للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مَظْهَرًا وَمَبْطَنًا وَخِيفَتَهُ مُسِرًّا وَمُعْلِنًا فَإِنَّهَا أَنْفَعُ مَا قُدِّمَ مِنْ زَادٍ وَأَحْسَنُ مَا اُدُّخِرَ مِنْ عَتَادٍ.

وَاَللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى يَقُولُ {إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ} [النحل: ١٢٨] وَأَمَرَهُ أَنْ يُوَاظِبَ عَلَى تِلَاوَةِ الْقُرْآنِ مُتَدَبِّرًا حِجَجَهُ الطَّاهِرَةَ مُتَأَمِّلًا أَدِلَّتَهُ الْبَاهِرَةَ فَإِنَّهُ عَمُودُ الْحَقِّ وَمِنْهَاجُ الصِّدْقِ، وَبَشِيرُ الثَّوَابِ وَنَذِيرُ الْعِقَابِ وَالْكَاشِفُ لِمَا اسْتَبْهَمَ وَالْمُنَوِّرُ لِمَا أَظْلَمَ وَاَللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى يَقُولُ {لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ} [فصلت: ٤٢] وَأَمَرَهُ بِدِرَاسَةِ سُنَنِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَآثَارِهِ وَتَعَهُّدِ أَحَادِيثِهِ وَأَخْبَارِهِ مُنْتَهِيًا إلَى حُكْمِهِ وَوَصَايَاهُ مُؤْتَسِيًا بِخَلَائِقِهِ وَسَجَايَاهُ فَإِنَّهُ الدَّاعِي إلَى الْهُدَى الَّذِي لَا يَنْطِقُ عَنْ الْهَوَى فَمَنْ ائْتَمَرَ بِأَوَامِرِهِ غَنِمَ وَمَنْ انْزَجَرَ عَنْ مَزَاجِرِهِ سَلِمَ، وَقَدْ قَرَنَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ طَاعَتَهُ بِطَاعَتِهِ فِي مُحْكَمِ كِتَابِهِ، وَجَعَلَ الْعَمَلَ بِقَوْلِهِ كَالْعَمَلِ بِخِطَابِهِ وَأَمَرَهُ بِمُجَالَسَةِ أَهْلِ الدِّينِ وَالْعِلْمِ وَمُدَارَسَةِ أَهْلِ الْفِقْهِ وَالْفَهْمِ وَمُشَاوَرَتِهِمْ فِيمَا يُقَدِّرُهُ وَيُمْضِيهِ فَإِنَّهُ لَا مُبَرَّأَ مِنْ السَّهْوِ وَالْغَلَطِ وَلَا أَمْنَ مِنْ الزَّلَلِ وَالسَّقَطِ، وَأَنَّ الشُّورَى نِتَاجُ الْأَلْبَابِ وَالْمُبَاحَثَةُ رَائِدُ الصَّوَابِ وَاسْتِظْهَارُ الْمَرْءِ عَلَى رَأْيِهِ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ وَاسْتِنَارَتُهُ بِعَقْلِ أَخِيهِ مِنْ حَزَامَةِ التَّدْبِيرِ.

وَقَدْ أَمَرَ اللَّهُ عَزَّ وَعَلَا بِذَلِكَ أَوْلَى الْبَشَرِ بِالْإِصَابَةِ فَقَالَ لِرَسُولِهِ الْكَرِيمِ فِي كِتَابِهِ الْحَكِيمِ {وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ} [آل عمران: ١٥٩] وَأَمَرَهُ بِفَتْحِ الْبَابِ وَرَفْعِ الْحِجَابِ وَالْبُرُوزِ لِلْخُصُومِ وَإِيصَالِهِمْ إلَيْهِ عَلَى الْعُمُومِ وَالنَّظَرِ بَيْنَ الْمُتَحَاكِمِينَ بِالسَّوِيَّةِ وَالْعَدْلِ فِيهِمْ عِنْدَ الْقَضِيَّةِ وَأَنْ لَا يُفَضِّلَ خَصْمًا عَلَى صَاحِبِهِ فِي لَحْظٍ وَلَا لَفْظٍ وَلَا يُقَوِّيهِ عَلَيْهِ بِقَوْلٍ وَلَا فِعْلٍ.

