الرِّجَالِ فِي جَمِيعِ الْأَحْوَالِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ - رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى - لَا يُكْرَهُ فِي حَالَةِ الْحَرْبِ وَيُكْرَهُ فِي غَيْرِ حَالَةِ الْحَرْبِ، وَمِنْ الْعُلَمَاءِ مَنْ قَالَ لَا يُكْرَهُ ذَلِكَ فِي الْأَحْوَالِ كُلِّهَا، وَفِي شَرْحِ الْقَاضِي الْإِمَامِ الْإِسْبِيجَابِيِّ أَنَّ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ - رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى - إنَّمَا لَا يُكْرَهُ لُبْسِ الْحَرِيرِ لِلرِّجَالِ فِي حَالَةِ الْحَرْبِ إذَا كَانَ صَفِيقًا يَدْفَعُ مَعَرَّةَ السِّلَاحِ، كَذَا فِي الْمُحِيطِ. وَأَمَّا إذَا كَانَ رَقِيقًا لَا يَصْلُحُ لِذَلِكَ، فَإِنَّ ذَلِكَ مَكْرُوهٌ بِالْإِجْمَاعِ كَذَا فِي الْمُضْمَرَاتِ. أَمَّا مَا كَانَ سُدَاهُ حَرِيرًا وَلُحْمَتُهُ غَيْرَ حَرِيرٍ فَلَا بَأْسَ بِلُبْسِهِ بِلَا خِلَافٍ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ، وَهُوَ الصَّحِيحُ وَعَلَيْهِ عَامَّةُ الْمَشَايِخِ - رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى - ذَكَرَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ فِي شَرْحِ السِّيَرِ الثَّوْبَ إذَا كَانَتْ لُحْمَتُهُ مِنْ قُطْنٍ وَكَانَ سُدَاهُ مِنْ إبْرَيْسَمٍ، فَإِنْ كَانَ الْإِبْرَيْسَمُ يُرَى كُرِهَ لِلرِّجَالِ لُبْسُهُ، وَإِنْ كَانَ لَا يُرَى لَا يُكْرَهُ لَهُمْ لُبْسُهُ هَذَا هُوَ الْكَلَامُ فِي غَيْرِ حَالَةِ الْحَرْبِ. (جِئْنَا إلَى حَالَةِ الْحَرْبِ) فَنَقُولُ: لَا شَكَّ أَنَّ مَا كَانَ لُحْمَتُهُ غَيْرَ حَرِيرٍ وَسُدَاهُ حَرِيرًا يُبَاحُ لُبْسُهُ فِي حَالَةِ الْحَرْبِ؛ لِأَنَّهُ يُبَاحُ لُبْسُهُ فِي غَيْرِ حَالَةِ الْحَرْبِ فَلَأَنْ يُبَاحَ لُبْسُهُ فِي حَالَةِ الْحَرْبِ وَالْأَمْرُ فِيهِ وَاسِعٌ كَانَ أَوْلَى، وَأَمَّا مَا كَانَ لُحْمَتُهُ حَرِيرًا وَسُدَاهُ غَيْرَ حَرِيرٍ، فَإِنَّهُ يُبَاحُ لُبْسُهُ فِي حَالَةِ الْحَرْبِ بِالْإِجْمَاعِ، كَذَا فِي الْمُحِيطِ.
يُكْرَهُ لُبْسِ الدِّيبَاجِ لِلرِّجَالِ وَلَا بَأْسَ بِتَوَسُّدِهِ وَالنَّوْمِ عَلَيْهِ وَقَالَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: يُكْرَهُ، وَقَوْلُ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى - مِثْلُ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - ذَكَرَهُ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ، كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ.
وَفِي الْمُنْتَقَى ابْنُ سِمَاعَةَ عَنْ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَلَيْسَ الْقُعُودُ عَلَى الْحَرِيرِ وَالدِّيبَاجِ كَاللُّبْسِ فِي الْكَرَاهَةِ، فَإِنْ أَرَادَ بِقَوْلِهِ لَيْسَ الْقُعُودُ عَلَيْهِمَا كَاللُّبْسِ نَفَى الْكَرَاهَةَ أَصْلًا صَارَ عَنْ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي الْقُعُودِ عَلَى الدِّيبَاجِ رِوَايَتَانِ، فَإِنَّ ظَاهِرَ مَذْهَبِهِ أَنَّ الْقُعُودَ عَلَى الدِّيبَاجِ مَكْرُوهٌ، وَإِنْ أَرَادَ بِهِ إثْبَاتَ التَّفَاوُتِ فِي الْكَرَاهَةِ لَا يَصِيرُ فِي الْمَسْأَلَةِ رِوَايَتَانِ بَلْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَكْرُوهٌ إلَّا أَنَّ اللُّبْسَ أَشَدُّ كَرَاهَةٍ، كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ.
وَلَا بَأْسَ بِلُبْسِ الْحَرِيرِ وَالدِّيبَاجِ فِي الْحَرْبِ وَقِيلَ: يُكْرَهُ هُوَ الْأَصَحُّ، كَذَا فِي خِزَانَةِ الْمُفْتِينَ. فِي الْعُيُونِ أَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لَا يَرَى بَأْسًا بِلُبْسِ الْخَزِّ لِلرِّجَالِ، وَإِنْ كَانَ سُدَاهُ إبْرَيْسَمًا أَوْ حَرِيرًا، كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ.
وَمَا كَانَ مِنْ الثِّيَابِ الْغَالِبِ عَلَيْهِ الْقَزُّ كَالْخَزِّ وَنَحْوِهِ لَا بَأْسَ وَيُكْرَهُ مَا كَانَ ظَاهِرُهُ الْقَزَّ، وَكَذَا مَا كَانَ خَطٌّ مِنْهُ خَزٌّ وَخَطٌّ مِنْهُ قَزٌّ، وَهُوَ ظَاهِرٌ لَا خَيْرَ فِيهِ، كَذَا فِي الْقُنْيَةِ. وَكَانَ أَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لَا يَرَى بَأْسًا بِلُبْسِ الْخَزِّ لِلرِّجَالِ وَإِنْ كَانَ سُدَاهُ حَرِيرًا. (قَالَ الْعَبْدُ) : الْخَزُّ فِي زَمَانِهِمْ كَانَ مِنْ أَوْبَارِ ذَلِكَ الْحَيَوَانِ الْمَائِيِّ الَّذِي يُسَمَّى بِالْعَرَبِيَّةِ خَزًّا وَقُضَاعَةً وَبِالتُّرْكِيَّةِ (قندز) وَالْيَوْمَ يُتَّخَذُ مِنْ الْحَرِيرِ الْعَفَنِ فَيَجِبُ أَنْ يُكْرَهَ كَالْقَزِّ، كَذَا فِي الْمُلْتَقَطِ. قَالَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لَا بَأْسَ بِالْخَزِّ إذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ شُهْرَةٌ وَإِلَّا فَلَا خَيْرَ فِيهِ، كَذَا فِي الْغِيَاثِيَّةِ.
وَمَا يُكْرَهُ لِلرِّجَالِ لُبْسُهُ يُكْرَهُ لِلْغِلْمَانِ وَالصِّبْيَانِ؛ لِأَنَّ النَّصَّ حَرَّمَ الذَّهَبَ وَالْحَرِيرَ عَلَى ذُكُورِ أُمَّتِهِ بِلَا قَيْدِ الْبُلُوغِ وَالْحُرِّيَّةِ، وَالْأَثِمُ عَلَى مَنْ أَلْبَسَهُمْ؛ لِأَنَّا أُمِرْنَا بِحِفْظِهِمْ، كَذَا فِي التُّمُرْتَاشِيِّ.
اسْتِعْمَالُ اللِّحَافِ مِنْ إبْرَيْسَمٍ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ نَوْعُ لُبْسٍ. لَا بَأْسَ بِمُلَاءَةِ حَرِيرٍ تُوضَعُ عَلَى مَهْدِ الصَّبِيِّ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِلُبْسٍ، وَكَذَا الْكِلَّةُ مِنْ الْحَرِيرِ لِلرِّجَالِ لِأَنَّهَا كَالْبَيْتِ، كَذَا فِي الْقُنْيَةِ. فِي الْإِسْبِيجَابِيِّ لَا بَأْسَ بِجَعْلِ اللِّفَافَةِ مِنْ الْحَرِيرِ، كَذَا فِي التُّمُرْتَاشِيِّ. وَفِي فَتَاوَى الْعَصْرِ وَفَتَاوَى أَبِي الْفَضْلِ الْكَرْمَانِيِّ يُكْرَهُ جَعْلُ اللِّفَافَةِ مِنْ الْحَرِيرِ لِلرِّجَالِ فَقَالَ عَيْنُ الْأَئِمَّةِ الْكَرَابِيسِيُّ: لَا يَجُوزُ، كَذَا فِي الْقُنْيَةِ.
وَلَا بَأْسَ بِسِتْرِ الْحَرِيرِ وَتَعْلِيقِهِ عَلَى الْبَابِ وَقَالَا: يُكْرَهُ، كَذَا فِي الِاخْتِيَارِ شَرْحِ الْمُخْتَارِ.
دَلَّالٌ يُلْقِي ثَوْبَ الدِّيبَاجِ عَلَى مَنْكِبَيْهِ لِلْبَيْعِ يَجُوزُ إذَا لَمْ يُدْخِلْ يَدَيْهِ فِي الْكُمَّيْنِ قَالَ عَيْنُ الْأَئِمَّةِ الْكَرَابِيسِيُّ: فِيهِ كَلَامٌ بَيْنَ الْمَشَايِخِ، كَذَا فِي الْقُنْيَةِ. قَالَ عَامَّةُ الْعُلَمَاءِ يَحِلُّ لَهُنَّ لُبْسِ الْحَرِيرِ الْخَالِصِ، كَذَا فِي الْمُحِيطِ.
وَأَمَّا لُبْسِ مَا عَلَمُهُ حَرِيرٌ أَوَمَكْفُوفٌ بِهِ فَمُطْلَقٌ عِنْدَ عَامَّةِ الْفُقَهَاءِ، كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ.
وَرُوِيَ بِشْرٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِالْعَلَمِ مِنْ الْحَرِيرِ فِي الثَّوْبِ