إلَّا أَنَّهُ يَبْرَأُ أَهْلُ الْمَحَلَّةِ عَنْ الْقَسَامَةِ وَالدِّيَةِ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ - رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى -: تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمَا فِي حَقِّ الْقَضَاءِ بِالْقَتْلِ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ. ثُمَّ قَالَ أَبُو يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: إنْ اخْتَارَ الْوَلِيُّ الشَّاهِدَيْنِ مِنْ جُمْلَةِ مَنْ يَسْتَحْلِفُهُمْ يُحَلِّفُهُمَا بِاَللَّهِ مَا قَتَلْنَاهُ، فَقَطْ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: يَحْلِفَانِ بِاَللَّهِ مَا قَتَلْنَاهُ، وَلَا عَلِمْنَا لَهُ قَاتِلًا سِوَى فُلَانٍ كَذَا فِي الْكَافِي.
ذَكَرَ فِي النَّوَادِرِ إذَا وُجِدَ قَتِيلٌ فِي مَحَلَّةٍ، وَزَعَمَ أَهْلُ الْمَحَلَّةِ أَنَّ رَجُلًا مِنْهُمْ قَتَلَهُ، وَلَمْ يَدَّعِ الْوَلِيُّ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمْ بِعَيْنِهِ فَالْقَسَامَةُ وَالدِّيَةُ عَلَى أَهْلِ الْمَحَلَّةِ ثُمَّ كَيْفَ يَحْلِفُونَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ - رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى - يَحْلِفُونَ بِاَللَّهِ مَا قَتَلْنَاهُ، وَمَا عَلِمْنَا لَهُ قَاتِلًا غَيْرَ فُلَانٍ، وَهُوَ الْأَحْوَطُ، وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى كَذَا فِي مُحِيطِ السَّرَخْسِيِّ.
وَإِذَا وُجِدَ الْقَتِيلُ فِي مَحَلَّةٍ، وَادَّعَى أَهْلُ الْمَحَلَّةِ أَنَّ فُلَانًا قَتَلَهُ دُونَهُمْ، وَأَقَامُوا عَلَى ذَلِكَ بَيِّنَةً مِنْ غَيْرِ مَحَلَّتِهِمْ جَازَتْ الشَّهَادَةُ، وَوَقَعَتْ لَهُمْ الْبَرَاءَةُ عَنْ الْقَسَامَةِ وَالدِّيَةِ ادَّعَى وَلِيُّ الْقَتِيلِ ذَلِكَ أَوْ لَمْ يَدَّعِ كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ.
وَفِي نَوَادِرِ هِشَامٍ قَالَ: سَمِعْتُ مُحَمَّدًا - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - يَقُولُ: إذَا وُجِدَ قَتِيلٌ فِي مَحَلَّةٍ، وَادَّعَى أَوْلِيَاؤُهُ عَلَيْهِمْ، وَأَقَامَ أَهْلُ الْمَحَلَّةِ بَيِّنَةً أَنَّهُ قَتَلَهُ فُلَانٌ لِرَجُلٍ مِنْ غَيْرِ مَحَلَّتِهِمْ أَوْ جَاءَ جَرِيحًا حَتَّى سَقَطَ فِي مَحَلَّتِهِمْ، وَمَاتَ قَالَ يَبْرَءُونَ مِنْ الدِّيَةِ، وَإِنْ ادَّعَى أَوْلِيَاءُ الدَّمِ الْقَتْلَ عَلَى رَجُلٍ بِعَيْنِهِ، وَأَقَامُوا الْبَيِّنَةَ عَلَى ذَلِكَ، فَأَقَامَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ الْبَيِّنَةَ أَنَّ فُلَانًا قَتَلَهُ لِرَجُلٍ آخَرَ قَالَ: لَا أَقْبَلُ هَذِهِ الْبَيِّنَةَ كَذَا فِي الْمُحِيطِ.
