للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْأَرْضِ إيَّاهُ بِالْمُزَارَعَةِ بِقَوْلِهِ: ازْرَعْهَا لِي فَصَارَ رَبُّ الْأَرْضِ قَابِضًا لِذَلِكَ حُكْمًا لِاتِّصَالِهِ بِمِلْكِهِ أَلَا تَرَى أَنَّ رَبَّ الْأَرْضِ إذَا قَالَ لِلْمُزَارِعِ: أَقْرِضْنِي مِائَةَ دِرْهَمٍ ثُمَّ اشْتَرِ لِي بِهَا كُرَّ حِنْطَةٍ وَابْذُرْهَا لِي فِي أَرْضِي عَلَى أَنْ يَكُونَ الْخَارِجُ بَيْنَنَا نِصْفَيْنِ أَلَيْسَ أَنَّهُ يَجُوزُ فَكَذَا هُنَا، وَأَمَّا إذَا كَانَ دَفَعَ الْبَذْرَ مُزَارَعَةً بِأَنْ دَفَعَ إلَى صَاحِبِ الْأَرْضِ كُرًّا مِنْ طَعَامٍ عَلَى أَنْ يَزْرَعَهُ فِي أَرْضِهِ وَيَعْمَلَ فِيهِ سَنَتَهُ هَذِهِ عَلَى أَنَّ مَا رَزَقَ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ فَهَذَا فَاسِدٌ وَالزَّرْعُ لِصَاحِبِ الْبَذْرِ هَكَذَا ذُكِرَ فِي مُزَارَعَةِ الْأَصْلِ وَذُكِرَ فِي أَوَّلِ كِتَابِ الْمَأْذُونِ أَنَّ الزَّرْعَ لِلْمُزَارِعِ وَهُوَ صَاحِبُ الْأَرْضِ قَالَ شَيْخِ الْإِسْلَامِ فِي شَرْحِ كِتَابِ الْمُزَارَعَةِ: لَا فَرْقَ بَيْنَ الْمَسْأَلَتَيْنِ وَلَكِنَّ تَأْوِيلَ مَا ذَكَرْنَا مِنْ كِتَابِ الْمَأْذُونِ أَنَّ صَاحِبَ الْبَذْرِ قَالَ لِصَاحِبِ الْأَرْضِ: ازْرَعْهَا لِنَفْسِك لِيَكُونَ الْخَارِجُ بَيْنَنَا نِصْفَيْنِ وَفِي هَذِهِ الصُّورَةِ الزَّرْعُ يَكُونُ لِصَاحِبِ الْأَرْضِ وَهُوَ الْمُزَارِعُ لِأَنَّ الْمُزَارِعَ صَارَ مُسْتَقْرِضًا لِلْبَذْرِ مِنْ رَبِّ الْأَرْضِ عُرِفَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: ازْرَعْهَا لِنَفْسِك فَإِذَا فَسَدَتْ الْمُزَارَعَةُ بَقِيَ الزَّرْعُ لِصَاحِبِ الْأَرْضِ وَقَدْ ذَكَرَ هِشَامٌ مَسْأَلَةَ الْمَأْذُونِ فِي نَوَادِرِهِ عَلَى نَحْوِ مَا قُلْنَا، وَفِي كِتَابِ الْمُزَارَعَةِ لَمْ يَذْكُرْ أَنَّ صَاحِبَ الْبَذْرِ قَالَ لِصَاحِبِ الْأَرْضِ: ازْرَعْهَا لِنَفْسِك إنَّمَا ذَكَرَ أَنَّ صَاحِبَ الْبَذْرِ قَالَ لَهُ: ازْرَعْهَا لِيَكُونَ الْخَارِجُ بَيْنَنَا وَفِي هَذِهِ الصُّورَةِ لَا يَصِيرُ الْمُزَارِعُ مُسْتَقْرِضًا الْبَذْرَ وَبَقِيَ الْبَذْرُ عَلَى مِلْكِ صَاحِبِهِ فَيَكُونُ الرِّبْحُ لِصَاحِبِ الْبَذْرِ عِنْدَ فَسَادِ الْمُزَارَعَةِ حَتَّى لَوْ قَالَ صَاحِبُ الْبَذْرِ لِصَاحِبِ الْأَرْضِ: ازْرَعْهَا لِنَفْسِك عَلَى أَنَّ الْخَارِجَ بَيْنَنَا وَبَاقِي الْمَسْأَلَةِ بِحَالِهَا كَانَ الْخَارِجُ لِصَاحِبِ الْأَرْضِ كَمَا فِي مَسْأَلَةِ الْمَأْذُونِ كَذَا فِي الْمُحِيطِ.

