للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الرَّجُلُ دَارًا مِنْ رَجُلَيْنِ عَشْرَ سِنِينَ فَخَافَ أَنْ يُخْرِجَاهُ مِنْهَا وَأَرَادَ أَنْ يَسْتَوْثِقَ مِنْ ذَلِكَ فَالْحِيلَةُ فِيهِ أَنْ يَسْتَأْجِرَ الدَّارَ كُلَّ شَهْرٍ مِنْ الشُّهُورِ الْأُوَلِ بِدِرْهَمٍ وَالشَّهْرَ الْأَخِيرَ بِبَقِيَّةِ الْأَجْرِ فَإِنَّ مُعْظَمَ الْأَجْرِ مَتَى كَانَ لِلشَّهْرِ الْأَخِيرِ فَإِنَّهُمَا لَا يُخْرِجَانِهِ مِنْ الدَّارِ وَقَدْ حُكِيَ أَنَّهُ كَانَ فِي الِابْتِدَاءِ يَكْتُبُونَ بَيْعَ الْمُعَامَلَةِ فَلَمَّا كَانَ فِي زَمَنِ الْفَقِيهِ مُحَمَّدِ بْنِ إبْرَاهِيمَ الْمَيْدَانِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - كَرِهَ ذَلِكَ لِمَكَانِ شُبْهَةِ الرِّبَا وَأَحْدَثَ هَذَا النَّوْعَ مِنْ الْإِجَارَةِ لِيَصِلَ النَّاسُ إلَى الِاسْتِرْبَاحِ بِأَمْوَالِهِمْ فَيَحْصُلُ لَهُمْ مَنْفَعَةُ الْأَرْضِ وَالدَّارِ مَعَ الْأَمْنِ عَنْ ذَهَابِ شَيْءٍ مَقْصُودٍ مِنْ الْمَالِ فَجَعَلَ بِمُقَابِلِهِ السِّنِينَ الْمُتَقَدِّمَةَ شَيْئًا قَلِيلًا وَجَعَلَ بَقِيَّةَ الْمَالِ لِلسَّنَةِ الْأَخِيرَةِ وَاسْتَثْنَى ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ مِنْ آخِرِ كُلِّ سَنَةٍ وَاشْتَرَطَ الْخِيَارَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي هَذِهِ الْأَيَّامِ وَإِنَّمَا أَثْبَتَ الْخِيَارَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا حَتَّى يُمْكِنَهُ الْفَسْخُ وَالْوُصُولُ إلَى مَالِهِ إذَا احْتَاجَ إلَيْهِ وَإِنَّمَا اسْتَثْنَى هَذِهِ الْأَيَّامَ مِنْ الْعَقْدِ حَتَّى لَا يَكُونَ اشْتِرَاطُ الْخِيَارِ أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْعَقْدِ فَإِنَّهُ يُوجِبُ فَسَادَ الْعَقْدِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَحَتَّى لَا يُشْتَرَطَ حَضْرَةُ صَاحِبِهِ لِصِحَّةِ الْفَسْخِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ - رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى - وَلَكِنَّهُ شَرَطَ الْخِيَارَ فِي غَيْرِ أَيَّامِ الْعَقْدِ وَإِنَّمَا قَدَّرُوا بِإِحْدَى وَثَلَاثِينَ سَنَةً؛ لِأَنَّهُ يُسْتَثْنَى ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ مِنْ آخِرِ كُلِّ ثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ فِي الْغَالِبِ.

وَإِذَا اسْتَثْنَيْنَا ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ مِنْ آخِرِ كُلِّ سَنَةٍ فِي صَكِّنَا هَذَا تَكُونُ الْأَيَّامُ الْمُسْتَثْنَاةُ مِنْ هَذِهِ الْمُدَّةِ ثَلَثَمِائَةٍ وَسِتِّينَ يَوْمًا وَذَلِكَ سَنَةٌ وَاحِدَةٌ فَيَبْقَى عَقْدُ الْإِجَارَةِ فِي ثَلَاثِينَ سَنَةً وَإِنَّمَا عَقَدُوا عَقْدَ الْإِجَارَةِ فِي ثَلَاثِينَ سَنَةً وَلَمْ يَعْقِدُوا فِي الزِّيَادَةِ عَلَى ذَلِكَ؛ لِأَنَّ ثَلَاثِينَ سَنَةً نِصْفُ الْعُمْرِ فِي الشَّرْعِ قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أَعْمَارُ أُمَّتِي مَا بَيْنَ السِّتِّينَ إلَى السَّبْعِينَ» . وَقَالَ النَّبِيُّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «مُعْتَرَكُ الْمَنَايَا مَا بَيْنَ السِّتِّينَ إلَى السَّبْعِينَ» . فَكَرِهُوا الزِّيَادَةَ عَلَى نِصْفِ الْعُمْرِ؛ لِأَنَّ الْأَكْثَرَ مُعْتَبَرٌ بِالْكُلِّ حَتَّى كَانَ إدْرَاكُ أَكْثَرِ الرَّكْعَةِ بِمَنْزِلَةِ إدْرَاكِ الْكُلِّ وَحِينَئِذٍ يَتَمَكَّنُ شُبْهَةُ التَّأْبِيدِ فِيهَا وَالتَّأْقِيتُ مِنْ شَرْطِهَا، وَوَافَقَهُ عَلَى تَجْوِيزِ هَذِهِ الْإِجَارَةِ الشَّيْخُ الْإِمَامُ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -.

وَكَذَا مَنْ بَعْدَهُ مِنْ الْأَئِمَّةِ بِبُخَارَى وَعَلَى هَذَا أَمْرُ الْأَئِمَّةِ فِي فَتْوَى الْجَوَازِ بِهَذِهِ الْإِجَارَةِ الْيَوْمَ وَكَانَ الزُّهَّادُ مِنْ مَشَايِخِنَا مِثْلِ الشَّيْخِ الْإِمَامِ أَبِي بَكْرِ بْنِ حَامِدٍ وَالشَّيْخِ الْإِمَامِ أَبِي حَفْصٍ السَّفْكَرْدَرِيِّ لَا يُجَوِّزُونَ هَذِهِ الْإِجَارَةَ وَيَقُولُونَ فِيهَا شُبْهَةُ الرِّبَا وَقَدْ ذَكَرْنَا وُجُوهَ الْفَسَادِ فِي كِتَابِ الْإِجَارَاتِ مِنْ هَذَا الْكِتَابِ قَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ الْأَجَلُّ الْأُسْتَاذُ ظَهِيرُ الدِّينِ الْمَرْغِينَانِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَقَدْ بَيَّنَّا وَجْهَ صِحَّتِهَا وَانْتِفَاءَ شُبْهَةِ الرِّبَا عَنْهَا وَلَوْ لَمْ تُجَوَّزْ بِهَذَا الطَّرِيقِ لَا نَسُدُّ عَلَى النَّاسِ وُجُوهَ دَفْعِ حَوَائِجِهِمْ بِمَالِ الْغَيْرِ؛ لِأَنَّ مَنْ يُقْرِضُ الْمَالَ الْكَثِيرَ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَطْمَعَ فِي وُصُولِ نَفْعٍ مَالِيٍّ نَادِرٌ وَبِذَلِكَ النَّادِرِ لَا تَنْدَفِعُ الْحَوَائِجُ وَلَا تَنْتَظِمُ الْمَصَالِحُ فَكَانَ فِي الْقَوْلِ بِجَوَازِ هَذِهِ الْإِجَارَةِ تَعْدِيلُ النَّظَرِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ وَلِهَذَا الْمَعْنَى جَازَ الدُّخُولُ فِي الْحَمَّامِ بِأَجْرٍ وَإِنْ كَانَ الْأَجْرُ مَجْهُولًا، وَمَا يُصَبُّ مِنْ الْمَاءِ وَالْمَكَانُ الَّذِي يَجْلِسُ فِيهِ وَمِقْدَارُ مَا يَمْكُثُ فِيهِ مَجْهُولًا ثُمَّ اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ الَّذِينَ يُجَوِّزُونَ هَذِهِ الْإِجَارَةَ فِي فَصْلٍ وَهُوَ أَنَّهُ إذَا كَانَ سِنُّ أَحَدِ الْعَاقِدَيْنِ بِحَيْثُ لَا يَعِيشُ إلَى ثَلَاثِينَ سَنَةً غَالِبًا هَلْ تَصِحُّ هَذِهِ الْإِجَارَةُ؟ بَعْضُهُمْ لَمْ يُجَوِّزُوا وَمِمَّنْ لَا يُجَوِّزُ الْقَاضِي الْإِمَامُ أَبُو عَاصِمٍ الْعَامِرِيُّ وَبَعْضُهُمْ جَوَّزُوا ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْعِبْرَةَ لِصِيغَةِ كَلَامِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ وَأَنَّهَا تَقْتَضِي التَّأْقِيتَ فَصَحَّ ذَلِكَ، وَنَظِيرُ هَذَا مَا إذَا تَزَوَّجَ امْرَأَةً إلَى مِائَةِ سَنَةٍ فَإِنَّهُ يَكُونُ مُتْعَةً وَلَا يَكُونُ نِكَاحًا صَحِيحًا فِي الرِّوَايَاتِ الظَّاهِرَةِ عَنْ أَصْحَابِنَا وَإِنْ كَانَا لَا يَعِيشَانِ إلَى هَذِهِ الْمُدَّةِ غَالِبًا وَلَكِنْ لَمَّا كَانَ الِاعْتِبَارُ لِلَّفْظِ كَانَ مُبْطِلًا لِلنِّكَاحِ، كَذَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ.

(إجَارَةُ النِّصْفِ الشَّائِعِ) اسْتَأْجَرَ فُلَانٌ الْفُلَانِيُّ مِنْ فُلَانٍ الْفُلَانِيِّ جَمِيعَ مَا ذَكَرَ أَنَّهُ مِلْكُهُ وَحَقُّهُ مِنْ جَمِيعِ

<<  <  ج: ص:  >  >>