للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَقَالَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الشُّهُودِ بِالْفَارِسِيَّةِ (كواهي ميدهم كه أَيْنَ مُدَّعَى عَلَيْهِ) ، وَأَشَارَ إلَيْهِ (مُقِرّ آمُدّ بِحَالٍ صَحَّتْ وروائي إقْرَار خويش بطوع وَرَغِبْتُ وَجَنِين كَفَتْ بخريدم إزين مَدْعِيٌّ) ، وَأَشَارَ إلَيْهِ (هفصد مِنْ روغن كنجدبا كيزه صَافِّي خريدني دَرَسْتُ وَقَبض كردم قبضي دَرَسْتُ) وَاسْتَفْتَوْا عَنْ صِحَّةِ هَذِهِ الدَّعْوَى، فَقِيلَ: إنَّهَا فَاسِدَةٌ مِنْ وَجْهَيْنِ وَالشَّهَادَةُ غَيْرُ مُطَابِقَةٍ لِلدَّعْوَى. أَمَّا بَيَانُ أَحَدِ وَجْهَيْ فَسَادِ الدَّعْوَى أَنَّ الْمُدَّعِيَ ادَّعَى إقْرَارَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِهَذَا الْمَالِ الْمَذْكُورِ فِيهِ، وَدَعْوَى الْإِقْرَارِ بِالْمَالِ غَيْرُ صَحِيحَةٍ عِنْدَ عَامَّةِ الْعُلَمَاءِ لِوَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا - أَنَّ دَعْوَى الْإِقْرَارِ لَيْسَ بِدَعْوَى لِلْحَقِّ؛ لِأَنَّ حَقَّ الْمُدَّعِي الْمَالُ دُونَ الْإِقْرَارِ، فَإِذَا ادَّعَى الْإِقْرَارَ فَقَدْ ادَّعَى مَا لَيْسَ بِحَقٍّ لَهُ.

وَالثَّانِي - أَنَّهُ ظَهَرَ وَجْهُ الْكَذِبِ فِي هَذِهِ الدَّعْوَى؛ لِأَنَّ نَفْسَ الْإِقْرَارِ لَيْسَ بِسَبَبٍ لِوُجُوبِ الْمَالِ، إنَّمَا الْمُوجِبُ شَيْءٌ آخَرُ وَهُوَ الْمُبَايَعَةُ وَالْإِقْرَاضُ أَوْ مَا شَاكَلَ ذَلِكَ فَلَوْ كَانَ الْحَقُّ ثَابِتًا لِلْمُدَّعِي بِسَبَبِهِ لَادَّعَى ذَلِكَ وَلَبَيَّنَ سَبَبَهُ فَلَمَّا أَعْرَضَ عَنْ ذَلِكَ وَمَالَ إلَى الْإِقْرَارِ عُلِمَ أَنَّهُ كَاذِبٌ فِي الدَّعْوَى. الْوَجْهُ الثَّانِي لِفَسَادِ الدَّعْوَى أَنَّهُ لَمَّا بَيَّنَ سَبَبَ الْوُجُوبِ وَهُوَ شِرَاءُ الدُّهْنِ لَا بُدَّ وَأَنْ يُبَيِّنَ أَنَّ هَذَا الْمَبْلَغَ مِنْ الدُّهْنِ الَّذِي يَدَّعِي بَيْعَهُ مِنْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ كَانَ مَوْجُودًا وَقْتَ الْبَيْعِ حَتَّى يَقَعَ الْبَيْعُ صَحِيحًا؛ لِأَنَّ عَلَى تَقْدِيرِ عَدَمِهِ وَقْتَ الْبَيْعِ أَوْ عَدَمِ بَعْضِهِ لَا يَكُونُ الْبَيْعُ مُنْعَقِدًا فِي حَقِّ الْكُلِّ أَوْ فِي حَقِّ الْبَعْضِ فَلَا يَكُونُ الثَّمَنُ وَاجِبًا عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَلَا تَسْتَقِيمُ دَعْوَى الثَّمَنِ بِسَبَبِ الشِّرَاءِ، وَالْبَيْعُ غَايَةُ مَا فِي الْبَابِ أَنَّهُ ذَكَرَ أَنَّهُ قَبَضَهُ قَبْضًا صَحِيحًا، وَلَكِنْ هَذَا لَا يَكْفِي لِصِحَّةِ الْبَيْعِ وَوُجُوبُ الثَّمَنِ لِوَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا - أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مَوْجُودًا وَقْتَ الْبَيْعِ، وَلَا مَقْبُوضًا لَكِنَّ الْكَاتِبَ هَكَذَا ذَكَرَ، وَالثَّانِي - أَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مَوْجُودًا وَقْتَ الْبَيْعِ، ثُمَّ حَصَّلَهُ الْبَائِعُ وَسَلَّمَهُ إلَى الْمُشْتَرِي، وَقَبَضَهُ الْمُشْتَرِي إذْ لَمْ يَذْكُرْ فِي الْمَحْضَرِ، وَقَبَضَهُ فِي مَجْلِسِ الشِّرَاءِ أَوْ عَقِيبَ الْقِيَامِ عَنْ مَجْلِسِ الشِّرَاءِ.

وَعَلَى تَقْدِيرِ عَدَمِهِ وَقْتَ الْبَيْعِ لَا يَنْفَعُهُ التَّسْلِيمُ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ حِينَئِذٍ يَقَعُ بَاطِلًا وَالتَّسْلِيمُ بِحُكْمِ الْبَيْعِ الْبَاطِلِ لَا يَنْفَعُ فَلَا يَكُونُ هَذَا بَيْعًا بِالتَّعَاطِي؛ لِأَنَّ هَذَا التَّسْلِيمَ بِنَاءً عَلَى ذَلِكَ الْعَقْدِ الْبَاطِلِ، وَإِنَّمَا يُعْتَبَرُ الْبَيْعُ بِالتَّعَاطِي فِي مَوْضِعٍ لَمْ يَكُنْ التَّسْلِيمُ بِنَاءً عَلَى الْبَيْعِ الْفَاسِدِ وَهُوَ نَظِيرُ مَا قُلْنَا فِي الْإِجَارَةِ إذَا آجَرَ دَارِهِ أَوْ أَرْضَهُ وَهِيَ مَشْغُولَةٌ بِمَتَاعِ الْأَجْرِ وَزَرْعِهِ، ثُمَّ فَرَّغَ وَسَلَّمَ لَا تَنْقَلِبُ الْإِجَارَةُ جَائِزَةً فَلَا يَنْعَقِدُ بَيْنَهُمَا إجَارَةٌ مُبْتَدَأَةٌ بِالتَّعَاطِي؛ لِأَنَّ التَّسْلِيمَ حَصَلَ بِنَاءً عَلَى الْإِجَارَةِ الْفَاسِدَةِ كَذَا هُنَا وَمِنْ الْمَشَايِخِ مَنْ أَنْكَرَ وَجْهَ الْقِيَاسِ فِي هَذِهِ الدَّعْوَى، وَذَكَرَ لِكُلِّ وَجْهٍ مِنْ وَجْهَيْ الْفَسَادِ جَوَابًا. أَمَّا الْأَوَّلُ قُلْنَا: دَعْوَى الْإِقْرَارِ بِالْمَالِ إنَّمَا لَا تَصِحُّ إذَا حَصَلَ دَعْوَى الْمَالِ بِحُكْمِ الْإِقْرَارِ بِأَنْ قَالَ الْمُدَّعِي: عَلَيْكَ كَذَا؛ لِأَنَّكَ أَقْرَرْتَ لِي بِهِ، أَوْ قَالَ: هَذِهِ الْعَيْنُ مِلْكِي؛ لِأَنَّكَ أَقْرَرْتَ لِي بِهَا، وَهُنَا دَعْوَى الْمَالِ مَا حَصَلَتْ بِحُكْمِ الْإِقْرَارِ بَلْ دَعْوَى الْمَالِ حَصَلَتْ مُطْلَقَةً إلَّا أَنَّهُ مَعَ دَعْوَى الْمَالِ ادَّعَى إقْرَارَهُ بِالْمَالِ وَهُوَ لَا يُوجِبُ خَلَلًا.

وَقَوْلُهُ ظَهَرَ وَجْهُ الْكَذِبِ فِي هَذِهِ الدَّعْوَى مَمْنُوعٌ أَيْضًا، وَقَوْلُهُ لَمْ يَدَّعِ السَّبَبَ قُلْنَا: إنَّمَا لَمْ يَدَّعِ السَّبَبَ لَا لِمَا قُلْتُمْ، بَلْ لِأَنَّهُ لَمْ يَجِدْ مَنْ يَشْهَدُ عَلَى السَّبَبِ وَوُجِدَ مَنْ يَشْهَدُ عَلَى إقْرَارِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِالْمَالِ.

وَأَمَّا الْوَجْهُ الثَّانِي قَوْلُهُ " لَا بُدَّ وَأَنْ يُبَيِّنَ أَنَّ هَذَا الْمَبْلَغَ مِنْ الدُّهْنِ كَانَ مَوْجُودًا

<<  <  ج: ص:  >  >>