وَإِذَا دَفَعَ الرَّجُلُ بَذْرًا إلَى رَجُلٍ وَقَالَ: ازْرَعْهُ فِي أَرْضِك لِيَكُونَ الْخَارِجُ كُلُّهُ لَك أَوْ قَالَ: ازْرَعْ أَرْضَك بِبَذْرِي لِيَكُونَ الْخَارِجُ كُلُّهُ لَك فَهَذَا جَائِزٌ وَيَصِيرُ صَاحِبُ الْبَذْرِ مُقْرِضًا لِلْبَذْرِ مِنْ صَاحِبِ الْأَرْضِ لِيَزْرَعَهُ فِي أَرْضِهِ وَقَدْ قَبَضَهُ رَبُّ الْأَرْضِ بِيَدِهِ حَقِيقَةً، وَإِنْ كَانَ صَاحِبُ الْبَذْرِ قَالَ لَهُ: ازْرَعْ لِي أَرْضَك بِبَذْرِي لِيَكُونَ الْخَارِجُ كُلُّهُ لَك فَهَذَا فَاسِدٌ وَالْخَارِجُ كُلُّهُ لِصَاحِبِ الْبَذْرِ، وَإِذَا دَفَعَ بَذْرًا إلَى رَجُلٍ لِيَزْرَعَهُ فِي أَرْضِهِ عَلَى أَنَّ الْخَارِجَ كُلَّهُ لِصَاحِبِ الْبَذْرِ فَهَذَا جَائِزٌ وَيَصِيرُ صَاحِبُ الْبَذْرِ مُسْتَعِيرًا لِلْأَرْضِ مِنْ رَبِّ الْأَرْضِ وَمُسْتَعِينًا بِهِ لِيَزْرَعَ لَهُ بَذْرَهُ وَكُلُّ ذَلِكَ جَائِزٌ، وَلَوْ كَانَ قَالَ: اُبْذُرْ هَذَا فِي أَرْضِك لِنَفْسِك عَلَى أَنَّ مَا أَخْرَجَ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ لِي كُلُّهُ فَالْخَارِجُ كُلُّهُ لِصَاحِبِ الْأَرْضِ وَلِصَاحِبِ الْبَذْرِ عَلَى صَاحِبِ الْأَرْضِ مِثْلُ بَذْرِهِ كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ

وَإِذَا دَفَعَ الرَّجُلُ أَرْضَهُ إلَى رَجُلٍ لِيَزْرَعَهَا عَلَى أَنَّ مَا رَزَقَ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ وَسَكَتَا عَنْ شَرْطِ الْبَقَرِ عَلَى الْعَامِلِ أَوْ اشْتَرَطَا الْبَقَرَ عَلَى الْعَامِلِ فَالْبَقَرُ عَلَى الْعَامِلِ سَوَاءٌ كَانَ الْبَذْرُ مِنْهُ أَوْ مِنْ صَاحِبِ الْأَرْضِ لِأَنَّ الْبَقَرَ آلَةُ الْعَمَلِ فَيَكُونُ عَلَى مَنْ عَلَيْهِ الْعَمَلُ هَكَذَا فِي خِزَانَةِ الْمُفْتِينَ.

إذَا شُرِطَ فِي عَقْدِ الْمُزَارَعَةِ بَعْضُ الْخَارِجِ لِرَجُلٍ سِوَى الْمُزَارِعِ وَرَبِّ الْأَرْضِ يُنْظَرُ إنْ لَمْ يُشْتَرَطْ عَمَلُهُ فِي الْمُزَارَعَةِ لَمْ يُوجِبْ فَسَادَ الْمُزَارَعَةِ وَيَكُونُ مَا شُرِطَ لَهُ لِصَاحِبِ الْبَذْرِ وَإِنْ شُرِطَ عَمَلُهُ فِي الْمُزَارَعَةِ إنْ كَانَ الْبَذْرُ مِنْ قِبَلِ الْمُزَارِعِ بِأَنْ دَفَعَ أَرْضَهُ إلَى رَجُلٍ عَلَى أَنْ يَزْرَعَهَا بِبَذْرِهِ وَبِبَقَرِهِ وَيَعْمَلَ فِيهَا هَذَا الرَّجُلُ الْآخَرُ فَمَا أَخْرَجَ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ شَيْءٍ فَالثُّلُثُ مِنْ ذَلِكَ لِصَاحِبِ الْأَرْضِ وَالثُّلُثُ لِصَاحِبِ الْبَذْرِ وَالثُّلُثُ لِلْعَامِلِ الَّذِي لَا بَذْرَ لَهُ فَهَذِهِ الْمُزَارَعَةُ فَاسِدَةٌ أَرَادَ بِهِ الْفَسَادَ فِي حَقِّ الْمُزَارِعِ الثَّانِي لَا الْمُزَارِعِ الْأَوَّلِ لِأَنَّ الْمُزَارَعَةَ الثَّانِيَةَ غَيْرُ مَشْرُوطَةٍ فِي الْمُزَارَعَةِ الْأُولَى حَتَّى لَوْ كَانَتْ الْمُزَارَعَةُ الثَّانِيَةُ مَشْرُوطَةً فِي الْمُزَارَعَةِ الْأُولَى بِأَنْ قَالَ: عَلَى أَنْ يَعْمَلَ هَذَا الرَّجُلُ الْآخَرُ مَعَهُ كَانَتْ الْمُزَارَعَةُ الْأُولَى فَاسِدَةً عِنْدَ بَعْضِ الْمَشَايِخِ وَبِهِ كَانَ يُفْتِي شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ وَلَوْ كَانَ الْبَذْرُ مِنْ قِبَلِ رَبِّ الْأَرْضِ وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا كَانَتْ هَذِهِ مُزَارَعَةً جَائِزَةً لِأَنَّ الْبَذْرَ إذَا كَانَ مِنْ جِهَةِ صَاحِبِ الْأَرْضِ كَانَ مُسْتَأْجِرًا لِلْعَامِلِينَ بِبَعْضِ الْخَارِجِ فَهَذَا جَائِزٌ كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ.

إذَا شُرِطَ فِي عَقْدِ الْمُزَارَعَةِ بَعْضُ الْخَارِجِ لِعَبْدِ أَحَدِهِمَا فَهَذَا عَلَى وَجْهَيْنِ: الْأَوَّلُ أَنْ يَكُونَ الْبَذْرُ مِنْ صَاحِبِ الْأَرْضِ وَقَدْ شُرِطَ ثُلُثُ الْخَارِجِ لِرَبِّ الْأَرْضِ وَالثُّلُثُ لِلْمُزَارِعِ وَالثُّلُثُ لِعَبْدِ رَبِّ الْأَرْضِ فَالْمُزَارَعَةُ جَائِزَةٌ سَوَاءٌ كَانَ عَلَى الْعَبْدِ دَيْنٌ أَوْ لَمْ يَكُنْ وَسَوَاءٌ شُرِطَ عَمَلُ الْعَبْدِ مَعَ الْمُزَارِعِ أَوْ لَمْ يَشْرُطْ، هَذَا الَّذِي ذَكَرْنَا إذَا كَانَ الْبَذْرُ مِنْ قِبَلِ رَبِّ الْأَرْضِ وَشُرِطَ ثُلُثُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>