لِرَجُلٍ وَأَوْصَى بِغَلَّتِهِ أَبَدًا لَهُ أَيْضًا، ثُمَّ مَاتَ الْمُوصِي وَلَا مَالَ لَهُ غَيْرَهُ وَفِي الْبُسْتَانِ غَلَّةٌ تُسَاوِي مِائَةً وَالْبُسْتَانُ يُسَاوِي ثَلَثَمِائَةٍ فَلِلْمُوصَى لَهُ ثُلُثُ الْغَلَّةِ الَّتِي فِيهِ وَثُلُثُ مَا يَخْرُجُ مِنْ الْغَلَّةِ فِيمَا يَسْتَقْبِلُ أَبَدًا.
وَلَوْ أَوْصَى بِعِشْرِينَ دِرْهَمًا مِنْ غَلَّتِهِ كُلَّ سَنَةٍ لِرَجُلٍ فَأَغَلَّ سَنَةً قَلِيلًا وَسَنَةً كَثِيرًا فَلَهُ ثُلُثُ الْغَلَّةِ كُلَّ سَنَةٍ يُحْبَسُ وَيُنْفَقُ عَلَيْهِ كُلَّ سَنَةٍ مِنْ ذَلِكَ عِشْرُونَ دِرْهَمًا مَا عَاشَ هَكَذَا أَوْجَبَهُ الْمُوصِي وَرُبَّمَا لَا تَحْصُلُ الْغَلَّةُ فِي بَعْضِ السِّنِينَ فَلِهَذَا يُحْبَسُ ثُلُثُ الْغَلَّةِ عَلَى حَقِّهِ، وَكَذَلِكَ لَوْ أَوْصَى بِأَنْ يُنْفِقَ عَلَيْهِ خَمْسَةَ دَرَاهِمَ كُلَّ شَهْرٍ مِنْ مَالِهِ فَإِنَّهُ يُحْبَسُ جَمِيعَ الثُّلُثِ لِيُنْفِقَ عَلَيْهِ مِنْهُ كُلَّ شَهْرٍ خَمْسَةً كَمَا أَوْجَبَهُ الْمُوصِي وَيَسْتَوِي إنْ أَمَرَ بِأَنْ يُنْفِقَ عَلَيْهِ فِي كُلِّ شَهْرٍ مِنْهُ دِرْهَمًا أَوْ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ، كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ.
هِشَامٌ سَأَلْتُ مُحَمَّدًا - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - عَنْ رَجُلٍ أَوْصَى لِرَجُلَيْنِ يُنْفِقُ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي كُلِّ شَهْرٍ كَذَا وَكَذَا يُوقِفُ الثُّلُثَ لَهُمَا ثُمَّ إنَّ الْوَرَثَةَ صَالَحُوا أَحَدَ الْمُوصَى لَهُمَا عَلَى شَيْءٍ أَعْطَوْهُ إيَّاهُ فَيَبْرَأُ مِنْ وَصِيَّتِهِ؟ قَالَ: يُوقَفُ الثُّلُثُ كُلُّهُ عَلَى الْآخَرِ وَلَا يَرْجِعُ حَقُّهُ الَّذِي صَالَحَهُ إلَى الْوَرَثَةِ، كَذَا فِي الْمُحِيطِ.
وَلَوْ أَوْصَى بِأَنْ تُبَاعَ دَارُهُ مِنْ رَجُلٍ بِأَلْفٍ وَأَنْ يُقْرَضَ لِرَجُلٍ أَلْفُ دِرْهَمٍ سَنَةً وَاسْتَهْلَكَ الْوَرَثَةُ الْعَيْنَ سِوَى الدَّارِ فَبِيعَتْ بِأَلْفٍ وَهِيَ تُسَاوِيهَا فَهِيَ لِصَاحِبِ الْقَرْضِ سَنَةً، ثُمَّ لِلْوَرَثَةِ، كَذَا فِي مُحِيطِ السَّرَخْسِيِّ.
قَالَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي الْجَامِعِ: رَجُلٌ أَوْصَى بِأَنْ يُنْفَقَ عَلَى فُلَانٍ مَا عَاشَ مِنْ مَالِهِ كُلَّ شَهْرٍ خَمْسَةُ دَرَاهِمَ وَأَوْصَى لِآخَرَ بِثُلُثِ مَالِهِ وَأَجَازَتْ الْوَرَثَةُ فَإِنَّ الْمَالَ يُقَسَّمُ عَلَى سِتَّةِ أَسْهُمٍ: لِلْمُوصَى لَهُ بِالثُّلُثِ سَهْمٌ يُدْفَعُ إلَيْهِ، وَالْبَاقِي وَهُوَ خَمْسَةُ أَسْهُمٍ يُوقَفُ فَيُنْفَقُ مِنْهُ عَلَى الْمُوصَى لَهُ بِالنَّفَقَةِ كُلَّ شَهْرٍ خَمْسَةُ دَرَاهِمَ، وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى: الْمَالُ يُقَسَّمُ بَيْنَهُمْ أَرْبَاعًا، ثُمَّ قَالَ فِي الْكِتَابِ: مَا أَصَابَ صَاحِبُ النَّفَقَةِ لَا يُدْفَعُ إلَيْهِ وَلَمْ يُفَصِّلْ فِي الْكِتَابِ بَيْنَ الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - إنَّ هَذَا فِي الْقَلِيلِ أَمَّا إذَا كَثُرَ الْمَالُ فَإِنَّهُ لَا يُوقَفُ لَهُ مِقْدَارُ مَا يَعْلَمُ أَنَّهُ أَكْثَرُ مِنْهُ فِي الْغَالِبِ وَلَكِنْ مَا ذَكَرَ فِي الْكِتَابِ أَصَحُّ، فَإِنْ مَاتَ الْمُوصَى لَهُ بِالنَّفَقَةِ قَبْلَ أَنْ يُنْفَقَ عَلَيْهِ جَمِيعُ مَا وُقِفَ لَهُ فَإِنَّهُ يُكْمِلُ وَصِيَّةَ صَاحِبِ الثُّلُثِ وَيُعْتَبَرُ الثُّلُثُ يَوْمَ مَاتَ الْمُوصِي لَا يَوْمَ مَاتَ الْمُوصَى لَهُ بِالنَّفَقَةِ؛ لِأَنَّ حَقَّهُ كَانَ فِي ثُلُثِ جَمِيعِ الْمَالِ يَوْمَ مَاتَ الْمُوصِي إلَّا أَنَّهُ يَوْمَ مَاتَ انْتَقَصَ حَقُّهُ لِمُزَاحَمَةِ الْآخَرِ فَإِذَا زَالَتْ الْمُزَاحَمَةُ يُكْمِلُ لَهُ ثُلُثَ جَمِيعِ الْمَالِ إلَّا أَنْ يَكُونَ قَدْ ذَهَبَ أَكْثَرُ مِنْ ثُلُثِ الْمَالِ فَحِينَئِذٍ يُدْفَعُ إلَيْهِ النَّفَقَةَ وَلَا يُكْمِلُ لَهُ الثُّلُثَ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَبْقَ مِنْ الْمَالِ مَا يُكْمِلُ بِهِ الثُّلُثَ.
ثُمَّ إذَا كَمَّلَ حَقَّ صَاحِبِ الثُّلُثِ فَمَا فَضَلَ يُصْرَفُ إلَى وَرَثَةِ الْمُوصِي لَا إلَى وَرَثَةِ الْمُوصَى لَهُ بِالنَّفَقَةِ، هَذَا إذَا أَجَازَتْ الْوَرَثَةُ الْوَصِيَّةَ فَأَمَّا إذَا لَمْ تُجِزْ فَالثُّلُثُ يُقَسَّمُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَعِنْدَهُمَا أَرْبَاعًا فَيُدْفَعُ نِصْفُ الثُّلُثِ لِلْمُوصَى لَهُ بِالثُّلُثِ وَالنِّصْفُ الْآخَرُ يُوقَفُ لِيُنْفَقَ عَلَى الْآخَرِ، فَإِنْ مَاتَ صَاحِبُ النَّفَقَةِ قَبْلَ اسْتِكْمَالِ نِصْفِ الثُّلُثِ صُرِفَ مَا بَقِيَ إلَى الْمُوصَى لَهُ بِالثُّلُثِ وَلَوْ كَانَ أَوْصَى لِاثْنَيْنِ بِأَنْ يُنْفِقَ عَلَيْهِمَا مَا عَاشَا كُلَّ شَهْرٍ عَشْرَةَ دَرَاهِمَ وَأَوْصَى لِرَجُلٍ آخَرَ بِثُلُثِ مَالِهِ فَعِنْدَ إجَازَةِ الْوَرَثَةِ يُقَسَّمُ الْمَالُ عَلَى سِتَّةِ أَسْهُمٍ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَعِنْدَ عَدَمِ الْإِجَازَةِ يُقَسَّمُ الْمَالُ نِصْفَيْنِ عِنْدَهُ وَأَرْبَاعًا عِنْدَهُمَا، وَإِنْ مَاتَ أَحَدُ الْمُوصَى لَهُمَا بِالنَّفَقَةِ لَا يَرُدُّ عَلَى الْمُوصَى لَهُ بِالثُّلُثِ شَيْءٌ بَلْ مَا كَانَ لَهُمَا يُوقَفُ كَذَلِكَ كُلُّهُ وَيُنْفَقُ عَلَى الْبَاقِي مِنْهُمَا فَإِنْ قَالَ فِي آخِرِ وَصِيَّتِهِ: يُنْفَقُ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا خَمْسَةٌ كَانَ ذَلِكَ بَيَانًا لِمَا أَوْجَبَهُ إطْلَاقُ إيجَابِهِ فَلَا يَخْتَلِفُ بِهِ الْحُكْمُ.
وَلَوْ أَنَّ الْمَيِّتَ قَالَ: أَوْصَيْت لِفُلَانٍ بِثُلُثِ مَالِي وَأَوْصَيْت لِفُلَانٍ بِأَنْ يُنْفَقَ عَلَيْهِ كُلَّ شَهْرٍ خَمْسَةُ دَرَاهِمَ مَا عَاشَ وَأَوْصَيْت بِأَنْ يُنْفَقَ عَلَى فُلَانٍ آخَرَ كُلَّ شَهْرٍ خَمْسَةُ دَرَاهِمَ مَا عَاشَ فَإِنْ أَجَازَتْ الْوَرَثَةُ قُسِّمَ الْمَالُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - عَلَى تِسْعَةِ أَسْهُمٍ لِلْمُوصَى لَهُ بِالثُّلُثِ سَهْمٌ وَيُوقَفُ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْآخَرَيْنِ أَرْبَعَةُ أَسْهُمٍ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ - رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى - الْمَالُ عَلَى سَبْعَةِ أَسْهُمٍ سَبْعَةٌ لِلْمُوصَى لَهُ يُدْفَعُ الثُّلُثُ إلَيْهِ وَيُوقَفُ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْمُوصَى لَهُمَا بِالنَّفَقَةِ ثَلَاثَةُ أَسْبَاعٍ هَذَا إذَا أَجَازَتْ الْوَرَثَةُ فَإِنْ لَمْ تُجِزْ قُسِّمَ الثُّلُثُ أَسْبَاعًا عِنْدَهُمَا أَيْضًا، وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute