للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حَمَامَةً فِي الْمِصْرِ يَعْرِفُ أَنَّ مِثْلَهَا لَا يَكُونُ وَحْشِيًّا، فَعَلَيْهِ أَنْ يُعَرِّفَهَا؛ لِأَنَّهَا بِمَنْزِلَةِ اللُّقَطَةِ؛ وَبِهَذَا تَبَيَّنَ أَنَّ مَنْ اتَّخَذَ بُرْجَ حَمَامٍ فَأَوْكَرَتْ فِيهَا حَمَامُ النَّاسِ فَمَا يَأْخُذُ مِنْ فِرَاخِهَا لَا يَحِلُّ لَهُ لِأَنَّ الْفَرْخَ يُمْلَكُ بِمِلْكِ الْأَصْلِ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ اللُّقَطَةِ فِي يَدِهِ إلَّا أَنَّهُ إنْ كَانَ فَقِيرًا يَحِلُّ أَنْ يَتَنَاوَلَ لِحَاجَتِهِ، وَإِنْ كَانَ غَنِيًّا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِهَا عَلَى فَقِيرٍ ثُمَّ يَشْتَرِيَ مِنْهُ بِشَيْءٍ فَيَتَنَاوَلَ، وَهَكَذَا كَانَ يَفْعَلُ شَيْخُنَا الْإِمَامُ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَكَانَ مُولَعًا بِأَكْلِ الْحَمَامِ كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ.

ابْنُ سِمَاعَةَ عَنْ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي رَجُلٍ رَمَى صَيْدًا، فَصَرَعَهُ فَغُشِيَ عَلَيْهِ سَاعَةً مِنْ غَيْرِ جُرْحٍ ثُمَّ ذَهَبَ عَنْهُ الْغَشْيُ فَمَضَى أَوْ كَانَ طَائِرًا فَطَارَ فَرَمَاهُ رَجُلٌ آخَرُ فَصَرَعَهُ، وَأَخَذَهُ فَهُوَ لِلْآخِذِ، وَإِنْ كَانَ أَخَذَهُ الْأَوَّلُ فِي غَشْيَتِهِ تِلْكَ، وَأَخَذَهُ الْآخَرُ، وَهُوَ عَلَى تِلْكَ الْحَالَةِ قَبْلَ اسْتِقْلَالِهِ وَتَحَامُلِهِ فَهُوَ لِلْأَوَّلِ مِنْهُمَا، وَأَنَّهُ ظَاهِرٌ وَالِاسْتِقْلَالُ الِارْتِفَاعُ.

رَجُلٌ رَمَى صَيْدًا فَجَرَحَهُ جِرَاحَةً لَا يَسْتَطِيعُ مَعَهَا النُّهُوضَ أَيْ الْقِيَامَ فَلَبِثَ كَذَلِكَ مَا شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ بَرِئَ، وَتَمَاثَلَ ثُمَّ رَمَاهُ آخَرُ، وَأَخَذَهُ فَالصَّيْدُ لِلْأَوَّلِ كَذَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ.

وَإِذَا رَمَى سَهْمًا إلَى صَيْدٍ فَأَصَابَهُ، وَأَثْخَنَهُ حَتَّى لَا يَسْتَطِيعَ بَرَاحًا مِنْ مَكَانِهِ ثُمَّ رَمَاهُ آخَرُ، فَأَصَابَهُ وَمَاتَ لَا يَحِلُّ أَكْلُهُ هَذَا إذَا عَلِمَ أَنَّهُ مَاتَ مِنْ الرَّمْيَةِ الثَّانِيَةِ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ مِنْ أَيَّةِ الرَّمْيَتَيْنِ مَاتَ أَمَّا إذَا عَلِمَ أَنَّهُ مَاتَ مِنْ الرَّمْيَةِ الْأُولَى حَلَّ، وَالْعِبْرَةُ فِي حَقِّ الْحِلِّ لِوَقْتِ الرَّمْيِ كَذَا فِي خِزَانَةِ الْمُفْتِينَ.

وَمَنْ رَمَى صَيْدًا فَأَصَابَهُ، وَلَمْ يُثْخِنْهُ، وَلَمْ يُخْرِجْهُ مِنْ حَيِّزِ الِامْتِنَاعِ فَرَمَاهُ آخَرُ فَقَتَلَهُ فَهُوَ لِلثَّانِي وَيُؤْكَلُ، وَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ أَثْخَنَهُ فَرَمَاهُ الْآخَرُ فَقَتَلَهُ فَهُوَ لِلْأَوَّلِ، وَلَمْ يُؤْكَلْ، وَهَذَا إذَا كَانَ الرَّمْيُ الْأَوَّلُ بِحَالٍ يَنْجُو مِنْهُ الصَّيْدُ حَتَّى يَكُونَ الْمَوْتُ مُضَافًا إلَى الرَّمْيِ الثَّانِي أَمَّا إذَا كَانَ الرَّمْيُ الْأَوَّلُ بِحَالٍ لَا يَنْجُو مِنْهُ الصَّيْدُ بِأَنْ بَقِيَ فِيهِ مِنْ الْحَيَاةِ بِقَدْرِ مَا يَبْقَى فِي الْمَذْبُوحِ كَمَا لَوْ أَبَانَ رَأْسَهُ يَحِلُّ، وَإِنْ كَانَ الرَّمْيُ الْأَوَّلُ بِحَالٍ لَا يَعِيشُ مِنْهُ الصَّيْدُ غَيْرَ أَنَّهُ بَقِيَ فِيهِ مِنْ الْحَيَاةِ أَكْثَرُ مَا يَكُونُ فِي الْمَذْبُوحِ بِأَنْ كَانَ يَعِيشُ يَوْمًا أَوْ دُونَهُ فَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لَا يَحْرُمُ بِالرَّمْيَةِ الثَّانِيَةِ؛ لِأَنَّهُ لَا عِبْرَةَ لِهَذَا الْقَدْرِ مِنْ الْحَيَاةِ عِنْدَهُ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - يَحْرُمُ؛ لِأَنَّ لِهَذَا الْقَدْرِ مِنْ الْحَيَاةِ عِبْرَةً عِنْدَهُ فَصَارَ الْجَوَابُ فِيهِ وَالْجَوَابُ فِيمَا إذَا كَانَ الْأَوَّلُ بِحَالٍ يَسْلَمُ مِنْهُ الصَّيْدُ سَوَاءٌ فَلَا يَحِلُّ، وَضَمِنَ الثَّانِي لِلْأَوَّلِ قِيمَتَهُ غَيْرَ مَا نَقَصَتْهُ جِرَاحَتُهُ، وَهَذَا إذَا عُلِمَ أَنَّ الْقَتْلَ حَصَلَ بِالثَّانِي بِأَنْ كَانَ الرَّمْيُ الْأَوَّلُ بِحَالٍ يَجُوزُ أَنْ يَسْلَمَ الصَّيْدُ مِنْهُ لِيَكُونَ الْقَتْلُ مُضَافًا إلَى الثَّانِي، وَإِنْ عُلِمَ أَنَّ الْمَوْتَ حَصَلَ مِنْ الْجُرْحَيْنِ أَوْ لَمْ يَدْرِ ضَمِنَ الثَّانِي مَا نَقَصَتْهُ جِرَاحَتُهُ؛ لِأَنَّهُ جَرَحَ حَيَوَانًا مَمْلُوكًا لِلْغَيْرِ، وَقَدْ نَقَصَهُ فَضَمِنَ مَا نَقَصَهُ ثُمَّ يَضْمَنُ نِصْفَ قِيمَتِهِ مَجْرُوحًا بِالْجُرْحَيْنِ لِحُصُولِ الْمَوْتِ بِالْجُرْحَيْنِ فَكَانَ مُتْلِفًا نِصْفَهُ، وَهُوَ مَمْلُوكُ غَيْرِهِ فَيَضْمَنُ نِصْفَ قِيمَتِهِ مَجْرُوحًا بِالْجُرْحَيْنِ؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَ لَمْ يَكُنْ بِصُنْعِهِ، وَقَدْ ضَمِنَ الثَّانِي مَرَّةً فَلَا يَضْمَنُهُ ثَانِيًا ثُمَّ يَضْمَنُ نِصْفَ قِيمَةِ لَحْمِهِ ذَكِيًّا لِأَنَّهُ بِالرَّمْيِ الْأَوَّلِ صَارَ بِحَالٍ يَحِلُّ بِذَكَاةِ الِاخْتِيَارِ لَوْ لَمْ يَكُنْ الرَّمْيُ الثَّانِي فَهُوَ بِالرَّمْيِ الثَّانِي أَفْسَدَ عَلَيْهِ نِصْفَ اللَّحْمِ فَيَضْمَنُهُ، وَلَا يَضْمَنُ النِّصْفَ الْآخَرَ؛ لِأَنَّهُ قَدْ ضَمِنَهُ مَرَّةً فَدَخَلَ ضَمَانُ اللَّحْمِ فِيهِ كَذَا فِي الْكَافِي.

وَإِنْ رَمَاهُ الثَّانِي قَبْلَ أَنْ يُصِيبَهُ سَهْمُ الْأَوَّلِ فَقَتَلَهُ لَا يَحْرُمُ أَكْلُهُ، وَلَا يَضْمَنُ الثَّانِي شَيْئًا، وَإِنْ كَانَ الصَّيْدُ بَعْدَ مَا أَصَابَهُ سَهْمُ الْأَوَّلِ يَتَحَامَلُ، وَيَطِيرُ فَرَمَاهُ الثَّانِي، وَقَتَلَهُ يَكُونُ لِلثَّانِي، وَيَحِلُّ أَكْلُهُ كَذَا فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ.

<<  <  ج: ص:  >  >>