للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْمَسْأَلَةُ عَلَى وَجْهَيْنِ: (الْأَوَّلِ) : أَنْ تَقَعَ الدَّعْوَى حَالَ حَيَاةِ الرَّاهِنِ، وَأَنَّهُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ: الْأَوَّلُ: أَنْ يَكُونَ الرَّهْنُ فِي يَدِ أَحَدِ الْمُدَّعِيَيْنِ، وَفِي هَذَا الْوَجْهِ إنْ لَمْ يُؤَرِّخَا، أَوْ أَرَّخَا وَتَارِيخُهُمَا عَلَى السَّوَاءِ يُقْضَى بِالرَّهْنِ لِذِي الْيَدِ، وَإِنْ أَرَّخَا، وَتَارِيخُ أَحَدِهِمَا أَسْبَقُ يُقْضَى لِأَسْبَقِهِمَا تَارِيخًا خَارِجًا كَانَ، أَوْ ذَا الْيَدِ كَمَا فِي دَعْوَى الشِّرَاءِ. الْوَجْهُ الثَّانِي أَنْ يَكُونَ الرَّهْنُ فِي أَيْدِيهِمَا. الْوَجْهُ الثَّالِثُ: أَنْ يَكُونَ الرَّهْنُ فِي يَدِ الرَّاهِنِ، وَفِي الْوَجْهَيْنِ جَمِيعًا إنْ أَرَّخَا، وَتَارِيخُ أَحَدِهِمَا أَسْبَقُ يُقْضَى لِأَسْبَقِهِمَا تَارِيخًا، وَإِنْ لَمْ يُؤَرِّخَا، أَوْ أَرَّخَا تَارِيخًا عَلَى السَّوَاءِ فَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يُقْضَى بِشَيْءٍ مِنْ الرَّهْنِ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا، وَفِي الِاسْتِحْسَانِ يُقْضَى بِنِصْفِهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِنِصْفِ حَقِّهِ، وَبِالْقِيَاسِ نَأْخُذُ لِقُوَّةِ وَجْهِهِ، هَكَذَا ذُكِرَ فِي رِوَايَةِ أَبِي سُلَيْمَانَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَذُكِرَ فِي رِوَايَةِ أَبِي حَفْصٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَنَّهُ لَا يُقْضَى لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا بِشَيْءٍ مِنْ الرَّهْنِ قِيَاسًا وَاسْتِحْسَانًا قَالُوا: وَمَا ذُكِرَ فِي رِوَايَةِ أَبِي سُلَيْمَانَ أَصَحُّ (الْوَجْهِ الثَّانِي) : أَنْ تَقَعَ الدَّعْوَى بَعْدَ مَوْتِ الرَّاهِنِ، وَأَنَّهُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ أَيْضًا، وَفِي الْوُجُوهِ كُلِّهَا إنْ أَرَّخَا، وَتَارِيخُ أَحَدِهِمَا أَسْبَقُ يُقْضَى لِأَسْبَقِهِمَا تَارِيخًا، وَإِنْ لَمْ يُؤَرِّخَا أَوْ أَرَّخَا تَارِيخَهُمَا عَلَى السَّوَاءِ فَفِيمَا إذَا كَانَ الرَّهْنُ فِي أَيْدِيهِمَا، أَوْ فِي يَدِ الرَّاهِنِ، فَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يُقْضَى لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا بِشَيْءٍ، وَهُمَا أُسْوَةٌ لِلْغُرَمَاءِ، وَبِالْقِيَاسِ أَخَذَ أَبُو يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَفِي الِاسْتِحْسَانِ يُقْضَى لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِنِصْفِ الرَّهْنِ بِنِصْفِ حَقِّهِ يُبَاعُ الرَّهْنُ فَيُقْضَى نِصْفُ دَيْنِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا، فَإِنْ فَضَلَ شَيْءٌ مِنْ الثَّمَنِ مِنْ نِصْفِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يُصْرَفُ الْفَاضِلُ إلَى سَائِرِ الْغُرَمَاءِ، وَإِلَى الرَّاهِنِ بِالْحِصَصِ وَبِالِاسْتِحْسَانِ أَخَذَ أَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَقَوْلُ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - مُضْطَرِبٌ فِي الْكُتُبِ هَذَا الَّذِي ذَكَرْنَا إذَا ادَّعَيَا الرَّهْنَ مِنْ وَاحِدٍ.

وَأَمَّا إذَا ادَّعَيَا الرَّهْنَ مِنْ اثْنَيْنِ، وَأَقَامَا الْبَيِّنَةَ، وَالرَّهْنُ فِي يَدِ أَحَدِهِمَا فَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ عَلَى أَرْبَعَةِ أَوْجُهٍ: (الْوَجْهُ الْأَوَّلُ) : أَنْ يَكُونَ الرَّاهِنَانِ غَائِبَيْنِ، رَاهِنُ الْخَارِجِ، وَرَاهِنُ ذِي الْيَدِ، وَفِي هَذَا الْوَجْهِ يُقْضَى بِالرَّهْنِ لِذِي الْيَدِ، وَإِنْ أَرَّخَا مَعَ ذَلِكَ، وَتَارِيخُ الْخَارِجِ أَسْبَقُ، وَإِنْ كَانَ الرَّاهِنَانِ حَاضِرَيْنِ يُقْضَى بِهِ رَهْنًا لِلْخَارِجِ، وَإِنْ كَانَ أَحَدُ الرَّاهِنَيْنِ حَاضِرًا، وَالْآخَرُ غَائِبًا فَإِنَّهُ لَا يُقْضَى لِلْخَارِجِ مَا لَمْ يَحْضُرْ الرَّاهِنُ الْآخَرُ فَإِذَا حَضَرَ الْآخَرُ الْآنَ يُقْضَى كَذَا فِي الْمُحِيطِ.

عَبْدٌ عِنْدَ رَجُلٍ ادَّعَاهُ رَجُلٌ أَنَّهُ عَبْدُهُ، وَأَنَّهُ رَهَنَهُ مِنْ فُلَانٍ الْغَائِبِ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ، وَقَبَضَهُ فُلَانٌ مِنْهُ، وَذُو الْيَدِ يَقُولُ: الْعَبْدُ عَبْدِي فَإِنَّهُ يُقْضَى بِهِ لِلْمُدَّعِي؛ لِأَنَّ صَاحِبَ الْيَدِ انْتَصَبَ خَصْمًا لَهُ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَدَّعِي الْمِلْكَ لِنَفْسِهِ فِي الْعَبْدِ فَإِذَا قَضَى بِهِ لِلْمُدَّعِي ذُكِرَ أَنَّهُ يُؤْخَذُ مِنْهُ وَيُوضَعُ عَلَى يَدَيْ عَدْلٍ، وَلَوْ غَابَ الرَّاهِنُ، وَقَالَ الْمُرْتَهِنُ: هَذَا الْعَبْدُ رَهْنٌ فِي يَدَيَّ مِنْ قِبَلِ فُلَانٍ بِكَذَا، وَأَنَّ هَذَا الَّذِي فِي يَدَيْهِ غَصَبَهُ، أَوْ اسْتَعَارَهُ، أَوْ اسْتَأْجَرَهُ مِنِّي، وَأَقَامَ عَلَى ذَلِكَ بَيِّنَةً فَإِنِّي أَدْفَعُ الْعَبْدَ إلَيْهِ هَكَذَا ذَكَرَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي الْأَصْلِ قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - الْقَاضِي لَا يَقْضِي لَهُ بِالرَّهْنِ؛ لِأَنَّ فِيهِ قَضَاءً عَلَى الْغَائِبِ بِالدَّيْنِ، وَلَيْسَ عَنْهُ خَصْمٌ فِي ذَلِكَ، وَلَكِنْ يُقْضَى بِأَنَّ وُصُولَ هَذَا الْعَيْنِ إلَى يَدِ ذِي الْيَدِ كَانَ مِنْ جِهَةِ الْمُدَّعِي بِالْغَصْبِ أَوْ الْإِجَارَةِ، أَوْ الْإِعَارَةِ كَمَا شَهِدَ بِهِ شُهُودُهُ فَيُقْضَى لَهُ بِحَقِّ الِاسْتِرْدَادِ، وَذُو الْيَدِ خَصْمٌ فِي ذَلِكَ، وَهَذَا بِخِلَافِ مَا لَمْ يَدَّعِ عَلَى ذِي الْيَدِ الْأَخْذَ مِنْ يَدِهِ فَإِنَّ ذَا الْيَدِ لَا يَنْتَصِبُ خَصْمًا لَهُ كَذَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة.

وَفِي حِيَلِ الْخَصَّافِ رَجُلٌ فِي يَدَيْهِ رَهْنٌ، وَالرَّاهِنُ غَائِبٌ، وَأَرَادَ الْمُرْتَهِنُ أَنْ يُثْبِتَ الرَّهْنَ عِنْدَ الْقَاضِي حَتَّى يُسَجِّلَ لَهُ بِذَلِكَ، وَيَحْكُمَ بِأَنَّهُ رَهْنٌ فِي يَدَيْهِ فَالْحِيلَةُ فِي ذَلِكَ أَنْ يَأْمُرَ الْمُرْتَهِنُ رَجُلًا غَرِيبًا حَتَّى يَدَّعِيَ رَقَبَةَ هَذَا الرَّهْنِ، وَيَقْدَمُ الْمُرْتَهِنُ إلَى الْقَاضِي فَيُقِيمُ الْمُرْتَهِنُ الْبَيِّنَةَ عِنْدَ الْقَاضِي أَنَّهُ رَهَنَ عِنْدَهُ فَيَسْمَعُ الْقَاضِي بَيِّنَتَهُ عَلَى الرَّهْنِ وَيَقْضِي بِكَوْنِهِ رَهْنًا عِنْدَهُ وَيَدْفَعُ عَنْهُ خُصُومَةَ الْغَرِيبِ فَهَذَا تَنْصِيصٌ مِنْ الْخَصَّافِ أَنَّ الْبَيِّنَةَ عَلَى الرَّهْنِ مَسْمُوعَةٌ، وَإِنْ كَانَ الرَّاهِنُ غَائِبًا، وَهَكَذَا ذَكَرَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي دَعْوَى الْجَامِعِ، وَفِي الْأَصْلِ فِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ، وَذَكَرَ فِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ مِنْ رَهْنِ الْأَصْلِ وَشَرَطَ حَضْرَةَ الرَّاهِنِ لِسَمَاعِ هَذِهِ الْبَيِّنَةِ، وَالْمَشَايِخُ فِيهِ مُخْتَلِفُونَ بَعْضُهُمْ قَالُوا: مَا ذُكِرَ فِي رَهْنِ الْأَصْلِ أَنَّ حَضْرَةَ الرَّاهِنِ شَرْطٌ وَقَعَ غَلَطًا مِنْ الْكَاتِبِ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ حَضْرَتُهُ، وَبَعْضُ مَشَايِخِنَا - رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى - قَالُوا: فِي الْمَسْأَلَةِ رِوَايَتَانِ فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ تُقْبَلُ هَذِهِ الْبَيِّنَةُ حَالَ غَيْبَةِ الرَّاهِنِ، وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى الْقَاضِي لَا يَقْبَلُ هَذِهِ الْبَيِّنَةَ قَالَ

<<  <  ج: ص:  >  >>