الْجَدِّ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ - رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى -، وَكَذَلِكَ فِي ذِكْرِ الْحُدُودِ لَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِ جَدِّ صَاحِبِ الْحُدُودِ، وَكَذَلِكَ فِي تَعْرِيفِ الْمُتَخَاصِمَيْنِ لَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِ الْجَدِّ وَكَانَ الْقَاضِي الْإِمَامُ رُكْنُ الْإِسْلَامِ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ السُّغْدِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي الِابْتِدَاءِ لَا يَشْتَرِطُ ذِكْرَ الْجَدِّ، وَفِي آخِرِ عُمُرِهِ كَانَ يَشْتَرِطُ ذَلِكَ، وَهُوَ الصَّحِيحُ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى.
(وَرُدَّ مَحْضَرٌ فِيهِ دَعْوَى الشُّفْعَةِ) وَكَانَ فِيهِ بَيَانُ أَنْوَاعِ الطَّلَبِ الثَّلَاثَةِ فَرُدَّ بِعِلَّةِ أَنَّهُ لَمْ يُذْكَرْ فِي الدَّعْوَى وَالشَّهَادَةِ أَنَّ الشَّفِيعَ طَلَبَ الْإِشْهَادَ عَلَى فَوْرِ تَمَكُّنِهِ مِنْ الْإِشْهَادِ، وَأَنَّهُ أَشْهَدَ عَلَى هَذَا الْمَحْدُودِ، وَالْمَحْدُودُ أَقْرَبُ إلَيْهِ مِنْ الْمُشْتَرِي وَالْبَائِعِ، وَلَا بُدَّ مِنْ بَيَانِ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الشَّرْطَ هُوَ الْإِشْهَادُ عَلَى مَنْ هُوَ أَقْرَبُ إلَيْهِ مِنْ الْمَحْدُودِ وَالْبَائِعِ، وَالْمُشْتَرِي يَجِبُ أَنْ يَعْلَمَ بِأَنَّ مُدَّةَ طَلَبِ الْإِشْهَادِ مُقَدَّرَةٌ بِالتَّمَكُّنِ مِنْ الْإِشْهَادِ عِنْدَ حَضْرَةِ أَحَدِ الْأَشْيَاءِ الثَّلَاثَةِ، إمَّا الْبَائِعُ أَوْ الْمُشْتَرِي أَوْ الْمَحْدُودُ وَالطَّلَبُ مِنْ الْمُشْتَرِي صَحِيحٌ عَلَى كُلِّ حَالٍ قَبَضَ الدَّارَ أَوْ لَمْ يَقْبِضْ، وَالطَّلَبُ مِنْ الْبَائِعِ صَحِيحٌ إذَا كَانَتْ الدَّارُ فِي يَدِهِ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ الدَّارُ فِي يَدِهِ ذَكَرَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ فِي شَرْحِهِ أَنَّ الطَّلَبَ صَحِيحٌ اسْتِحْسَانًا غَيْرُ صَحِيحٍ قِيَاسًا، وَذَكَرَ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ الْقُدُورِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي شَرْحِهِ وَالنَّاطِفِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي أَجْنَاسِهِ وَعِصَامٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي مُخْتَصَرِهِ أَنَّهُ لَيْسَ بِصَحِيحٍ مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ الْقِيَاسِ وَالِاسْتِحْسَانِ وَإِذَا قَصَدَ الْأَبْعَدَ مِنْ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ وَتَرَكَ الْأَقْرَبَ إنْ كَانَ الْكُلُّ فِي مِصْرٍ وَاحِدٍ لَا تَبْطُلُ شُفْعَتُهُ، هَكَذَا ذَكَرَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ فِي شَرْحِهِ وَعِصَامٌ فِي مُخْتَصَرِهِ؛ لِأَنَّ الْمِصْرَ مَعَ تَبَايُنِ أَطْرَافِهِ كَمَكَانٍ وَاحِدٍ حُكْمًا، وَذَكَرَ الْخَصَّافُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي أَدَبِ الْقَاضِي أَنَّهُ إذَا اجْتَازَ عَلَى الْأَقْرَبِ وَتَرَكَ الطَّلَبَ تَبْطُلُ شُفْعَتُهُ، وَهَكَذَا ذَكَرَ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ فِي وَاقِعَاتِهِ، وَإِنْ كَانُوا فِي مِصْرَيْنِ أَوْ فِي أَمْصَارٍ، فَإِنْ كَانَ أَحَدُ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ مَعَ الشَّفِيعِ فِي مِصْرٍ وَاحِدٍ فَتَرَكَهُ وَذَهَبَ إلَى الْمِصْرِ الْآخَرِ بَطَلَتْ شُفْعَتُهُ، وَإِنْ كَانَ الشَّفِيعُ فِي مِصْرٍ عَلَى حِدَةٍ وَالْمُشْتَرِي وَالْبَائِعُ وَالدَّارُ كُلُّ وَاحِدٍ فِي مِصْرٍ عَلَى حِدَةٍ فَتَرَكَ الْأَقْرَبَ وَذَهَبَ إلَى الْأَبْعَدِ فَقَدْ اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ - رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى - فِيهِ بَعْضُهُمْ قَالُوا: تَبْطُلُ شُفْعَتُهُ، وَهَكَذَا ذَكَرَ عِصَامٌ فِي مُخْتَصَرِهِ.
وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَا تَبْطُلُ شُفْعَتُهُ، وَهَكَذَا ذَكَرَ النَّاطِفِيُّ فِي أَجْنَاسِهِ، وَهَذَا لِأَنَّ الشَّفِيعَ قَدْ لَا يَقْدِرُ عَلَى الذَّهَابِ إلَى الْأَقْرَبِ بِسَبَبٍ مِنْ الْأَسْبَابِ فَلَا يَكُونُ بِالذَّهَابِ إلَى الْأَبْعَدِ مُبْطِلًا لِشُفْعَتِهِ، وَعَلَى هَذَا إذَا كَانَ لِلْأَقْرَبِ طَرِيقَانِ فَتَرَكَ الطَّرِيقَ الْأَقْرَبَ وَذَهَبَ فِي الطَّرِيقِ الْأَبْعَدِ فَعَلَى قِيَاسِ مَا ذَكَرَهُ عِصَامٌ تَبْطُلُ شُفْعَتُهُ وَعَلَى قِيَاسِ مَا ذَكَرَهُ النَّاطِفِيُّ لَا تَبْطُلُ شُفْعَتُهُ، ثُمَّ إذَا حَضَرَ الْمِصْرَ الَّذِي فِيهِ الْأَقْرَبُ يُشْتَرَطُ لِصِحَّةِ الطَّلَبِ أَنْ يَكُونَ الطَّلَبُ بِحَضْرَةِ ذَلِكَ الشَّيْءِ الدَّارَ وَالْبَائِعُ وَالْمُشْتَرِي فِي ذَلِكَ عَلَى السَّوَاءِ، وَهُوَ الْمَعْرُوفُ وَالْمَشْهُورُ، وَكَانَ الْقَاضِي الْإِمَامُ أَبُو زَيْدٍ الْكَبِيرُ يُفَرِّقُ بَيْنَ الدَّارِ وَبَيْنَ الْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي وَكَانَ يَقُولُ فِي الْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي يُشْتَرَطُ الطَّلَبُ بِحَضْرَتِهِ، وَفِي الدَّارِ لَا يُشْتَرَطُ الطَّلَبُ بِحَضْرَةِ الدَّارِ بَلْ إذَا طَلَبَ وَأَشْهَدَ مِنْ غَيْرِ تَأْخِيرٍ فِي أَيِّ مَكَان أَشْهَدَ مِنْ الْمِصْرِ الَّذِي الدَّارُ فِيهِ يَصِحُّ الطَّلَبُ وَكَانَ يَقُولُ إلَيْهِ أَشَارَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي بَابِ شُفْعَةِ أَهْلِ الْبَغْيِ، وَعَلَى هَذَا إذَا كَانَتْ الدَّارُ فِي مِصْرِ الشَّفِيعِ لَا يُشْتَرَطُ الطَّلَبُ عِنْدَ حَضْرَةِ الدَّارِ عَلَى مَا اخْتَارَهُ الْقَاضِي الْإِمَامُ، وَلَوْ كَانَ الْبَائِعُ أَوْ الْمُشْتَرِي فِي مِصْرِ الشَّفِيعِ يُشْتَرَطُ الطَّلَبُ عِنْدَ حَضْرَتِهِ بِالِاتِّفَاقِ، كَذَا فِي الْمُحِيطِ.
(وَرُدَّ مَحْضَرٌ فِي الرُّجُوعِ بِثَمَنِ الْأَتَانِ عِنْدَ وُرُودِ الِاسْتِحْقَاقِ) صُورَتُهُ حَضَرَ مَجْلِسَ الْقَضَاءِ بِبُخَارَى رَجُلٌ يُسَمَّى حَيْدَرَ الْحِمْيَرِيَّ وَأَحْضَرَ مَعَ نَفْسِهِ رَجُلًا يُسَمَّى عُثْمَانَ الْحِمْيَرِيَّ فَادَّعَى هَذَا الَّذِي حَضَرَ عَلَى هَذَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute