مِلْكٍ، وَلَا شَهَادَةَ لَهُمْ عَلَى الْبَيْعِ، إنَّمَا شَهَادَتُهُمْ عَلَى الْإِقْرَارِ بِالْبَيْعِ، وَلَكِنَّ هَذَا الزَّعْمَ فَاسِدٌ.
أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِوَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا - أَنَّ مُطْلَقَ كَلَامِ الْعَاقِلِ وَتَصَرُّفِهِ يُحْمَلُ عَلَى وَجْهِ الصِّحَّةِ بِقَضِيَّةِ الْأَصْلِ، وَذَلِكَ هَاهُنَا فِي أَنْ يُحْمَلَ دَعْوَى الْمُدَّعِي الْإِقْرَارَ بِالْبَيْعِ بِذَلِكَ التَّارِيخِ عَلَى دَعْوَاهُ الْإِقْرَارَ بِالْبَيْعِ بَعْدَ الْبَيْعِ بِذَلِكَ التَّارِيخِ، وَكَذَلِكَ الشَّهَادَةُ عَلَى هَذَا الثَّانِي أَنَّ مُطْلَقَ كَلَامِ الْعَاقِلِ يُحْمَلُ عَلَى الْمُعْتَادِ، وَالنَّاسُ فِي عَادَتِهِمْ يُرِيدُونَ بِهَذَا الْإِقْرَارِ بِالْبَيْعِ بَعْدَ الْبَيْعِ بِذَلِكَ التَّارِيخِ. وَأَمَّا الثَّانِي - قُلْنَا هَذَا شَهَادَةٌ عَلَى الْإِقْرَارِ بِالْبَيْعِ، وَالْبَيْعُ سَبَبُ الْمِلْكِ فَتَكُونُ هَذِهِ شَهَادَةً عَلَى الْإِقْرَارِ بِمَا هُوَ سَبَبُ الْمِلْكِ، وَأَنَّهُ صَحِيحٌ.
(وَرُدَّ مَحْضَرٌ فِي دَعْوَى الْجَارِيَةِ) حَضَرَ وَأَحْضَرَ مَعَ نَفْسِهِ جَارِيَةً وَادَّعَى أَنَّ هَذِهِ الْجَارِيَةَ مِلْكُهُ وَالْجَارِيَةُ مُنْكِرَةٌ فَجَاءَ الَّذِي حَضَرَ بِشُهُودٍ شَهِدُوا بِهَذِهِ الْعِبَارَةِ (روزى مردى بيامد واين جَارِيَة حَاضِر آورده راباين حَاضِر آمده بفر وخت ببهاء مَعْلُوم وبوى تَسْلِيم كرد) فَرُدَّ الْمَحْضَرُ بِعِلَّتَيْنِ: إحْدَاهُمَا أَنَّ الشُّهُودَ شَهِدُوا بِأَنَّ الْمِلْكَ لِلْمُدَّعِي بِطَرِيقِ الِانْتِقَالِ مِنْ بَائِعِهِ فَلَا بُدَّ مِنْ إثْبَاتِ الْمِلْكِ لِلْبَائِعِ لِيَثْبُتَ الِانْتِقَالُ إلَى الْمُدَّعِي.
وَلَمْ يَثْبُتْ الْمِلْكُ لِلْبَائِعِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ بِهَذِهِ الشَّهَادَةِ لِكَوْنِ الْبَائِعِ مَجْهُولًا، وَإِثْبَاتُ الْمِلْكِ لِلْمَجْهُولِ لَا يَتَحَقَّقُ وَإِذَا لَمْ يَثْبُتْ الْمِلْكُ لِلْبَائِعِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ بِهَذِهِ الشَّهَادَةِ كَيْفَ يَثْبُتُ الِانْتِقَالُ مِنْهُ إلَى الْمُدَّعِي بِهَذِهِ الشَّهَادَةِ حَتَّى لَوْ كَانَ الْبَائِعُ مَعْلُومًا تُقْبَلُ الشَّهَادَةُ وَيَقْضِي بِالْجَارِيَةِ لِلْمُدَّعِي، وَالْعِلَّةُ الثَّانِيَةُ - أَنَّ الشُّهُودَ شَهِدُوا أَنَّ رَجُلًا بَاعَهَا مِنْ هَذَا الْمُدَّعِي، وَلَمْ يَشْهَدُوا أَنَّ الْمُشْتَرِيَ اشْتَرَاهَا، وَيَجُوزُ أَنَّ ذَلِكَ الرَّجُلَ بَاعَهَا إلَّا أَنَّ الْمُدَّعِيَ لَمْ يَشْتَرِهَا وَبِمُجَرَّدِ الْبَيْعِ بِدُونِ الشِّرَاءِ لَا يَثْبُتُ الْمِلْكُ، وَلَكِنَّ الْعِلَّةَ الثَّانِيَةَ لَيْسَتْ بِصَحِيحَةٍ؛ لِأَنَّ ذِكْرَ الْبَيْعِ يَتَضَمَّنُ الشِّرَاءَ وَذِكْرَ الشِّرَاءِ يَتَضَمَّنُ الْبَيْعَ، أَلَا يُرَى أَنَّ مَنْ ادَّعَى عَلَى غَيْرِهِ أَنِّي بِعْتُ مِنْكَ هَذِهِ الْجَارِيَةَ بِكَذَا وَطَالَبَهُ بِالثَّمَنِ كَانَتْ دَعْوَاهُ الْبَيْعَ صَحِيحَةً، وَإِنْ لَمْ يَدَّعِ أَنَّهُ اشْتَرَى، وَكَذَلِكَ إذَا ادَّعَى أَنَّ هَذَا الرَّجُلَ بَاعَ هَذِهِ الْجَارِيَةَ مِنِّي كَانَتْ دَعْوَاهُ صَحِيحَةً، وَإِنْ لَمْ يَقُلْ: وَأَنَا اشْتَرَيْتُهَا مِنْهُ، ذَكَرَهُ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي كَثِيرٍ مِنْ الْمَوَاضِعِ.
(وَرُدَّ مَحْضَرٌ فِي دَعْوَى الْجَارِيَةِ أَيْضًا) حَضَرَ وَأَحْضَرَ مَعَ نَفْسِهِ جَارِيَةً وَادَّعَى أَنَّهَا جَارِيَتُهُ اشْتَرَاهَا مِنْ فُلَانٍ فَطَاعَتُهُ وَاجِبَةٌ عَلَيْهَا وَالْجَارِيَةُ تُنْكِرُ دَعْوَاهُ فَجَاءَ الَّذِي حَضَرَ بِشُهُودٍ شَهِدُوا أَنَّهُ اشْتَرَاهَا مِنْ فُلَانٍ فَاخْتَلَفَتْ أَجْوِبَةُ الْمُفْتِينَ فَأَفْتَى بَعْضُهُمْ بِصِحَّةِ الدَّعْوَى فِي حَقِّ الْقَضَاءِ بِالْمِلْكِ لَا فِي حَقِّ وُجُوبِ الطَّاعَةِ؛ لِأَنَّ الطَّاعَةَ بِتَسْلِيمِهَا نَفْسَهَا إلَيْهِ وَتَسْلِيمَ الْمَبِيعِ إنَّمَا يَجِبُ بَعْدَ نَقْدِ الثَّمَنِ، وَالْمُدَّعِي فِي دَعْوَاهُ لَمْ يَذْكُرْ نَقْدَ الثَّمَنِ، وَأَفْتَى بَعْضُهُمْ بِعَدَمِ صِحَّةِ الدَّعْوَى أَصْلًا، وَهُوَ الصَّحِيحُ؛ لِأَنَّ الشُّهُودَ مَا شَهِدُوا بِمِلْكِ الْبَائِعِ لَا نَصًّا وَلَا دَلَالَةً وَبِدُونِ ذَلِكَ لَا يَقْضِي بِالْمِلْكِ لِلْمُشْتَرِي وَهِيَ مَسْأَلَةُ كِتَابِ الشَّهَادَاتِ
(وَرُدَّ مَحْضَرٌ فِي دَعْوَى وَلَاءِ الْعَتَاقَةِ) رَجُلٌ مَاتَ فَجَاءَ رَجُلٌ وَادَّعَى أَنَّ الْمَيِّتَ عَتِيقُ وَالِدِي فُلَانٍ كَانَ أَعْتَقَهُ وَالِدِي فِي حَيَاتِهِ وَمِيرَاثُهُ لِي لِأَنِّي ابْنُ مُعْتِقِهِ لَا وَارِثَ لَهُ غَيْرِي فَأَفْتَى بَعْضُ مَشَايِخِنَا بِفَسَادِ هَذِهِ الدَّعْوَى وَأَفْتَى بَعْضُهُمْ بِالصِّحَّةِ، وَالصَّحِيحُ أَنَّ هَذِهِ الدَّعْوَى فَاسِدَةٌ؛ لِأَنَّ الْمُدَّعِيَ لَمْ يَقُلْ فِي دَعْوَاهُ وَهُوَ يَمْلِكُهُ وَالْإِعْتَاقُ مِنْ غَيْرِ الْمَالِكِ بَاطِلٌ وَالدَّلِيلُ عَلَى صِحَّةِ مَا قُلْنَا مَا ذَكَرَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي دَعْوَى الْأَصْلِ فِي بَابِ دَعْوَى الْعِتْقِ إذَا أَقَامَ عَبْدٌ بَيِّنَةً أَنَّهُ أَعْتَقَهُ فُلَانٌ وَفُلَانٌ يُنْكِرُ ذَلِكَ أَوْ يُقِرُّ وَأَقَامَ آخَرُ بَيِّنَةً أَنَّ هَذَا الْعَبْدَ عَبْدُهُ قَضَى الْقَاضِي لِلَّذِي أَقَامَ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ عَبْدُهُ؛ لِأَنَّ شُهُودَ الْعِتْقِ شَهِدُوا بِعِتْقٍ بَاطِلٍ؛ لِأَنَّهُمْ لَمْ يَقُولُوا فِي شَهَادَتِهِمْ وَفُلَانٌ يَمْلِكُهُ وَالْمِلْكُ لَا يَثْبُتُ لِفُلَانٍ مِنْ غَيْرِ شَهَادَةٍ وَالْعِتْقُ بِلَا مِلْكٍ بَاطِلٌ فَهُوَ مَعْنَى قَوْلِنَا أَنَّهُمْ شَهِدُوا بِعِتْقٍ بَاطِلٍ فَصَارَ وُجُودُ هَذِهِ الشَّهَادَةِ وَالْعَدَمُ بِمَنْزِلَةٍ، وَلَوْ عَدِمَ هَذِهِ الشَّهَادَةَ لَكَانَ يَقْضِي لِلَّذِي أَقَامَ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ عَبْدُهُ كَذَا هَاهُنَا. وَكَذَلِكَ لَوْ شَهِدَ شُهُودُ الْعَبْدِ أَنَّ فُلَانًا أَعْتَقَهُ وَهُوَ فِي يَدِهِ يَقْضِي لِلَّذِي شَهِدُوا أَنَّهُ عَبْدُهُ؛ لِأَنَّ صِحَّةَ الْإِعْتَاقِ تَعْتَمِدُ الْمِلْكَ دُونَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute