للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عَلَى الْغَنِيِّ دُونَ الْفَقِيرِ فَمَا يَجِبُ مِنْ غَيْرِ نَذْرٍ وَلَا شِرَاءٍ لِلْأُضْحِيَّةِ بَلْ شُكْرًا لِنِعْمَةِ الْحَيَاةِ وَإِحْيَاءً لِمِيرَاثِ الْخَلِيلِ حِينَ أَمَرَهُ اللَّهُ بِذَبْحِ الْكَبْشِ فِي هَذِهِ الْأَيَّامِ، كَذَا فِي الْبَدَائِعِ.

(وَأَمَّا) (شَرَائِطُ الْوُجُوبِ) : مِنْهَا الْيَسَارُ وَهُوَ مَا يَتَعَلَّقُ بِهِ وُجُوبِ صَدَقَةِ الْفِطْرِ دُونَ مَا يَتَعَلَّقُ بِهِ وُجُوبُ الزَّكَاةِ، وَأَمَّا الْبُلُوغُ وَالْعَقْلُ فَلَيْسَا بِشَرْطٍ حَتَّى لَوْ كَانَ لِلصَّغِيرِ مَالٌ يُضَحِّي عَنْهُ أَبُوهُ أَوْ وَصِيُّهُ مِنْ مَالِهِ وَلَا يَتَصَدَّقُ بِهِ وَلَا يَضْمَنَانِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى، وَإِنْ تَصَدَّقَ بِهَا ضَمِنَ، كَذَا فِي مُحِيطِ السَّرَخْسِيِّ. وَمِنْهَا الْإِسْلَامُ فَلَا تَجِبُ عَلَى الْكَافِرِ وَلَا يُشْتَرَطُ الْإِسْلَامُ فِي جَمِيعِ الْوَقْتِ مِنْ أَوَّلِهِ إلَى آخِرِهِ حَتَّى لَوْ كَانَ كَافِرًا فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ، ثُمَّ أَسْلَمَ فِي آخِرِهِ تَجِبُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ وَقْتَ الْوُجُوبِ مُنْفَصِلٌ عَنْ أَدَاءِ الْوَاجِبِ فَيَكْفِي فِي وُجُوبِهَا بَقَاءُ جُزْءٍ مِنْ الْوَقْتِ، وَمِنْهَا الْحُرِّيَّةُ فَلَا تَجِبُ عَلَى الْعَبْدِ وَإِنْ كَانَ مَأْذُونًا فِي التِّجَارَةِ أَوْ مُكَاتَبًا، وَلَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونُ حُرًّا مِنْ أَوَّلِ الْوَقْتِ بَلْ تَكْفِي فِيهِ الْحُرِّيَّةُ فِي آخِرِ جُزْءٍ مِنْ الْوَقْتِ، حَتَّى لَوْ عَتَقَ فِي آخِرِ الْوَقْتِ وَمَلَكَ نِصَابًا تَجِبُ عَلَيْهِ الْأُضْحِيَّةُ، وَمِنْهَا الْإِقَامَةُ فَلَا تَجِبُ عَلَى الْمُسَافِرِ وَلَا تُشْتَرَطُ الْإِقَامَةُ فِي جَمِيعِ الْوَقْتِ حَتَّى لَوْ كَانَ مُسَافِرًا فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ ثُمَّ أَقَامَ فِي آخِرِهِ تَجِبُ عَلَيْهِ، وَلَوْ كَانَ مُقِيمًا فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ ثُمَّ سَافَرَ ثُمَّ أَقَامَ تَجِبُ عَلَيْهِ، هَذَا إذَا سَافَرَ قَبْلَ أَنْ يَشْتَرِيَ الْأُضْحِيَّةَ فَإِنْ اشْتَرَى شَاةً لِلْأُضْحِيَّةِ ثُمَّ سَافَرَ ذَكَرَ فِي الْمُنْتَقَى: لَهُ أَنْ يَبِيعَهَا وَلَا يُضَحِّيَ بِهَا، وَكَذَا رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَنَّهُ يَبِيعُهَا، وَمِنْ الْمَشَايِخِ مَنْ فَصَلَ بَيْنَ الْمُوسِرِ وَالْمُعْسِرِ فَقَالَ: إنْ كَانَ مُوسِرًا فَالْجَوَابُ كَذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ مُعْسِرًا يَنْبَغِي أَنْ تَجِبَ عَلَيْهِ وَلَا تَسْقُطَ عَنْهُ بِالسَّفَرِ، وَإِنْ سَافَرَ بَعْدَ دُخُولِ الْوَقْتِ قَالُوا: يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْجَوَابُ كَذَلِكَ، وَجَمِيعُ مَا ذَكَرْنَا مِنْ الشُّرُوطِ يَسْتَوِي فِيهِ الرَّجُلُ وَالْمَرْأَةُ، كَذَا فِي الْبَدَائِعِ.

(وَأَمَّا) (حُكْمُهَا) : فَالْخُرُوجُ عَنْ عُهْدَةِ الْوَاجِبِ فِي الدُّنْيَا وَالْوُصُولُ إلَى الثَّوَابِ بِفَضْلِ اللَّهِ تَعَالَى فِي الْعُقْبَى، كَذَا فِي الْغِيَاثِيَّةِ. وَالْمُوسِرُ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ مَنْ لَهُ مِائَتَا دِرْهَمٍ أَوْ عِشْرُونَ دِينَارًا أَوْ شَيْءٌ يَبْلُغُ ذَلِكَ سِوَى مَسْكَنِهِ وَمَتَاعِ مَسْكَنِهِ وَمَرْكُوبِهِ وَخَادِمِهِ فِي حَاجَتِهِ الَّتِي لَا يَسْتَغْنِي عَنْهَا، فَأَمَّا مَا عَدَا ذَلِكَ مِنْ سَائِمَةٍ أَوْ رَقِيقٍ أَوْ خَيْلٍ أَوْ مَتَاعٍ لِتِجَارَةِ أَوْ غَيْرِهَا فَإِنَّهُ يُعْتَدُّ بِهِ مِنْ يَسَارِهِ، وَإِنْ كَانَ لَهُ عَقَارٌ وَمُسْتَغَلَّاتُ مِلْكٍ اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ الْمُتَأَخِّرُونَ - رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى - فَالزَّعْفَرَانِيُّ وَالْفَقِيهُ عَلِيٌّ الرَّازِيّ اعْتَبَرَا قِيمَتَهَا، وَأَبُو عَلِيٍّ الدَّقَّاقُ وَغَيْرُهُ اعْتَبَرُوا الدَّخْلَ، وَاخْتَلَفُوا فِيمَا بَيْنَهُمْ قَالَ أَبُو عَلِيٍّ الدَّقَّاقُ إنْ كَانَ يَدْخُلُ لَهُ مِنْ ذَلِكَ قُوتُ سَنَةٍ فَعَلَيْهِ الْأُضْحِيَّةُ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: قُوتُ شَهْرٍ، وَمَتَى فَضَلَ مِنْ ذَلِكَ قَدْرُ مِائَتِي دِرْهَمٍ فَصَاعِدًا فَعَلَيْهِ الْأُضْحِيَّةُ، وَإِنْ كَانَ الْعَقَارُ وَقْفًا عَلَيْهِ يُنْظَرُ إنْ كَانَ قَدْ وَجَبَ لَهُ فِي أَيَّامِ الْأَضْحَى قَدْرُ مِائَتِي دِرْهَمٍ فَصَاعِدًا فَعَلَيْهِ الْأُضْحِيَّةُ وَإِلَّا فَلَا، كَذَا فِي الظَّهِيرِيِّةِ.

وَلَوْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ بِحَيْثُ لَوْ صُرِفَ فِيهِ نَقَصَ نِصَابُهُ لَا تَجِبُ، وَكَذَا لَوْ كَانَ لَهُ مَالٌ غَائِبٌ لَا يَصِلُ إلَيْهِ فِي أَيَّامِهِ، وَلَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونُ غَنِيًّا فِي جَمِيعِ الْوَقْتِ حَتَّى لَوْ كَانَ فَقِيرًا فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ، ثُمَّ أَيْسَرَ فِي آخِرِهِ تَجِبُ عَلَيْهِ، وَلَوْ كَانَ لَهُ مِائَتَا دِرْهَمٍ فَحَالَ عَلَيْهَا الْحَوْلُ فَزَكَّى خَمْسَةَ دَرَاهِمَ، ثُمَّ حَضَرَ أَيَّامَ النَّحْرِ وَمَالُهُ مِائَةٌ وَخَمْسَةٌ وَتِسْعُونَ لَا رِوَايَةَ فِيهِ، ذَكَرَ الزَّعْفَرَانِيُّ أَنَّهُ تَجِبُ عَلَيْهِ الْأُضْحِيَّةُ؛ لِأَنَّهُ انْتَقَصَ بِالصَّرْفِ إلَى جِهَةٍ هِيَ قُرْبَةٌ فَيُجْعَلُ قَائِمًا تَقْدِيرًا، حَتَّى لَوْ صَرَفَ خَمْسَةً مِنْهَا إلَى النَّفَقَةِ لَا تَجِبُ، وَلَوْ اشْتَرَى الْمُوسِرُ شَاةً لِلْأُضْحِيَّةِ فَضَاعَتْ حَتَّى انْتَقَصَ نِصَابُهُ وَصَارَ فَقِيرًا فَجَاءَتْ أَيَّامُ النَّحْرِ فَلَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يَشْتَرِيَ شَاةً أُخْرَى، فَلَوْ أَنَّهُ وَجَدَهَا وَهُوَ مُعْسِرٌ وَذَلِكَ فِي أَيَّامِ النَّحْرِ فَلَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يُضَحِّيَ بِهَا، وَلَوْ ضَاعَتْ ثُمَّ اشْتَرَى أُخْرَى وَهُوَ مُوسِرٌ فَضَحَّى بِهَا، ثُمَّ وَجَدَ الْأُولَى وَهُوَ مُعْسِرٌ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِشَيْءٍ، كَذَا فِي الْبَدَائِعِ.

وَالْمَرْأَةُ تُعْتَبَرُ مُوسِرَةً بِالْمَهْرِ إذَا كَانَ الزَّوْجُ مَلِيًّا عِنْدَهُمَا، وَعَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - الْآخَرِ لَا تُعْتَبَرُ مُوسِرَةً بِذَلِكَ قِيلَ: هَذَا الِاخْتِلَافُ بَيْنَهُمْ فِي الْمُعَجَّلِ الَّذِي يُقَالُ لَهُ بِالْفَارِسِيَّةِ (دست بيمان) ، وَأَمَّا الْمُؤَجَّلُ الَّذِي سُمِّيَ بِالْفَارِسِيَّةِ (كابين) فَالْمَرْأَةُ لَا تُعْتَبَرُ مُوسِرَةً بِذَلِكَ بِالْإِجْمَاعِ، وَفِي الْأَجْنَاسِ إنْ كَانَ خَبَّازٌ عِنْدَهُ حِنْطَةٌ قِيمَتُهَا مِائَتَا دِرْهَمٍ يَتَّجِرُ بِهَا أَوْ مِلْحٌ قِيمَتُهُ مِائَتَا دِرْهَمٍ أَوْ قَصَّارٌ عِنْدَهُ صَابُونٌ أَوْ أُشْنَانٌ قِيمَتُهُمَا مِائَتَا دِرْهَمٍ فَعَلَيْهِ الْأُضْحِيَّةُ، كَذَا فِي الْمُحِيطِ.

وَإِنْ كَانَ لَهُ مُصْحَفٌ قِيمَتُهُ مِائَتَا دِرْهَمٍ وَهُوَ مِمَّنْ يُحْسِنُ أَنْ يَقْرَأَ مِنْهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>