنْ كَانَتْ الْقِسْمَةُ بِالْقَضَاءِ لَا بِالتَّرَاضِي تُسْمَعُ بَيِّنَتُهُ بِالِاتِّفَاقِ وَإِنْ كَانَتْ بِتَرَاضِي الْخَصْمَيْنِ لَا بِقَضَاءِ الْقَاضِي لَمْ يُذْكَرْ فِي الْكِتَابِ وَحُكِيَ عَنْ الْفَقِيهِ أَبِي جَعْفَرٍ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: إنْ قِيلَ: تُسْمَعُ فَلَهُ وَجْهٌ وَإِنْ قِيلَ: لَا تُسْمَعُ فَلَهُ وَجْهٌ كَذَا فِي الْفَتَاوَى الصُّغْرَى وَهُوَ الصَّحِيحُ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى كَذَا فِي الْغِيَاثِيَّةِ، وَحُكِيَ عَنْ الْفَضْلِيِّ أَنَّهُ تُسْمَعُ كَمَا إذَا كَانَتْ بِقَضَاءِ الْقَاضِي وَهُوَ الصَّحِيحُ كَذَا فِي شَرْحِهِ لِلْمُخْتَصَرِ، وَذَكَرَ الْإِسْبِيجَابِيُّ فِي شَرْحِهِ: هَذَا كُلُّهُ إذَا لَمْ يُقِرَّ الْخَصْمُ بِالِاسْتِيفَاءِ أَمَّا إذَا أَقَرَّ بِالِاسْتِيفَاءِ فَإِنَّهُ لَا تَصِحُّ دَعْوَاهُ الْغَلَطَ وَالْغَبْنَ إلَّا إذَا ادَّعَى الْغَصْبَ فَحِينَئِذٍ تُسْمَعُ دَعْوَاهُ كَذَا فِي الْفَتَاوَى الصُّغْرَى.

إنْ ادَّعَى أَحَدُ الْمُتَقَاسِمَيْنِ غَلَطًا فِي مِقْدَارِ الْوَاجِبِ بِالْقِسْمَةِ عَلَى وَجْهٍ لَا يَكُونُ مُدَّعِيًا الْغَصْبَ بِدَعْوَى الْغَلَطِ كَمِائَةِ شَاةٍ بَيْنَ رَجُلَيْنِ اقْتَسَمَا ثُمَّ قَالَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ: قَبَضْت خَمْسَةً وَخَمْسِينَ غَلَطًا وَأَنَا مَا قَبَضْت إلَّا خَمْسَةً وَأَرْبَعِينَ. وَقَالَ الْآخَرُ: مَا قَبَضْت شَيْئًا غَلَطًا وَإِنَّمَا اقْتَسَمْنَا عَلَى أَنْ يَكُونَ لِي خَمْسَةٌ وَخَمْسُونَ وَلَك خَمْسَةٌ وَأَرْبَعُونَ وَلَمْ تَقُمْ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا بَيِّنَةٌ، يَجِبُ التَّحَالُفُ لِأَنَّ الْقِسْمَةَ بِمَعْنَى الْبَيْعِ وَفِي الْبَيْعِ إذَا وَقَعَ الِاخْتِلَافُ فِي مِقْدَارِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ يَتَحَالَفَانِ إذَا كَانَ الْمَعْقُودُ عَلَيْهِ قَائِمًا فَكَذَا فِي الْقِسْمَةِ إذَا كَانَ الْمَقْسُومُ قَائِمًا بِعَيْنِهِ وَهَذَا كُلُّهُ إذَا لَمْ يَسْبِقْ مِنْهُمَا إقْرَارٌ بِاسْتِيفَاءِ الْحَقِّ فَأَمَّا إذَا سَبَقَ لَمْ تُسْمَعْ دَعْوَى الْغَلَطِ إلَّا مِنْ حَيْثُ الْغَصْبُ، وَإِنْ قَالَ: اقْتَسَمْنَا بِالسَّوِيَّةِ وَأَخَذْنَا ذَلِكَ ثُمَّ أَخَذْت خَمْسَةً مِنْ نَصِيبِي غَلَطًا. وَقَالَ الْآخَرُ: مَا أَخَذْت مِنْ نَصِيبِك شَيْئًا غَلَطًا وَلَكِنَّا اقْتَسَمْنَا عَلَى أَنْ يَكُونَ لِي خَمْسٌ وَخَمْسُونَ وَلَك خَمْسٌ وَأَرْبَعُونَ وَلَا بَيِّنَةَ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا فَإِنَّهُمَا لَا يَتَحَالَفَانِ وَيُجْعَلُ الْقَوْلُ قَوْلَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ الْغَلَطُ.

قَالَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: إذَا اقْتَسَمَ الْقَوْمُ أَرْضًا أَوْ دَارًا أَوْ قَبَضَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ حَقَّهُ مِنْ ذَلِكَ ثُمَّ ادَّعَى أَحَدُهُمْ غَلَطًا فَإِنَّ أَبَا حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - قَالَ فِي ذَلِكَ: لَا تُعَادُ الْقِسْمَةُ حَتَّى يُقِيمَ الْبَيِّنَةَ عَلَى مَا يَدَّعِي فَإِذَا أَقَامَ الْبَيِّنَةَ أُعِيدَتْ الْقِسْمَةُ فِيمَا بَيْنَهُمْ حَتَّى يَسْتَوْفِيَ كُلُّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ وَكَانَ يَجِبُ أَلَّا تُعَادَ الْقِسْمَةُ لِأَنَّ وَضْعَ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ قَبَضَ حَقَّهُ وَدَعْوَى الْغَلَطِ بَعْدَ الْقَبْضِ دَعْوَى الْغَصْبِ وَفِي دَعْوَى الْغَصْبِ يُقْضَى لِلْمُدَّعِي بِمَا قَامَتْ الْبَيِّنَةُ عَلَيْهِ وَلَا تُعَادُ الْقِسْمَةُ، وَالْجَوَابُ عَنْ هَذَا أَنْ يُقَالَ: إنَّ مُحَمَّدًا - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - ذَكَرَ إعَادَةَ الْقِسْمَةِ عِنْدَ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ عَلَى دَعْوَى الْغَلَطِ وَلَمْ يُبَيِّنْ كَيْفِيَّةَ الدَّعْوَى فَتُحْمَلُ دَعْوَاهُ عَلَى وَجْهٍ تَجِبُ إعَادَةُ الْقِسْمَةِ عِنْدَ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ وَبَيَانُ ذَلِكَ أَنْ يَقُولَ مُدَّعِي الْغَلَطِ لِصَاحِبِهِ: قَسَمْنَا الدَّارَ بَيْنَنَا بِالسَّوِيَّةِ عَلَى أَنْ يَكُونَ لِي أَلْفُ ذِرَاعٍ وَلَك أَلْفُ ذِرَاعٍ وَقَبَضْنَا ثُمَّ إنَّك أَخَذْتَ مِائَةَ ذِرَاعٍ مِنْ نَصِيبِي مِنْ مَكَان بِعَيْنِهِ غَلَطًا وَيَقُولَ الْآخَرُ: لَا بَلْ كَانَتْ الْقِسْمَةُ عَلَى أَنْ يَكُونَ لِي أَلْفٌ وَمِائَةُ ذِرَاعٍ وَلَك تِسْعُمِائَةِ ذِرَاعٍ فَشَهِدَ الشُّهُودُ أَنَّ الْقِسْمَةَ كَانَتْ عَلَى السَّوِيَّةِ وَلَمْ يَشْهَدُوا أَنَّ هَذَا أَخَذَ مِائَةَ ذِرَاعٍ مِنْ مَكَان بِعَيْنِهِ مِنْ نَصِيبِ الْمُدَّعِي ثَبَتَ بِهَذِهِ الْبَيِّنَةِ أَنَّ الْقِسْمَةَ كَانَتْ بِالسَّوِيَّةِ وَفِي يَدِ أَحَدِهِمَا زِيَادَةٌ وَلَا يَدْرِي أَنَّ حَقَّ الْمُدَّعِي فِي أَيِّ جَانِبٍ فَتَجِبُ الْإِعَادَةُ لِيَسْتَوِيَا.

وَتَكُونُ هَذِهِ الشَّهَادَةُ مَسْمُوعَةً وَإِنْ لَمْ يَشْهَدُوا بِالْغَصْبِ لِأَنَّ مُدَّعِيَ الْغَلَطِ فِي هَذَا الْوَجْهِ يَدَّعِي شَيْئَيْنِ الْقِسْمَةَ بِالسَّوِيَّةِ وَغَصْبَ مِائَةِ ذِرَاعٍ وَالشُّهُودُ شَهِدُوا بِأَحَدِهِمَا وَهُوَ الْقِسْمَةُ بِالسَّوِيَّةِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِلْمُدَّعِي بَيِّنَةٌ عَلَى مَا ادَّعَى يَحْلِفُ الْمُدَّعِي قَبْلَ الْغَلَطِ وَلَا يَتَحَالَفَانِ فَإِنْ حَلَفَ الْمُدَّعِي قَبْلَهُ الْغَلَطَ لَمْ يَثْبُتْ الْغَلَطُ وَالْقِسْمَةُ مَاضِيَةٌ عَلَى حَالِهَا وَإِنْ نَكَلَ يَثْبُتُ الْغَلَطُ فَتُعَادُ الْقِسْمَةُ كَمَا فِي فَصْلِ الْبَيِّنَةِ وَكَذَلِكَ كُلُّ قِسْمَةٍ فِي غَنَمٍ أَوْ إبِلٍ أَوْ بَقَرٍ أَوْ ثِيَابٍ أَوْ شَيْءٍ مِنْ الْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ ادَّعَى فِيهَا أَحَدُهُمْ غَلَطًا بَعْدَ الْقِسْمَةِ وَالْقَبْضِ فَهُوَ عَلَى مِثْلِ ذَلِكَ وَلَمْ يَرِدْ بِهَذِهِ التَّسْوِيَةِ بَيْنَ جَمِيعِ هَذِهِ الْمَسَائِلِ وَبَيْنَ الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى فِي حَقِّ جَمِيعِ الْأَحْكَامِ وَإِنَّمَا أَرَادَ بِهَا التَّسْوِيَةَ فِي حَقِّ بَعْضِ الْأَحْكَامِ وَهُوَ أَنْ لَا تُعَادَ الْقِسْمَةُ بِمُجَرَّدِ الدَّعْوَى أَلَا يُرَى أَنَّ فِي الْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ إذَا أَقَامَ مُدَّعِي الْغَلَطِ الْبَيِّنَةَ عَلَى مَا ادَّعَى لَا تُعَادُ الْقِسْمَةُ بَلْ يُقَسَّمُ الْبَاقِي عَلَى قَدْرِ حَقِّهِمَا وَفِي الْغَنَمِ وَالْبَقَرِ وَالثِّيَابِ وَالْأَشْيَاءِ الَّتِي تَتَفَاوَتُ تَجِبُ إعَادَةُ الْقِسْمَةِ كَمَا فِي.

<<  <  ج: ص:  >  >>