إذَا كَانَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ جَعَلَ الْحُكْمَ مِيزَانَ الْقِسْطِ وَالْعَدْلِ فِي الْقَبْضِ وَالْبَسْطِ وَسَوَّى بَيْنَ الدَّنِيءِ وَالشَّرِيفِ وَأَخَذَ بِهِ الْقَوِيَّ لِلضَّعِيفِ بِقَوْلِهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى {يَا دَاوُدُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الأَرْضِ} [ص: ٢٦] وَأَمَرَهُ إذَا تَرَافَعَ إلَيْهِ الْمُتَحَاكِمَانِ أَنْ يَطْلُبَ الْحُكْمَ بَيْنَهُمَا فِي نَصِّ الْكِتَابِ.

فَإِنْ عَدِمَهُ هُنَاكَ طَلَبَهُ مِنْ سُنَّةِ رَسُولِهِ الْقَوِيمَةِ وَالْآثَارِ الصَّحِيحَةِ السَّلِيمَةِ.

فَإِنْ فَقَدَهُ هُنَاكَ ابْتَغَاهُ فِي إجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ فِيهِ إجْمَاعًا اجْتَهَدَ رَأْيَهُ بَعْدَ أَنْ يَبْلُغَ غَايَةَ الْوُسْعِ فِي التَّحَرِّي فَإِنَّهُ مَنْ أَخَذَ بِالْكِتَابِ اهْتَدَى وَمَنْ اتَّبَعَ السُّنَّةَ نَجَا وَمَنْ تَمَسَّك بِالْإِجْمَاعِ سَلِمَ مِنْ الْخَطَأِ وَمَنْ اجْتَهَدَ فَقَدْ أَعْذَرَ وَاَللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى يَقُولُ {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا} [العنكبوت: ٦٩] وَأَمَرَهُ بِالتَّثَبُّتِ فِي الْحُدُودِ وَالِاسْتِظْهَارِ فِيهَا بِتَعْدِيلِ الشُّهُودِ وَأَنْ يُحْتَرَسَ مِنْ عَجَلٍ يُزْهِقُ الْحُكْمَ عَنْ الْمَوْقِعِ الصَّحِيحِ أَوْ رَيْثٍ يَزْجُرُهُ عِنْدَ الْوُضُوحِ حَتَّى يَقِفَ عِنْدَ الِاشْتِبَاهِ وَيَمْضِيَ عِنْدَ الِاتِّجَاهِ وَلِيَكُنْ عَلَى يَقِينٍ بِأَنْ لَا هَوَادَةَ فِي أَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى وَلَا تَسْتَخِفَّهُ عَجَلَةٌ إلَى بَرِيءٍ وَلَا تَأْخُذَهُ رَأْفَةٌ بِمُسِيءٍ فَإِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى يَقُولُ {وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} [البقرة: ٢٢٩] وَأَمَرَهُ بِتَصَفُّحِ أَحْوَالِ مَنْ يَشْهَدُ عِنْدَهُ فَيَقْبَلُ شَهَادَةَ مَنْ كَانَ طَيِّبًا بَيْنَ النَّاسِ ذِكْرُهُ مَشْهُورًا فِيهِمْ سَيْرُهُ مَنْسُوبًا إلَى الْعِفَّةِ وَالظَّلَفِ مَعْرُوفًا بِالنَّزَاهَةِ وَالْأَنَفِ سَلِيمًا مِنْ شَائِنِ الطَّمَعِ وَأَمَرَهُ أَنْ يَحْتَاطَ عَلَى أَمْوَالِ الْأَيْتَامِ بِثِقَاتِ الْأُمَّةِ وَيَكِلَهَا إلَى الْحَفَظَةِ الْأَعْفَاءِ وَيَرْعَاهُمْ فِي ذَلِكَ عَيْنًا وَيَكْلَؤُهُمْ بِهِمَّةٍ يَقْظَى.

وَأَمَرَهُ أَنْ يُوَلِّيَ مَا يَجْرِي فِي عَمَلِهِ مِنْ الْوُقُوفِ إلَى قَوْمٍ يُحْسِنُونَ تَدْبِيرَهَا وَيَضْبِطُونَ الْقِيَامَ عَلَى

<<  <  ج: ص:  >  >>