وَإِذَا جُرِحَ الرَّجُلُ فِي قَبِيلَةٍ، فَنُقِلَ إلَى أَهْلِهِ، فَمَاتَ مِنْ تِلْكَ الْجِرَاحَةِ، فَإِنْ كَانَ صَاحِبَ فِرَاشٍ حَتَّى مَاتَ، فَالْقَسَامَةُ وَالدِّيَةُ عَلَى الْقَبِيلَةِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ صَاحِبَ فِرَاشٍ، فَلَا ضَمَانَ فِيهِ، وَلَا قَسَامَةَ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: لَا ضَمَانَ فِيهِ، وَلَا قَسَامَةَ فِي الْوَجْهَيْنِ، وَعَلَى هَذَا التَّخْرِيجِ إذَا وُجِدَ عَلَى ظَهْرِ إنْسَانٍ يَحْمِلُهُ إلَى بَيْتِهِ، فَمَاتَ بَعْدَ يَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ، فَإِنْ كَانَ صَاحِبَ فِرَاشٍ حَتَّى مَاتَ، فَهُوَ عَلَى الَّذِي كَانَ يَحْمِلُهُ كَمَا لَوْ مَاتَ عَلَى ظَهْرِهِ، وَإِنْ كَانَ يَجِيءُ، وَيَذْهَبُ، فَلَا شَيْءَ عَلَى مَنْ حَمَلَهُ، وَفِيهِ خِلَافُ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - كَذَا فِي الْكَافِي، وَلَوْ جُرِحَ فِي مَحَلَّةٍ أَوْ قَبِيلَةٍ، فَحُمِلَ مَجْرُوحًا، وَمَاتَ فِي مَحَلَّةٍ أُخْرَى مِنْ تِلْكَ الْجِرَاحَةِ فَالْقَسَامَةُ وَالدِّيَةُ عَلَى أَهْلِ الْمَحَلَّةِ الَّتِي جُرِحَ فِيهَا كَذَا فِي مُحِيطِ السَّرَخْسِيِّ.
قَالَ فِي الْجَامِعِ: مَحَلَّةٌ أَوْ مَسْجِدٌ اخْتَطَّهَا ثَلَاثُ قَبَائِلَ إحْدَاهَا بَكْرُ بْنُ وَائِلٍ، وَهُمْ عِشْرُونَ رَجُلًا، وَالْأُخْرَى بَنُو قَيْسٍ، وَهُمْ ثَلَاثُونَ رَجُلًا، وَالْأُخْرَى بَنُو تَمِيمٍ، وَهُمْ خَمْسُونَ رَجُلًا، فَوُجِدَ فِي هَذِهِ الْمَحَلَّةِ قَتِيلٌ أَوْ فِي هَذَا الْمَسْجِدِ فَالدِّيَةُ تَجِبُ عَلَى الْقَبَائِلِ أَثْلَاثًا عَلَى كُلِّ قَبِيلَةٍ ثُلُثُهَا، وَكَذَا لَوْ كَانَ مِنْ إحْدَى الْقَبَائِلِ رَجُلٌ وَاحِدٌ لَا غَيْرُ، فَعَلَى عَاقِلَتِهِ ثُلُثُ الدِّيَةِ، وَعَلَى الْقَبِيلَتَيْنِ الْبَاقِيَتَيْنِ ثُلُثَا الدِّيَةِ، وَإِنْ كَانَ الرَّجُلُ مِنْ غَيْرِ الْقَبِيلَتَيْنِ إلَّا أَنَّهُ حَلِيفٌ لِإِحْدَى الْقَبِيلَتَيْنِ كَانَتْ الدِّيَةُ عَلَى الْقَبِيلَتَيْنِ نِصْفَيْنِ، وَلَا شَيْءَ عَلَى قَبِيلَةِ الْحَلِيفِ، وَقَالَ فِي الْجَامِعِ أَيْضًا مَحَلَّةٌ اخْتَطَّهَا ثَلَاثُ قَبَائِلَ، وَبَنَوْا فِيهَا مَسْجِدًا، فَاشْتَرَى رَجُلٌ مِنْ غَيْرِ الْقَبَائِلِ الثَّلَاثِ دُورَ إحْدَى الْقَبَائِلِ حَتَّى لَمْ يَبْقَ مِنْ أَهْلِ الْقَبِيلَةِ الْبَائِعَةِ أَحَدٌ ثُمَّ وُجِدَ قَتِيلٌ فِي الْمَحَلَّةِ أَوْ فِي الْمَسْجِدِ كَانَتْ الدِّيَةُ أَثْلَاثًا ثُلُثُهَا عَلَى عَاقِلَةِ الْمُشْتَرِي، وَثُلُثَاهَا عَلَى الْقَبِيلَتَيْنِ الْبَاقِيَتَيْنِ، فَإِنْ كَانَ الْمُشْتَرِي لِتِلْكَ الدُّورِ رَجُلًا وَاحِدًا مِنْ إحْدَى الْقَبِيلَتَيْنِ الْبَاقِيَتَيْنِ كَانَتْ الدِّيَةُ نِصْفَيْنِ عَلَى الْقَبِيلَتَيْنِ الْبَاقِيَتَيْنِ.
وَإِنْ اشْتَرَى رَجُلٌ مِنْ غَيْرِ تِلْكَ الْقَبَائِلِ دُورَ قَبِيلَتَيْنِ، وَبَاقِي الْمَسْأَلَةِ بِحَالِهَا، فَالدِّيَةُ نِصْفَانِ نِصْفُهَا عَلَى عَاقِلَةِ الْمُشْتَرِي، وَنِصْفُهَا عَلَى عَاقِلَةِ الْقَبِيلَةِ الْبَاقِيَةِ، وَإِنْ اشْتَرَى رَجُلٌ مِنْ غَيْرِ هَذِهِ الْقَبَائِلِ دُورَ الْقَبَائِلِ كُلِّهَا ثُمَّ بَاعَ دُورَ إحْدَى الْقَبَائِلِ مِنْ قَوْمٍ شَتَّى، فَالدِّيَةُ عَلَى عَاقِلَةِ الْمُشْتَرِي الْأَوَّلِ مَا دَامَ لَهُ مِنْ تِلْكَ الدُّورِ شَيْءٌ، وَلَوْ كَانَ الْمُشْتَرِي لِلدُّورِ كُلِّهَا بَاعَ دُورَ إحْدَى الْقَبَائِلِ مِنْ الَّذِينَ كَانَتْ لَهُمْ أَوْ أَقَالَهَا مَعَهُمْ أَوْ رَدَّ عَلَيْهِمْ بِعَيْبٍ بِغَيْرِ قَضَاءٍ ثُمَّ وُجِدَ فِي الْمَحَلَّةِ أَوْ فِي الْمَسْجِدِ قَتِيلٌ، فَالدِّيَةُ عَلَى عَاقِلَةِ الْمُشْتَرِي، وَإِنْ كَانَ الرَّدُّ عَلَيْهِمْ بِالْعَيْبِ بِقَضَاءِ قَاضٍ، فَعَلَى عَاقِلَةِ الْمُشْتَرِي نِصْفُ الدِّيَةِ، وَعَلَى عَاقِلَةِ الَّذِينَ رُدَّتْ عَلَيْهِمْ النِّصْفُ كَذَا فِي الْمُحِيطِ. إذَا وُجِدَ فِي سُوقٍ أَوْ مَسْجِدِ جَمَاعَةٍ كَانَتْ فِي بَيْتِ الْمَالِ إذَا كَانَ السُّوقُ لِلْعَامَّةِ أَوْ لِلسُّلْطَانِ.
وَإِنْ كَانَ مَمْلُوكًا لِقَوْمٍ، فَالْقَسَامَةُ وَالدِّيَةُ عَلَيْهِمْ، وَأَرَادَ بِالْمَسْجِدِ الْمَسْجِدَ الْجَامِعَ أَوْ مَسْجِدَ جَمَاعَةٍ يَكُونُ فِي السُّوقِ لِعَامَّةِ الْمُسْلِمِينَ، وَإِنْ كَانَ فِي مَسْجِدِ مَحَلَّةٍ، فَعَلَى أَهْلِ الْمَحَلَّةِ كَذَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute